مَن يستنهض روح الابتكار في الشركات العربية؟ بقلم بندر بن عبد العزيز الضبعان

الاقتصاد الآن

805 مشاهدات 0


سئل فيليب روسلر وزير الاقتصاد والتقنية الألماني في مقابلة صحافية عن سر تفوق الشركات الألمانية في العالم، فأجاب الطبيب، الذي ينحدر من أصول فيتنامية، وتولى يوما وزارة الصحة الألمانية، بأن قوة الشركات الألمانية تنبع من قدرتها على الإبداع والابتكار إلى الدرجة التي تمكنها من طرح منتجات وخدمات تتسم بالجودة والتنوع.

إذ تعد الشركات الألمانية مثالا بارزا للشركات العالمية التي ترتكز على الإبداع، شأنها شأن الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والصين وكوريا الجنوبية.

فما إن يتم تأسيس شركة في الشرق أو الغرب، فإن من أولى الإدارات التي تنشأ هي ''إدارة التطوير والأبحاث'' (R&D)، إلى جانب الإدارات الرئيسة كالموارد البشرية، الشؤون المالية، والتسويق والمبيعات.

وتعد إدارة التطوير والأبحاث في الشركة بمنزلة ''الخزانة'' التي تحفظ أسرار المعرفة، وتكفل لها استمرارية الإبداع والابتكار، وبالتالي الهيمنة على السوق بطرح منتجات وخدمات مطورة أو جديدة كليا تلبي متطلبات العملاء أو تفوق توقعاتهم.

كل التقنيات الجديدة التي نستعملها خرجت من إدارات التطوير والأبحاث للشركات المصنعة، (إدارات شهدت لحظات ''التوقد الإبداعي'' .. أو لحظات وجدتها!)، بدءا من تقنيات الأجهزة المنزلية والمكتبية والطبية إلى تقنيات وسائل النقل والإنتاج والتصنيع، شركات كبرى تضخ المليارات من الدولارات في ميزانياتها السنوية بما يوازي ميزانيات دول عربية، وتستقطب الباحثين والعلماء للعمل في معاقلها، وتقاتل كي تحمي ''المعرفة'' من التسرب أو التسريب.

ففي دراسة حديثة نشرت نهاية عام 2012، تم الكشف عن أكبر 20 شركة في العالم من حيث صرفها على التطوير والأبحاث عام 2011، بإجمالي بلغ 153.6 مليار دولار، وجاءت في المقدمة شركة ''تويوتا'' اليابانية بميزانية للتطوير والأبحاث تقدر بـ 9.9 مليار دولار (37.1 مليار ريال سعودي)، يذهب معظمها لابتكار تقنيات جديدة تعزز السلامة والرفاهية في مركباتها، وتسهم في ترشيد استهلاك الوقود في المحركات.

وتلي ''تويوتا'' في التصنيف ثلاث شركات تعمل في المجال الدوائي هي شركة ''نوفارتس'' (9.6 مليار دولار)، وشركة روش (9.4 مليار دولار) السويسريتان، وشركة ''فايزر'' الأمريكية (9.1 مليار دولار)، فيما احتلت ''مايكروسوفت'' الأمريكية المرتبة الخامسة بميزانية بلغت تسعة مليارات دولار.

كما كشفت الدراسة عن قائمة أقوى الشركات في العالم من حيث قدرتها على الابتكار، وتقلدت شركة أبل المرتبة الأولى في القائمة رغم أنها احتلت المرتبة الثالثة والخمسين من حيث مستوى صرفها على التطوير والأبحاث (2.4 مليار دولار)، وجاءت شركة جوجل في المرتبة الثانية، ثم شركة 3 إم، ثم شركة سامسونج، وبعدها ''جنرال إلكتريك''، فيما هبطت شركة ''تويوتا'' إلى المرتبة السابعة من حيث القدرة الابتكارية رغم جزالة صرفها على التطوير والأبحاث.

ومن الطبيعي أن كل القوائم التي وردت في الدراسة لا تضم أي شركة عربية، حتى الشركات العربية النفطية لم تدخل القائمة، فنحن لا نزال أمة مستهلكة وليست منتجة، وعندما نتتبع أسباب هذا التخلف المعرفي، نجد أن شركاتنا العربية لم تؤسس لثقافة إدارية وبيئة عمل ومنظومات ترعى الإبداع والمبدعين، أحد عناصرها إنشاء إدارة معنية بالتطوير والأبحاث، ولو سألت الشركات العربية عن سبب عدم رعايتها الإبداع، فستلقي باللائمة على الوضع العربي إجمالا بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكل هذه الأبعاد لا تحتفي بالمبدعين والمبتكرين مع استثناء حالات قليلة هنا وهناك.

إذا كانت الشركات العربية تريد أن تتميز وتتنافس في أسواق العالم، فيجب أن تبني البيئة الملائمة والمحفزة للإبداع والابتكار، وسبق أن طرحت نموذجا مبسطا ''التاءات الخمس'' (التنويع، التنظيم، التواصل، التفاعل، التغيير) يساعد بخطواته الشركات على توفير تلك البيئة عن طريق:

- التنويع: أن تحرص الشركة على تنويع موظفيها، عند الاستقطاب والتوظيف بناء على أسس عدة، كالقطاعات أو المناطق التي قدم منها المرشحون، أو الجامعات التي درسوا فيها، فالتركيز على عنصر واحد أو رابطة واحدة عند اختيار البشر لا يكرس المحسوبية فحسب، إنما يدفع الشركة للعمل بطريقة نمطية وتقليدية، تقلل من فرصها في توليد الأفكار الخلاقة (وهذا ربما سر من أسرار الشركات الأجنبية التي استقطبت عقولا عربية أو آسيوية)، وبالتالي تعجز عن المنافسة وتخرج من السوق.

- التنظيم: إنشاء وحدة معنية بالإبداع والابتكار، وهنا نقصد بإدارة الأبحاث والتطوير مع توفير كل الموارد البشرية والمالية والمادية لهذه الإدارة لضمان نجاح عملها.

- التواصل: فتح قنوات التواصل بين كل المستويات الإدارية والموظفين، واعتماد آلية لإرسال واستقبال ومعالجة الأفكار الجديدة دون عقبات.

- التفاعل: النظر في جدوى الأفكار الجديدة المطروحة ودراستها من جوانب عدة واعتماد الأنسب منها.

- التغيير: إحداث التغيير من خلال الطرح الفعلي للمنتج أو الخدمة بعد أن يستوفي كل المراحل.

المضحك/ المؤلم أن معظم حالات ''التطوير'' في العالم العربي هي حالات تطوير منتجات أو خدمات تتعلق بـ''الأطعمة''، فالتلفزيون والشوارع تزدحم بدعايات لوجبات أو مشروبات بنكهات مبتكرة، كان آخرها ما أتحفنا به أحد المطاعم ''كبسة البر''، فهذا هو أقصى ما يتوصل إليه العقل العربي الذي انشغل بـ ''البطنة'' ففقد معها .. ''الفطنة''!

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك