شبح انهيار 1994 الكارثي يخيّم على مستثمري «وول ستريت» بقلم مايكل ماكينزي

الاقتصاد الآن

663 مشاهدات 0


في عام 1994 تم تنصيب نيلسون مانديلا كأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا. وتصدرت فرقة ''إيس أو بايس'' أعلى أرقام موسيقى البوب على كل من جانبي المحيط الأطلسي. وأدخل فيلم ''بالب فيكشن'' اسم ''شطيرة رويال تشيز'' للهجة العامية. في وول ستريت، كان عام 1994 هو العام الذي خسر عديد من مديري الأموال نقودهم في استثمارات سيئة.

ارتفاع حاد وغير متوقع في معدلات الفائدة دمر قيمة السندات التجارية وحول التجارة المربحة إلى خسائر مالية. انفجرت صناديق التحوط وهبطت المصارف إلى الخط الأحمر والآثار الناجمة عن هذا أصابت حتى سوق الأسهم، التي حدث لها نكوص بعد بداية جيدة كي ينتهي بها الأمر في انخفاض ذاك العام.

بكلمات أخرى كان الأمر للمستثمرين عاماً لينسوه. لكنه كان أيضاً عاماً من المهم تذكره. اليوم، حيث وصلت معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها بفضل ''الاحتياطي الفيدرالي'' الأمريكي (المصرف المركزي) ومصارف مركزية أخرى، يسمع بعض عتاة سوق السندات أصداء عام 1994. متسائلين عن ماذا سيحدث حينما يقرر ''الاحتياطي الفيدرالي'' أنه فعل ما يكفي لتحفيز الاقتصاد؟ هل يمكن أن تكون هناك صدمة أخرى؟

ريتشارد تانج، الذي يعمل الآن رئيس مبيعات أمريكا الشمالية في ''آر بي إس سيكيوريتيز'' يتذكر ''الصخب الكبير'' الذي ظهر في أنحاء ساحة التداول في ''سولمون برذرز'' يوم الرابع من شباط (فبراير) 1994، حينما رفع ''الاحتياطي الفيدرالي'' من أسعار الفائدة على غير المتوقع.

ويقول: ''أتذكر عام 1994 جيداً وبوضوح كما لو أنه كان بالأمس. كان أول سوق متجهة نحو الهبوط أشهدها في هذا العمل''.

ظل ''الاحتياطي الفيدرالي'' يضيق الخناق خلال هذا العام، حيث أصبح الاقتصاد الأمريكي أكثر فاعلية وقرر المصرف المركزي أن يخفض من التضخم. المتداولون الذي أثقلوا بالديون، وبالأخص في سندات الرهن العقاري، تم الضغط عليهم، والرافعة المالية في سوق التوريق الناشئة كانت تعني أن الألم كان مضخماً.

''كان الأمر أشبه بالحرب''، هذا ما يقوله بول جريفيث، رئيس الدخل الثابت في ''أبيردين آسيت مانيجمينت'' مضيفاً: ''اندفع الجميع متجهين في وقت واحد إلى المخرج''.

ادعى اضطراب السندات وجود بعض الأسماء القوية فيه. كانوا يتداولون بخسارة في ''جولدمان ساكس''، ما أدى إلى استقالة ستيفين فريدمان ككبير المشاركين فيه. كانت ''أسكين كابيتال مانيجمينت'' أكبر خسارة في صندوق تحوط، في حين أن صندوق التحوط الناجح ''ستينهاردت بارتنرز''، أصيب هو الآخر.أعلنت ''أورانج كانري'' في كاليفورنيا الإفلاس بعد خسارة أموال في المضاربة على المشتقات المالية. مصرف المشتقات الرائد حينها، ''بانكرز تراست''، أصبح محاصراً في حرب شعواء مع عملائه بمن فيهم ''جيبسون جريتينجز'' و''بروكتور آند جامبل'' حول استثمارات غير ملائمة في المشتقات التي فرضت عليهم من المتداولين المشاكسين. تم الكشف عن فضيحة تجارية في ''كيدر بيبودي'' خلال هذا الاضطراب ما أدى إلى أن الشركة المذكورة بيعت إلى ''باين ويبر''.

أغوي عديد من المستثمرين بحس زائف من الأمان أن المعدلات ستبقى هادئة. وكان هذا مفهوماً في بعض النواحي: ارتفاع شباط (فبراير) من ''الاحتياطي الفيدرالي'' كان الأول في ستة أعوام. كانت وصفة المصرف المركزي للاقتصاد البطيء – الذي كلف أداءه الرديء الرئيس جورج إتش دابليو بوش البيت الأبيض – كان فترة طويلة من معدلات الفائدة المنخفضة، التي تهدف إلى انتعاشة طبيعية للنظام المصرفي المالي ولسوق الإسكان.

مع ذلك لم يشعر الجميع بالأمان. هنري كوفمان، كبير الخبراء الاقتصاديين في ''سالمون براذرز'' الذي حركت تصريحاته أسواق السندات، حذر من أن التغير في سياسية ''الاحتياطي الفيدرالي'' تتوالى عبر النظام المالي.

ويتذكر قائلاً: ''كان في بداية التسعينيات انتعاشة اقتصادية شديدة البطء. كان الاقتصاد يكدح كي يستمر. كانت المصارف تتعافى من أزمة مالية. السوق المالية أصبحت بالفعل مؤمنة على نحو ملحوظ، أصبحت سوق السندات عالية المخاطر أصبحت أكبر، سوق المشتقات كانت تزدهر. كان هناك في أوائل التسعينيات قليل من المقارنات بالفترة الحالية''.

في خطاب حالة الاتحاد وضع الرئيس بيل كلينتون في كانون الثاني (يناير) حجة مقنعة فيما يخص سبب أن اقتصاد الولايات المتحدة بدأ أخيراً في اليقظة. ''المبيعات الآلية هي طريق للصعود. مبيعات الوطن وصلت لمعدل عال. ملايين الأمريكيين أعادوا تمويل منازلهم. وأنتج اقتصادنا 1.6 مليون وظيفة في القطاع الخاص عام 1993، أكثر مما تم خلقها في الأعوام الأربعة السابقة مجتمعة''.

مستثمرو السندات لم يكونوا مقتنعين تماماً وشككوا في احتمال أن ''الاحتياطي الفيدرالي'' تحت قيادة ألان جرينسبان سيبدأ في رفع أسعار الفائدة أمام الاقتصاد الذي يتحسن.

السؤال اليوم هو سواء ما إذا كانت معدلات الفائدة المنخفضة ومؤشرات الاستقرار في سوق الإسكان وبيانات الوظائف المتحسنة هي مقدمة لطفرة أقوى في الاقتصاد هذا العام.

اليوم، المتداولون والمستثمرون لديهم حساسية شديدة تجاه تفكير ''الاحتياطي الفيدرالي'' الأخير بشأن السياسة النقدية، ويرجع الفضل في هذا جزئياً إلى تواصل أكثر انفتاحاً من خليفة جرينسبان، بين بيرنانكي. إنه يلخص الآن تقييم تفكيره عبر تصريحات سياسية ودقائق من الاجتماعات وخطب لا تحصى. منذ 19 عاما مضت لم يكن ''الاحتياطي الفيدرالي'' يعلن دوماً حتى عن تغيرات أسعار الفائدة. كانت استجابة الأسواق فوراً على أي دليل مثل متى قد يشير المصرف المركزي إلى نيته تقليص التيسير الكمي.

ويقول تانج: ''السوق لها ما يبرر قلقها الدائم بشأن عمليات البيع المكثفة. هذه المعدلات التي تم التلاعب بها بشكل مصطنع من المصارف المركزية تجعل الناس قلقين وهم مضطرون لأن يطيلوا من الأسهم والائتمان. لم نرَ أبداً مصرفا مركزيا رئيسيا يغلق التيسير الكمي، ولا يمكنك القول إن المخاوف بين مستثمري السندات غير مبررة''.

حالة الهلع هذه يمكن قراءتها على أنها إشارة جيدة إلى التصميم ألا تأخذهم الدهشة مرة أخرى.

وكانت هناك دائرة كبيرة واحدة على التشديد على أسعار الفائدة في السنوات الفاصلة، بعد نهاية ركود مطلع هذا القرن. منذ كانون الثاني (يناير) 2004، نفذ ''الاحتياطي الفيدرالي'' 17 زيادة في أسعار الفائدة تم إرسالها جيداً، ما دفع بمعدلات الصناديق أعلى في زيادة ربع نقطة ليصل إلى 5.25 في المائة، بدون عرقلة سوق السندات.

يقول تانج: ''إننا نتحدث عن نطاقين مختلفين تماماً، العصر الجوراسي مقابل عصر ما قبل التاريخ سأحدد كيف تطورت سوق السندات منذ عام 1994. كان هذا عصر المعلومات الناقصة. كان لدينا فقط وحدة طرفية لشاشات خضراء عليها أسعار الأسهم. كان عليك أن تخرج وتسعى لرأي خبيرك الاقتصادي لتقف على ما يحدث. لم يكن لدي بريد إلكتروني أو وحدة طرفية بلومبيرج. لم يكن هناك شيء مثل انتشار المعلومات الذي لدينا اليوم''.

وما يزيد من رد الفعل السلبي لزيادة ''الاحتياطي الفيدرالي'' لأسعار الفائدة في عام 1994 كان بعض الجوانب المهمة في هيكلة سوق السندات. للمرة الأولى كان على مستثمري السندات أن يفهموا كيف سيقل أداء سندات الرهن العقاري جدياً ويخسروا مال المستثمرين بينما ترتفع أسعار الفائدة التي تقوم عليها. قد يكون لـ ''الاحتياطي الفيدرالي'' هذه المرة الأدوات لتقليص الزيادة في عائدات السندات.

لذا فالأمر مختلف هذه المرة. لا يمكن للتاريخ أن يكرر نفسه. لكن هل سيتناغم مع ما سبقه؟ الأمر مماثل لانهيار الإثنين الأسود عام 1987 الذي يبدو الآن نقطة على رسوم سوق الأسهم البيانية الخاصة بالثلاثين عاماً الماضية، زيادة معدلات الفائدة عام 1994 بالكاد تسجل في بيانات المدى البعيد. حيث إن بول فولكر، رئيس ''الاحتياطي الفيدرالي'' في بداية عهد رونالد ريجان مسح التضخم بمعدلات عالية للغاية، وكان التوجه هبوطياً تقريباً بلا هوادة، حتى الأزمة المالية عام 2008 وعصر أسعار الفائدة على المدى القصير التي تساوي 0 في المائة.

حجم سوق السندات الصاعدة الحالية يعني أن نهايتها قد تكون أكثر خطورة من أي شيء آخر شوهد عام 1994.

وبصرف النظر عن الآثار المشوهة لشراء ''الاحتياطي الفيدرالي'' للسندات في سوق سندات الخزانة، كان هناك أيضاً تغير في حجم سوق أسعار الفائدة الحساس من عام 1994. قيمة السندات المستحقة – 37.7 تريليون دولار في نهاية أيلول (سبتمبر) 2012 – هي ثلاث مرات ونصف ما كانت عليه منذ 19 عاما.

وهناك مزيد من صناديق التحول والمستثمرين العاديين الذين يمتلكون السندات الآن، والأموال التي تضخ في صناديق السندات تزايدت بحدة منذ الأزمة، طبقاً لشركة ليبر التي تعمل في تقديم البيانات. وصلت التدفقات الواردة إلى 309 مليارات دولار في عام 2012، ما جعل الإجمالي أكثر من تريليون دولار منذ 2009.

ظهور صناديق الاستثمار المتداولة يعني أنه من الأسهل والأرخص من أي وقت سبق للمستثمرين أن يضاربوا في حركات سوق الأسهم. التدفقات الداخلية في أسهم صناديق الاستثمار المتداولة ارتفعت إلى 51.4 مليار دولار عام 2012، زيادة عن 12.7 مليار دولار في عام 2007. وقد تزايدت السوق بالنسبة لتقلبات أسعار الفائدة، حيث إن القيمة الاسمية لهذه الصكوك الآن تتعدى 500 تريليون دولار. قد تساعد هذه الأمور المستثمرين على تعويض الأضرار الناجمة عن أسعار الفائدة التي ارتفعت بحدة. كما أنها قد تساعد أيضاً المستثمرين الأقوياء على أن يضاربوا ويربحوا في مثل هذا التطور، وبالتالي تفاقم في أي عمليات بيع مكثف مستقبلية.

ويليام سترازولو، كبير الخبراء الاستراتيجيين للسوق في ''بيل كيرف ماركيتس'' الذي كان يتداول في أسعار فائدة على المدى القصير منذ 19 عاما مضت لمصلحة ''باين ويبر''، يقول إن مستثمري اليوم سيتطلعون لبيع السندات لجعل الأرباح أعلى، وهو ما قد يتجاوز الهدف.

ويقول: ''إذا ما مرت فستتأقلم في حياة مع نفسها. في عام 1994 كان معظم الناس منغلقين على أنفسهم ويركزون على مجال معين، في حين إن اليوم هناك كثير من الناس على استعداد لأن يركبوا هذه الموجة. الناس يسيل لعابهم على فكرة نهاية فقاعة السندات والانتقال إلى أسعار فائدة أعلى سيُّحدث انفجاراً. سيكون أسوأ من عام 1994''.

أحد الأشخاص الذين لديهم خبرة وافرة عن أسعار الفائدة المرتفعة هو دان فاس، نائب رئيس ''لوميز سايلز'' الذي كان يستثمر في سوق السندات منذ أكثر من 50 عاماً. يقول إنه ''لا أحد يعلم الغيب'' لكنه يحذر من أن المستثمرين ''على الأرجح على سفح معدلات مرتفعة تدريجياً، قبالة جبل من المعدلات المرتفعة''.

وعد ''الاحتياطي الفيدرالي'' بأن يبقي على معدلات المدى القصير قريبة من الصفر قدر الإمكان حتى تهبط معدلات البطالة الأمريكية عن معدل 7.9 في المائة الحالي لتصل إلى 6.5 في المائة - وهو الأمر الذي يتطلب عامين آخرين.

ما يريده المصرف المركزي هو أن يرى فترة تصعد فيها أسعار الفائدة على المدى الطويل أولاً بينما يتحسن الاقتصاد، قبل أن تزيد من تكلفة الإقراض على المدى القصير. وبهذه الطريقة يكون بإمكان المصارف والشركات المالية الأخرى أن تجني مالاً من خلال الاقتراض بثمن زهيد والإقراض بمعدلات مرتفعة. والأهم أنها تريد أن يأتي التحول إلى المعدلات الأعلى ببطء.

لم يكن بيرنانكي كتوماً فيما يتعلق بعائدات سندات المدى الطويل والخطورة من أن قفزة حادة ستسبب خسائر مالية لحاملي السندات والمؤسسات المالية. قال بيرنانكي مستشهداً بتجربة 1994 في خطاب عن أسعار الفائدة طويلة الأجل: إن المصرف المركزي يتيح وضوحاً أعلى بكثير فيما يتعلق بنواياه السياسية وقد يتخذ إجراء ليصد ارتفاعاً آخر مفاجئاً في أسعار الفائدة.

وكما في عام 1994 قد تكون قوة الانتعاشة الاقتصادية هي الورقة الرابحة. بيانات التوظيف القوية في شهر آذار (مارس) 1994 زادت من الفرار الجماعي من السندات. واليوم، الخطورة تكمن في تنامٍ كبير في توفير الوظائف التي بدورها قد تصل إلى المعدل المستهدف من البطالة لـ ''الاحتياطي الفيدرالي'' قبل أن تكون السوق جاهزاً.

ريك كلينجمان، كان في قلب العاصفة عام 1994، حيث إنه كان يتداول لمصلحة ''يامايشي إنترناشونال'' في نيويورك. ويعمل الآن لدى ''بي إن بي'' يقول: ''من الصعب أن أنقل لكم كم تألم الناس من رفع أسعار الفائدة وزيادة العائدات في أنحاء سوق السندات. كان هناك تفكك شامل. لم يكن هناك شخص عام 1994 على استعداد لزيادة أسعار الفائدة وعديد من الناس أصبح عرضة للخطر بسبب حدة التضييق الذي قام به مجلس الاحتياطي الفيدرالي ذاك العام''. كان هذا منذ 19 عاما مضت ولم يعد هذا القدر من المتداولين متوافراً لذا شعروا بلسعة السياسة النقدية المشددة للغاية. هذه إشارة تحذيرية لكلينجمان. ''سوق السندات اليوم مليئة بالمتداولين الذين لم يقابلوا دائرة مشددة من أسعار الفائدة''.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك