لا غنى عن النفط التقليدي مهما كثرت البدائل بقلم أ.د. سليمان الخطاف

الاقتصاد الآن

787 مشاهدات 0



تنفق الحكومة الأمريكية نحو ستة مليارات دولار سنويا لدعم أبحاث الطاقة بهدف إيجاد مصادر للطاقة بديلة عن النفط، هذا عدا عن ستة مليارات إضافية تنفقها الشركات الأمريكية لتطوير تقنيات جديدة تساعد على إيجاد الوقود المناسب لأمريكا، الذي يستطيع أن يبقي الوقود في أمريكا منافسا عالمياً. ومن أهم أهداف هذا الدعم إيجاد الوقود النظيف والرخيص بحيث يستطيع الفرد الأمريكي استهلاك ما يحتاج إليه من الوقود من دون مشقة اقتصادية وتقليل الخطر من انقطاع إمدادات النفط، سواء من الخارج أو من الداخل، وأخيرا حماية صحة المجتمع وإيجاد الحلول للتغيرات المناخية نتيجة الانبعاثات من حرق الوقود الأحفوري. ويتوقع أن ترفع الحكومة الأمريكية إنفاقها على البحث والتطوير ليصل إلى 16 مليار دولار سنوياً في بضع سنوات.

وترصد كل هذه الأموال لحل مشكلة أمريكا المتمثلة في استيرادها كميات كبيرة من النفط من دول كثيرة تعتبر بعضها كفنزويلا غير صديقة. وباختصار، لا تريد أمريكا أن تكون رهينة لأحد، وبخاصة فيما يتعلق بموضوع مهم مثل الطاقة. لقد أدمنت أمريكا على النفط وعلى استعمال السيارات والطائرات، وهي تحتاج إلى فترة طويلة من التأهيل لمعالجة هذا الإدمان؛ لذلك نما الإنتاج الأمريكي من الغاز والنفط الصخري، وبخاصة بعد التقدم التقني بخصوص الحفر الأفقي. كذلك زاد الإنتاج الأمريكي من الوقود الحيوي بشكل كبير. ومع هذا النمو الكبير في إنتاج أمريكا من الغاز والنفط غير التقليدي فإنه من المرجح أن تستقطع إدارة الرئيس أوباما مبلغ ملياري دولار من عائدات التنقيب البحري لأبحاث الطاقة النظيفة، ومنها محاولة تطوير سيارات تعتمد على الطاقة الكهربائية أكثر من النفط. وكان الرئيس الأمريكي قد دعا أخيرا إلى إبعاد السيارات الأمريكية عن استخدام البنزين مفضلاً استخدام أنواع طاقة بديلة غير المشتقة من النفط. وشدد على أن لديه خطة استراتيجية تساعد العلماء على تصميم محركات جديدة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وتطوير بطاريات أرخص تعمل على تزويد المركبات بالوقود من مصادر جديدة للطاقة مثل الوقود الحيوي.

لكن تبقى الحقيقة الثابتة، وهي أن لا غنى للعالم، حتى المستقبل البعيد, عن النفط التقليدي الذي يخرج بسلاسة ودون مشكلات كما في النفوط غير التقليدية. فعلى سبيل المثال نجد أن تكلفة إنتاج برميل من نفط الرمال الكندي تبلغ نحو 30 دولارا للبرميل ولإنتاج برميل واحد لا بد من معالجة طنين من الرمال الممزوجة مع مادة البتيومين (الإسفلت)، هذا عدا الحاجة إلى مواد كيماوية لاستخلاص 80 في المائة فقط من الإسفلت من الرمال. وأغرى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا كثيرا من شركات الحفر بالتحول من استخراج الغاز الطبيعي الرخيص إلى استخراج النفط الصخري الثمين. ويمكن تكرير النفط الصخري إلى ديزل ومن ثم بيعه بأسعار عالية. وعلى سبيل المقارنة تبلغ القيمة الحرارية لسبعة جالونات ديزل مكررة من النفط العادي أو الصخري مليون وحدة حرارية. ويبلغ السعر الحالي لسبعة جالونات ديزل في أمريكا أكثر من 25 دولارا، بينما تبلغ قيمة المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي في أمريكا ثلاثة إلى أربعة دولارات. ومن هنا بدأ التحول إلى إنتاج النفط الصخري بدلا من الغاز الصخري. ونتيجة للتركيز على إنتاج النفط الصخري ارتفع إنتاج أمريكا من النفط من أقل من ستة ملايين برميل يوميا في بداية 2011 إلى أكثر من سبعة ملايين برميل يوميا حاليا.

أما بخصوص الوقود الحيوي فقد قطعت أمريكا والبرازيل أشواطاً بعيدة في إنتاجه. وقارب الإنتاج الأمريكي للإيثانول المنتج من الذرة نحو 0.9 مليون برميل يوميا، ووصل معدل سعر برميل الإيثانول نحو 92 دولارا للعام نفسه. ويستهلك 30 في المائة من إنتاج أمريكا للذرة لإنتاج الوقود الحيوي، ما شكل عبئاً على أسعار الغذاء واللحوم ومنتجات الألبان. ولمحاولة إدراك ما يحدث فقد يكفي أن نعلم أن كل ثمانية جالونات من الذرة تنتج 2.7 جالون إيثانول، أي أنه يجب إهدار كميات هائلة من الذرة التي تستهلك كميات هائلة من الماء لإنتاج وقود هو في الأصل موجود، ومن دون أن نهدر هذه المادة الغذائية المهمة، وبخاصة مع ارتفاع عدد سكان العالم. على كل الأحوال، فإن أقصى ما يمكن أن تنتجه أمريكا من الوقود الحيوي هو مليون برميل يوميا، وهو قريب من هذا المستوى؛ إذ إنه من المتوقع أن تصل له العام المقبل وبعدئذ يبدأ الإنتاج في الانخفاض لارتفاع التكاليف من ماء وسماد وغيرهما.

وتعمل الشركات الأمريكية وبدعم كبير من الحكومة الأمريكية على تحويل الطحالب البحرية إلى وقود لوسائل النقل، وهناك أكثر من 80 مشروعا بحثيا للقيام بذلك سواء في الجامعات أو الشركات الكبيرة مثل ''إكسون'' و''هونويل''. تستهلك أمريكا سنوياً نحو 140 مليار جالون من الوقود ويمكن إنتاج هذه الكمية من الناحية النظرية بزراعة الطحالب على مساحة 15 ألف ميل مربع من المستنقعات المفتوحة والمعرضة للشمس والهواء. ووصلت استثمارات شركة إكسون موبيل بهذا النوع من مصادر الوقود إلى 600 مليون دولار منذ عام 2009. لكن رئيسها تليرسون قال إنه وبعد كل هذه الاستثمارات وصلنا إلى الحقيقة القاسية، وهي أن هذا الوقود لا يزال في حاجة إلى مزيد من البحث والتطوير والاستثمار، وقد تصل المدة إلى 25 سنة قبل أن يصل إلى الإنتاج الصناعي الربحي؛ لأن تكلفة الإنتاج عالية جداً وقد تصل إلى عشرة دولارات للجالون بينما سعر جالون الجازولين في أمريكا نحو ثلاثة دولارات. ويمكننا فهم مشاعر الدول الصناعية وعدم ارتياحهم لوجود معظم احتياطات النفط عند دول أخرى، لكن هذا لم يمنعهم من العمل ليلاً ونهاراً للتغلب على هذه المشكلة. حتى الذرة لم تسلم من تحويلها إلى وقود وعصروا الطحالب البحرية وحفروا الصخر لاستخراج الزيت والغاز الصخري. لذلك ينبغي علينا دعم البحث والتطوير في المملكة كإيجاد طرق أنجع لاستخلاص الكبريت من النفط أو اختراع تقنيات جديدة لتحويل المشتقات النفطية الثقيلة أما إلى أوليفينات تكون ليقيما للصناعات البتروكيماوية أو إلى ديزل عالي الجودة. كل هذا حتى نواكب ونرسم ملامح المرحلة القادمة، وحتى نستفيد من كل قطرة من النفط والغاز الطبيعي.. هذه النعم الناضبة التي منّ الله علينا بها.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك