الإصلاح داخل المشترك وفي إطار الثوابت بقلم د. عدنان بن عبد الله الشيحة

الاقتصاد الآن

575 مشاهدات 0



مجتمعنا ليس ملائكيا، بل مليء بالأخطاء، وأنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تحتاج إلى تطوير وإصلاح، وهذا ليس حكرا على مجتمعنا دون الآخرين، فجميع المجتمعات الإنسانية تعاني القصور وتسعى للتطوير والتحسين. ولذا تبقى مسألة الكمال والتمام لأي نظام اجتماعي وسياسي نسبية بالمفاضلة والمقارنة بين المجتمعات. هذه حقيقة تغيب عن الكثيرين فيذهبون يقارنون مجتمعنا مع حال الكمال والمثالية المطلقة لعالم يكتنفه كثير من النقص والخلل. ومن يقيم المجتمع على هذا المعيار المثالي فهو يجحف في حق الوطن ويضيق الخناق ولا يكون عادلا ويكون همه تصيد الأخطاء بل تخطئة نظامنا السياسي والاجتماعي، لأن أي نظام لن يستطيع مهما بلغ من النضج أن يصل حد الكمال والخلو من الخطأ. وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من وقفة مع النفس نعيد فيها حساباتنا والنظر لما يتحقق من إنجاز بعين العدل والإنصاف، فتذكر الإيجابيات كما تذكر السلبيات ويسارع لنشر الأخبار السارة كما السرعة في نشر الأخطاء وإشاعتها بين الناس. هناك إنجازات كثيرة، لكن يأبى الكثيرون إلا أن يركزوا على القصور والاصطياد في الماء العكر. فعندما تسقط شجرة يسمعها الجميع وتجذب انتباههم بينما لا يلتفتون لبقية أشجار الغابة الواقفة المثمرة! هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن نستكين أو أن نتوقف عند محطة واحدة من الإنجاز، بل هناك مساحة كبيرة للتطوير والإصلاح يمس جميع جوانب المجتمع الثقافية والسياسية والاقتصادية. لكن ليكن المنطلق نحو التطوير ما تحقق وفي إطار الرؤية والمصير المشترك والنزعة نحو تحقيق مستويات أعلى من التحضر والرفاهية الاجتماعية والقوة الاقتصادية والمشاركة السياسية.

إن التحديات التي تواجه المجتمع تتطلب منا جميعا دون استثناء الدفع نحو وضع اجتماعي واقتصادي وسياسي يعزز لحمتنا ويقوي اجتماعنا ويجعلنا أكثر قدرة على استكشاف الأخطاء ومعالجتها. وهنا ملحظ أساسي ومهم، وهو أن العلاقة الاجتماعية تتطلب جهود جميع الأطراف في خلق علاقة متميزة وقوية ومتماسكة ولا يمكن التركيز على طرف دون آخر، فأي نظام اجتماعي يقوم على تحديد أدوار المتداخلين، ونجاحه مرهون بقيامهم بتلك الأدوار، وفي حال تقاعس أحد الأطراف عن تأدية دوره تقع المشاكل والاختلافات ويدخل المجتمع دوامة من الاتهامات والتشكيك. هذه المشاكل يجب فهمها والتعامل معها كمؤشرات للتحرك في اتجاه تصحيح الأوضاع وخلق توازن يضمن سلامة المجتمع واستقراره ويعزز وحدته وتماسكه.

إن الحديث عن الإصلاح يلزم أن يكون داخل المشترك الوطني وفي إطار الثوابت الوطنية، وإلا تحول إلى هدم وتفكيك لهويتنا وتعطيل لمدار اجتماعنا ووحدتنا. والأدهى والأمر من أولئك الذين يكون ولاؤهم للخارج، فيكون الإصلاح كلمة حق يراد بها باطل ومطية يركبونها لتحقيق أجندة خارجية فيكونون أعداء خفيين ينخرون في جسد الوطن تارة باسم حقوق الإنسان وتارة أخرى باسم المظلومية وأخرى يعزفون على وتر الأقلية! إن قبض الجهات الأمنية على شبكة التجسس لحساب إيران يؤكد ذلك الولاء للخارج على حساب الوطن الذي يعيش فيه الناس في ظل الشريعة والشرعية مصان الكرامة محفوظ الحقوق. وهنا يطرح تساؤل على أولئك الذين يوالون إيران: هل يرضون أن تتعامل معهم الدولة كما تتعامل إيران مع الأقليات بسحقهم وتعليقهم على المشانق في الطرقات؟ هل يرضون أن تسلب حقوقهم ويعاملوا كمواطنين من الدرجة الثالثة كما تفعل إيران بالاقليات؟ هل يرضون تعامل إيران الوحشي غير الإنساني مع مواطنيها؟ لقد أعمى أولئك الناس التحزب الطائفي النتن ولم يروا بعين العدل والإنصاف والموضوعية التعامل الحضاري والإنساني للدولة، إنما بعين الحقد والكراهية والحماس العاطفي، وظنوا أن معاملة الدولة بالحسنى ضعف، وأن السماع لهم خضوع وأن قوتهم هي في ولائهم لإيران فخسئوا وخابوا ولم ولن يفلحوا إذا أبدا، لأن ذلك لؤم ومكر ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، يقول الشاعر:


إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا


إن الولاء للخارج خيانة للوطن وعيب يتنافى مع تقاليدنا العربية الأصيلة، فمهما تكن الأسباب ومستوى الاختلاف لا بد أن يكون في حدود الوطن، وإلا كان اعتداء وإفسادا. وما على العاقل إلا أن يتعظ بما يحدث في العراق، فها هي إيران تعيث في أرضه إفسادا وتنفذ مخططها الصفوي لتعيد أمجاد فارس وتسيطر على العرب من جديد بحجة المذهب الذي يرتكز إلى تأجيج الخلاف وبث الفرقة والكراهية. ومن يقول بغير ذلك فهو إما غائب أو مغيب عن رؤية الحقيقة على أرض الواقع، والأحداث والمواقف تشهد بذلك.

إن نظامنا الإداري الحكومي بمركزيته الشديدة واعتماده على التنظيمات البيروقراطية يمنح الفرصة لأولئك المفسدين أن يعملوا بعيدا عن المسؤولية المجتمعية، ويمنح الفرصة لسيطرة التنظيمات والتجمعات غير الرسمية على المجتمع المحلي وتأجيجه، ليكون هناك من يتولى خطاب التهدئة في الظاهر وهناك من يدبر المؤامرة ضد الدولة. لذا أصبح من الضروري صياغة نظام للإدارة المحلية بحيث تكون هناك مجالس محلية منتخبة تكون مسؤولة مسؤولية كاملة عن التنمية المحلية وعن إدارة المجتمع المحلي، وكل ما يحدث فيه حتى لا يتنصل أحد من المسؤولية ويكون هناك تضييق لنطاق الإشراف وتحديد للأدوار والمسؤوليات ونظام للمحاسبة. ما يلزمنا كمجتمع هو السعي نحو التطوير والإصلاح في جميع الجوانب حتى نفوت الفرصة على أولئك المتربصين بنا ونضمن قوة المجتمع وتماسكه. حفظ الله السعودية وأهلها وأدام علينا نعمة الأخوة والترابط وألهمنا الحكمة في إدارة شؤوننا وأعاننا على مواجهة التحديات المحدقة بنا.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك