«الواسطة»: هل لدينا الإرادة لمكافحتها؟ بقلم د. رشود الخريف

الاقتصاد الآن

680 مشاهدات 0


 


تمكن المجتمع السعودي من التعامل بجدية مع بعض المشكلات التي يعانيها كأي مجتمع بشري، وذلك بعد الإقرار أو الاعتراف بوجودها ومن ثم السعي لإصلاح الخلل. فقد اعترف المجتمع بوجود الفقر وسعى إلى وضع خطة استراتيجية وصندوق خيري وبناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية لمعالجة هذه الظاهرة المنتشرة في مختلف المناطق. واعترف بوجود البطالة واتخذ السبل لمعالجتها والحد من انتشارها من خلال اتخاذ سياسات لتوظيف القوى العاملة الوطنية وتطبيق عدد من البرامج مثل ''نطاقات'' و''حافز''. واعترف بوجود الفساد بين فئات المجتمع ومؤسساته، فأنشئت ''نزاهة'' وغيرها. وكما يُقال: فإن الاعتراف بالمشكلة هو أولى خطوات الحل. ولكن ''الوساطة'' أو ''المحسوبية'' لا تزال متغلغة في المجتمع، فعلى الرغم من اعتراف وإقرار الجميع بوجودها والإحساس بخطورتها، فإن المجتمع بمؤسساته العامة لم يتخذ إجراءات عملية وجادة للحد منها. ومن الغريب أن هناك شعوراً لدى البعض بتغلغلها في المجتمع ومؤسساته بدرجة – ربما - أكبر من الواقع بحيث يطلق عليها البعض ''قارب النجاة''، ويُشار إلى جهات معينة بأن التوظيف بها يعتمد – كلياً – على الشفاعات ''أو المحسوبيات''.

لقد فوجئت عندما سمعت معظم المتعطلين عن العمل يعزون تعطلهم وعدم حصولهم على العمل إلى عدم معرفتهم لمن ''يشفع أو يتوسط'' لهم ويساعدهم على التوظيف أسوة بغيرهم.. هذا ما سمعت في أثناء المشاركة في أكثر من دراسة لمشكلة البطالة، فسمعت وقرأت آراء لمتعطلين يشيرون إلى ''الواسطة'' مراراً وتكراراً ويلومونها على تعاسة حظهم. وفي حقيقة الأمر قد لا تدخل الواسطة بدرجة كبيرة في التوظيف في جميع الجهات، لكن الخطورة هنا أن الاعتقاد السائد استحالة التوظيف دون شفاعة الشافعين!

ولا يقتصر الأمر على التوظيف، فيرى الكثيرون أن ''الواسطة'' شائعة وضرورية للوصول للخدمات الصحية، سواء كان ذلك في الحصول على سرير في أحد المستشفيات الحكومية أو حجز موعد لدى إحدى العيادات المتخصصة، ليس ذلك فحسب، بل أصبحت متفشية في الأعمال والأنشطة الثقافية والعلمية والرياضية.

لا أعتقد أن إصلاح الحال أمر مستحيل .. فقد تحسن الوضع في إدارات الجوازات والأحوال المدنية وكذا الحجز في الرحلات الجوية، وأيضاً هناك خطوات جادة تتخذ لتصحيح القبول في الجامعات، فأصبح الأمر في هذه المؤسسات يسيراً ومتاحاً للجميع دون الحاجة لشفاعة الموظفين في تلك المؤسسات، لكن لا بد من الاعتراف بأن ''الواسطة'' لا تزال متغلغة في كثير من المؤسسات، سواء للحصول على خدمات صغيرة أو كبيرة، لدرجة أن بعضهم يُشرع لها أو يضفي عليها الشرعية، ويصفها بـ ''شفاعة حسنة''، ما يجلعها تكون جزءاً من ثقافة المجتمع، فيُمتدح المسؤول الذي يخدم جماعته، ويُذم من يطبق النظام دون تحيز، ويزداد الأمر سوءاً حينما يربط تعيين مسؤول معين بوجود ''واسطة'' أسهمت في تعيينه، وكأن المناصب العليا لا تأتي إلا بشفاعات أو لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال محسوبيات.

إن الحد من هذه الآفة الخطيرة يتطلب إرادة سياسية مجتمعية تؤدي إلى تجريمها اجتماعياً ونظامياً وشرعياً من خلال التوعية الإعلامية بخطورتها، ووضع الأنظمة الرادعة، إضافة إلى تجريمها من قبل المؤسسة الدينية. ومن الضروري الالتزام بإجراءات العمل المؤسسي والاستفادة من تقنيات العمل الآلي (الإلكتروني)، وتطبيق مبدأ ''الشفافية'' كشرط أساسي وخطوة ضرورية للحد من تأثير ''الواسطة''. ولا بد من تفعيل الأجهزة الرقابية للمتابعة الصارمة لإجراءات التوظيف سواء في القطاع الخاص أو العام – على سبيل المثال - بدءاً بالإعلان عن الوظائف وتشكيل لجان الفحص مع تقليص دور المقابلات الشخصية إلا في نطاق ضيق بحيث يقتصر هذا الإجراء على الوظائف ذات الطبيعة المهنية.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك