الدعم الحكومي بين تعزيز دوره واللا مبالاة! بقلم عمر الجريفاني

الاقتصاد الآن

504 مشاهدات 0


 


يعيش المجتمع الاقتصادي العالمي تحديات جمة، حتى بتنا نسمع أن هناك دولاً كاملة على شفير الإفلاس، وتثور اضطرابات اقتصادية في دول أخرى، وفي خضم ذلك، تتصارع في أروقة صناع القرار الاقتصادي فكرتان، الأولى تتجه لوقف الدعم الحكومي، والأخرى نحو تعزيزه، ولكل من الفكرتين مؤيدون وأنصار.

وحجة من يقول بوقف الدعم الحكومي هو الضرر الذي يترتب على اقتصاد البلاد خلال المدى البعيد من ناحية هدر ثروات الأجيال القادمة، كما إن هذا الدعم الحكومي ربما يذهب لغير مستحقيه، ولو أردنا تقريب الصورة لموقف هؤلاء بضرب مثل من واقعنا، فنحن نعرف أن كثيرا ممن انضموا إلى برنامج حافز غير مستحقين، كما أنهم لا يبحثون عن عمل أصلاً، ولسان حال أحدهم يقول: ''هذي فلوس من الحكومة خلني آخذها''، ونحن نعلم أن من أكبر أسباب التعثر والتأخر في إقراض المواطنين من قبل صندوق التنمية العقاري هو عدم سدادهم مستحقاتهم، ولسان حال هؤلاء يقول أيضاً: ''هذي فلوس الحكومة وايش بصير لو ما سددت؟''، وهذه أمثلة بسيطة تدعم الاتجاه القائل بإيقاف الدعم الحكومي، حتى لا تقع الدولة في مثل هذه المشكلات، وغيرها كثير.

يقول الفريق الآخر الذي يساند تعزيز الدعم الحكومي: ''لو رفعت الحكومة الدعم عن الطاقة ـــ على سبيل المثال ـــ لحدث تضخم كبير جداً في أسعار المواد، وارتفعت تكلفة المعيشة، وتضرر المواطن، وأنا أجزم أن كلا الفريقين لديه حجة مقبولة، وتهمهما مصلحة المواطن، وإنما أوردنا مثالين بسيطين ليتضح معنى مفهوم الدعم الحكومي بين الإيقاف وتعزيز الدعم.

تقول إحدى القصص: إن هناك مزارعاً أنعم الله عليه بمزرعة فيها ثلاث آبار من الماء يروي بها مزرعته، ولا يتطلب استخراج الماء من الآبار لسقي هذه المزرعة أي جهد يذكر، وكان لديه خمسة أبناء: محمد، خالد، أحمد، وهم في أعمار متقاربة في حدود منتصف الأربعينيات، وكل واحد منهم يدير بئراً من هذه الآبار لري المزرعة المترامية الأطراف، ولهذا المزارع أيضاً ولد اسمه سامي في العشرين من العمر، وعبد الله ذو الأعوام الخمسة.

ومع مرور الزمن كبر سامي وبدأ يبحث عن وظيفة ثانية لعدم وجود وظيفة له في مزرعة أبيه واقتصارها على إخوانه الكبار الثلاثة، وبدأ يبحث في المزارع المجاورة حتى وجد وظيفة في مزرعة تبعد عن مزرعتهم مسافة كيلومترين، كما بدأ في دفع أجرة الطريق التي تكلف 15 في المائة تقريباً من إجمالي دخله، الذي هو حتماً أقل من دخل إخوانه.

ومع مرور الزمن بدأت تضيق به الحال مع غلاء تكلفة المعيشة، فقرر الأب أن يدعم كل واحد من أبنائه بمبلغ 100 ألف في السنة، مع العلم أن دخل الأب في السنة هو مليون ريال، ومعنى هذا أن الأب قرر أن ينفق 300 ألف لدعم أبنائه في السنة، مع العلم أن الثلاثة الكبار لم يشكوا من غلاء المعيشة ولديهم وظيفتهم المضمونة عند والدهم، ولم يفكروا حتى في تغيير مكان عملهم في المزرعة، والدعم الذي يحصلونه إنما هو إضافة دخل وليس دعماً، في الجانب الآخر لا يزال مستقبل الابن الخامس عبد الله غير معروف، ولا كيف ستكون الحال معه عندما يكبر؟

هذه قصة رمزية تمثل آلية الدعم الحكومي، وآلية التنفيذ، لذلك، لا أعتقد أن إيقاف الدعم الحكومي صحيح ولا حتى تعزيزه، إذن ما الحل؟

لا شك أن إعادة توزيع الدعم الحكومي هي الحل الأمثل، وذلك ببذل برامج أكثر نفعاً للمواطن، حيث يكون الدعم نوعياً وليس كمياً، فلا بد أن ندعم جودة التعليم، لكن ألا نستهلك أغلب ميزانية التعليم في الرواتب، ولا بد أن ندعم نوعية الخدمات الصحية وليس الطاقة، ليستطيع القطاع الخاص المنافسة فيها بسبب الدعم الحكومي مثل شركة الكهرباء.

يعني تجب إعادة النظر في برامج الدعم الحكومي، ويكون التركيز على الاحتياجات الأساسية للمواطن، سكن، أمن، غذاء، صحة وتعليم.

والحمد لله، فقد أنعم الله على هذا البلد بكثير من الخيرات، وشهدنا - ولله الحمد - تسجيل ميزانيات قياسية للدولة في ظل حكم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فالحمد لله الذي أنعم علينا بهذه الخيرات، وهذا الأب الحنون الذي تهمه مصلحة أبنائه، والذي لا يمكن أن يكون تطبيق العدالة في الدعم الحكومي صعباً في عهده المبارك الميمون.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك