العمالة السائبة بين اقتصاد الظل وتصحيح الأوضاع بقلم د. محمد بن ناصر الجديد

الاقتصاد الآن

558 مشاهدات 0


 


تشير دراسة صدرت منتصف 2010 من صندوق النقد الدولي، بعنوان ''إدارة اقتصاد الظل''، إلى أن معدل اقتصاد الظل في المملكة كان يبلغ 17.5- 19.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2002-2007. وتشير ورقة عمل أخرى صدرت عن جامعة لينز النمساوية إلى أن معدل اقتصاد الظل في المملكة يبلغ 18.4- 19.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1999- 2005. وإذا دمجنا هذه الإحصاءات نصل إلى أن معدل النمو السنوي لاقتصاد الظل في المملكة يبلغ قرابة 1.63 في المائة خلال الفترة 1999-2007. وباستخدام المعدل نفسه نصل إلى أن اقتصاد الظل في المملكة يبلغ قرابة 19.95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي نهاية 2011، أي قرابة 422.194 مليون ريال باعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 2.150.793 مليون، حسب توقعات بيان الميزانية الأخير.

تعد العمالة السائبة من أحد أهم مسببات النمو في اقتصاد الظل في المملكة، بافتراض أن النمو الكبير في أعداد العمالة الوافدة في المملكة دون وجود تنفيذ مؤثر لتقنين الاستقطاب وممارسة أدوات رقابية فاعلة أسهم في فتح المجال أمام العمالة السائبة لتنشيط اقتصاد الظل. تشير قاعدة المعلومات الإحصائية الخليجية الشاملة التابعة للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى معدل النمو الكبير في عدد العمالة الوافدة إلى دول الخليج. تشير هذه الإحصاءات إلى أن عدد السكان زاد من 35.7 مليون نسمة في 2006 إلى 37.5 مليون نسمة في 2008، وأن حجم القوى العاملة زاد من قرابة 36.63 في المائة في 2006 إلى قرابة 39.94 في المائة في 2008 من عدد السكان، وأن حجم غير المواطنين الخليجيين في القوى العاملة زاد من قرابة 67.62 في المائة في 2006 إلى قرابة 69.22 في المائة في 2008. بمعنى آخر، أن نسبة القوى العاملة من غير المواطنين الخليجيين إلى إجمالي سكان دول الخليج زاد من قرابة 24.77 في المائة في 2006 إلى 27.66 في المائة في 2008.

وبناءً على ذلك، فإنه عندما نستقرئ مستقبل هذه الإحصاءات بحلول 2025، مع افتراض، أولاً، ثبات معدلات النمو ذاتها خلال الفترة 2006- 2008، وثانياً، استمرار ثبات احتياجات العملية التنموية الخليجية من العمالة الوافدة عند مستويات الفترة 2006 - 2008، وثالثاً، استمرار معدلات الخصوبة لدى المواطنين الخليجيين عند مستويات الفترة 2006 - 2008. فإننا نصل إلى أنه في 2025 سيصل عدد سكان دول الخليج إلى قرابة 51.68 مليون نسمة، وحجم القوى العاملة سيصل إلى قرابة 60.61 في المائة، وحجم القوى العاملة من غير المواطنين الخليجيين في القوى العاملة سيصل إلى قرابة 75.94 في المائة. بمعنى آخر، فإن نسبة القوى العاملة من غير المواطنين الخليجيين إلى إجمالي سكان دول الخليج قد يصل إلى قرابة 46.03 في المائة، 23.79 مليون نسمة، بحلول 2025.

يقودنا استقراء إحصاءات القوى العاملة في دول الخليج إلى النظر في أهم التحديات التي تواجه اقتصادات الخليج من النمو المتزايد للعمالة الوافدة. من أهم هذه التحديات تحد ''اقتصادي''، يتمثل في النمو الكبير في تحويلات العمالة الوافدة من السيولة النقدية خارج النظام المصرفي الخليجي وانعكاسات ذلك على حجم احتياطات المصارف الخليجية من العملات الأجنبية. والتحدي الثاني، ''خدمي''، يتمثل في نمو الضغط على خدمات البنى التحتية الخليجية جراء زيادة عدد المستخدمين وانعكاسات ذلك على العمر الافتراضي لهذه البنى. والتحدي الثالث، ''أمني''، يتمثل في تركّز العمالة الوافدة في الذكور فضلاً عن المستوى المتواضع لمهنية غالبيتها، وانعكاسات ذلك على معدلات الجريمة في دول الخليج. والتحدي الرابع، ''سياسي''، يتمثل في الاكتساب التدريجي للعمالة الوافدة بحكم التقادم في العمل في دول الخليج إلى حقوق سياسية وانعكاسات ذلك على الهوية العربية والإسلامية لدول الخليج.

تقودنا هذه التحديات إلى النظر في واقعها في ظل وجود مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي تنظّم العمل بين العمالة ودولها المصدرة وأصحاب العمل ودولهم المستوردة. من أهم هذه الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة، المعنونة بـ''الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم''، المقرة في كانون الأول (ديسمبر) 1990 الموقعة من مجموعة من دول المنظمة. تهدف هذه الاتفاقية إلى ضمان حماية واحترام الحقوق الأساسية للمهاجرين، سواء كانوا في وضعية قانونية أم لا. كما تحاول الاتفاقية إقرار معايير دولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. وعلى الرغم من أن دول الخليج العربية لم توقّع بعد على هذه الاتفاقية، إلا أن النظر في سيناريوهات مختلفة في مرحلة ما بعد التوقيع على الاتفاقية، إذا حدث، قد يسهم في التعامل بشكل أكثر عملية مع التحديات الأربعة أعلاه.

إن مما لا شك فيه أن العملية التنموية الخليجية لم تكن سوى نتاج النمو الاقتصادي الكبير والسريع الذي حدث لدول الخليج خلال العقود الماضية. وكان من أهم الأهداف التي وضعت البناء السريع لاقتصادات دول الخليج بما يمكنها من اللحاق باقتصادات الدول المتقدمة. ومن أحد أهم التطورات خلال رحلة اللحاق هذه دعوة أعداد كبيرة جداً من العمالة للمساهمة في عملية البناء. وعلى الرغم من مساهمة جزء كبير من هذه العمالة في العملية التنموية الخليجية، إلا أن الوقوف على مؤشرات نموها والتعامل الحكيم مع تحدياتها الاقتصادية، والخدمية، والأمنية، والسياسية تدعونا إلى تسليط الضوء بهدف شحذ همم المسؤولين الخليجيين إلى إيجاد وتنفيذ سياسات وآليات حكيمة بما يضمن الموازنة بين تلبية احتياجات العملية التنموية الخليجية من العمالة الوافدة على المدى القصير، من جهة، وتصحيح أوضاع العمالة السائبة على المدى البعيد مع تأهيل متوازن لكوادر مهنية وطنية، من جهة أخرى.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك