سامي خليفة منبهاً: أمريكا تمارس مكراً كبيراً في المنطقة العربية
زاوية الكتابكتب مارس 24, 2013, 12:01 ص 538 مشاهدات 0
الكويتية
تمكر أمريكا.. ويمكر الله
د. سامي ناصر خليفة
رغم الإرهاصات السياسية الأخيرة التي جاءت بها زيارة الإدارة الأميركية، وما رافقها من جملة تصريحات هنا وهناك لترتيب أوضاع الجبهة الموالية لها، وعلى رأسها تركيا والأردن وإسرائيل، إلا أنها جميعا تحمل في طياتها نزعة دفاعية عن المصالح الأميركية المهدّدة في كل زوايا المنطقة العربية اليوم، وإن جاء تسويقها على أنها مبادرات هجومية، فقد خسرت الإدارة الأميركية العراق بعد أن خططت سنوات عدّة للاعتماد عليها كركيزة سياسية جديدة موالية، وفقدت سيطرتها على دول الربيع العربي لتتنافس هناك التيارات الإسلامية المتشددة ضد «الربيع العربي المضاد»، بل وأكثر من ذلك حين تفقد أميركا سيطرتها على السوق الإنتاجية، التي حسمتها الصين ودول أخرى في آسيا وأوروبا لصالحها، ما أضعف الدور السياسي الأميركي في تلك الدول، وبات القرار الأميركي ليس بالقوة ذاتها السابقة، ويمكن لأي متابع قياس هذا التحول في دول الخليج قبل غيرها.
ومن استمع إلى تصريحات أوباما والإمام الخامنئي حول التهديدات الإسرائيلية يمكنه تصور الحال المزري الذي سيكون عليه وضع كيان العدو الصهيوني فيما لو قرر ارتكاب «حماقة» عسكرية ضد إيران، خصوصا أن التكنولوجيا العسكرية الإيرانية باتت تمثل البعبع الأهم، الذي يمكنه أن يشكل تهديداً حقيقيا لمقومات بقاء الدولة العبرية، ما يجعل حلم العرب والمسلمين حقيقة وواقعا يوما ما.
وقد يكون المؤشر الأهم لحالة الصدع التي تعاني منها الإدارة الأميركية في المنطقة هو أن التحديات الاستراتيجية الثلاثة المهددة للمصالح الاستراتيجية الأميركية العليا في المنطقة وصلت إلى حد التهديد الجدي، وهي في أوج قوتها اليوم، وهي أولا: النفوذ الروسي- الصيني ودوره السياسي والعسكري والاقتصادي في تشكيل مستقبل المنطقة العربية. وثانيا: تنامي القدرة والنفوذ والتمكن لدى جبهة الممانعة والمقاومة في المنطقة وامتلاكها لوضع عسكري وسياسي ولوجستي كبير على الأرض، ثالثا: تنامي قدرة ونفوذ تنظيم القاعدة وامتداداتها من جبهة النصرة وغيرها، ومنافستها لكل موقع تسعى الإدارة الأميركية إلى احتوائه كما هو الحال اليوم في سوريا والعراق ودول المغرب العربي الأخرى.
وأمام تلك التحديات يصبح من المستحيل حسم الصراع القائم في سوريا بما يخدم المصالح الأميركية، لأن القوى المتنافسة في الصراع بالنسبة للإدارة الأميركية أحلاها مر وعلقم، ومن الصعب الاعتماد على دور تركي رئيسي بعد أن تم تشويهه في العراق وسوريا نتيجة للتدخلات غير المشروعة في السنتين الماضيتين، إضافة إلى معضلة الملف الكردي الذي يعاني طريقا مسدودا لن يجد له مخرجا إلا عبر مس السيادة التركية على جزء من أراضيها في الجنوب الشرقي، وتلك وحدها كفيلة بإنهاء عهد المنظومة السياسية الحاكمة هناك، وأيضاً من المستحيل السيطرة على الربيع العربي كما كان متوقعا لاعتبارات عدة، أهمها أن الإدارة الأميركية نفسها باتت غير قادرة على تلبية متطلبات الشارع العربي على الصعيدين الديمقراطي والاقتصادي في ظل وجود البدائل الأخرى الأكثر جذبا وتأثيرا.
ويبقى حزب الله يمثل الشوكة الموجعة في خاصرة «إسرائيل»، هذا الكيان الذي يمثل العمود الفقري والركيزة الأهم لحفظ وحماية المصالح الأميركية في المنطقة، خصوصا أن الحزب بتجهيزاته المتقدمة وامتلاكه للتقنية القتالية والتهديدات الجادة استطاع تحييد حكومة الكيان الصهيوني عن التدخل وارتكاب «حماقات» عسكرية على الجبهتين السورية واللبنانية وفي مواقع أخرى، وكلنا رأينا كيف انتهى الاعتداء الصهيوني الأخير على قطاع غزة حين تفاجأ حكومة العدو بامتلاك المقاومة الفلسطينية لصواريخ عابرة للمدن المحتلة وقادرة على خلط الأوراق السياسية في حكومة الكيان الصهيوني نفسه، ومازال حزب الله يمثل اللاعب الأول القادر على خلط الأوراق أمام أي تحرك أميركي-صهيوني في لبنان والصراع القائم اليوم في سوريا، خصوصا أن الدولة اللبنانية لم تعد مؤهلة بتاتا لحسم أي ملف داخلي أو خارجي من دون توافق سياسي يكون لحزب الله اليد الأكثر تأثيرا فيه.
نعم هناك مكر كبير لا يستهان به، تمارسه الإدارة الأميركية في المنطقة العربية، ابتداء من تأجيج الصراعات القائمة اليوم، ومرورا بإحياء النزاعات العرقية والدينية، وصب الزيت على نار الفتن الطائفية وغيرها، وانتهاء في استخدام الأموال والإغراءات الأخرى لشراء الذمم والولاءات، إنها مكائد خبيثة لا تغيب عن الشارع العربي الحر، وعن تطلعات أجيالنا في التغيير، ولكن يبقى مكر الله سبحانه وتعالى في مواجهتها، والله خير الماكرين.
تعليقات