قراءة في حوافز مصادر الطاقة في القطاع الصناعي بقلم د. عبدالرحمن محمد السلطان
الاقتصاد الآنمارس 19, 2013, 1:47 م 751 مشاهدات 0
ذكرت في مقال سابق أنه وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون فإن هدر مصادر الطاقة بسبب تدني تسعير المشتقات النفطية هو المشكلة الأسهل حلاً والأقل ضرراً على اقتصادنا ضمن معضلة تدني كفاءة استخدام الطاقة في المملكة. فهناك قناعة بأن هذا التسعير يمثل مشكلة بحاجة إلى تصحيح، كما أنه بمجرد رفع أسعار المشتقات النفطية سيتراجع الاستهلاك تدريجياً دون أن يلحق باقتصادنا الوطني أي أضرار دائمة.
لذا فالمعضلة الأكبر التي تسببت في ضرر دائم وخطير على اقتصادنا هو تحفيز مصادر الطاقة في القطاع الصناعي، فعلاوة على ما تسبب فيه ذلك من هدر لمصادر الطاقة فإنه أوجد قطاعاً صناعياً متدني الكفاءة مدمناً على مصدر طاقة رخيص، لا يستطيع البقاء من دونه، وصناعتنا البتروكيماوية خير دليل على ذلك.
هذا الواقع يجعل القطاع الصناعي غير قادر على البقاء إن ارتفعت أسعار مصادر الطاقة بما يكفي لتحقيق هدف رفع كفاءة استخدامها، إلا أننا في الوقت نفسه لا نقدم أي خدمة لهذا القطاع بإبقائه قطاعاً مدمناً للطاقة الرخيصة؛ فهذا لن يخدم القطاع على المدى الطويل، وسيأتي اليوم الذي سيضطر فيه إلى الحصول على مصادر الطاقة بسعرها العالمي، وعندها لن يكون مستعداً أو قادراً على تحمل ذلك.
للخروج من هذه الإشكالية فإنني أقترح أن ترفع أسعار مصادر الطاقة على القطاع الصناعي من نفط وغاز وكهرباء بما يوصلها فوراً إلى معدلاتها العالمية، وفي الوقت نفسه تقدم إعانة لكل منتج في القطاع الصناعي، قيمتها تعادل الفرق بين ما دفعه كتكلفة للطاقة في عام 2012 وما سيدفعه ثمناً للكميات نفسها من مصادر الطاقة وفق الأسعار الجديدة، ثم تخفض هذه الإعانة سنوياً بحيث تتلاشى تماماً خلال فترة عشر سنوات. والسؤال الآن: ما الذي سنحققه من ذلك؟ هذه الاستراتيجية لرفع كفاءة استخدام مصادر الطاقة في القطاع الصناعي ستحقق ثلاثة مكاسب رئيسة:
1 - كون الإعانة غير مرتبطة بحجم استهلاك مصادر الطاقة سيدفع منشآت القطاع الصناعي إلى رفع كفاءة استخدامها لمصادر الطاقة في ظل الارتفاع الكبير في أسعارها، وبقدر ما تنجح في ذلك ستكون مستفيدة مالياً من هذا الإجراء، فشركة تستطيع أن ترفع من كفاءة استخدام الطاقة بنسبة تزيد على 10 % سنوياً ستكون محققة ربحاً إضافياً؛ وبالتالي ستكون هذه الإعانة نوعاً من المكافأة لها على ما تحققه من تحسن في كفاءة استخدامها لمصادر الطاقة.
2 - أيضاً هذا الرفع الكبير الفوري في أسعار مصادر الطاقة سيدفع القطاع الصناعي ليس فقط إلى بذل جهود سريعة وحثيثة لرفع كفاءة استخدامه لمصادر الطاقة، وإنما أيضاً لرفع كفاءة الأداء بشكل عام، وخفض مختلف تكاليف الإنتاج، وبذل جهود حثيثة لتعظيم القيم المضافة التي يحققها من خلال تنويع منتجاته وتطوير محتواها التكنولوجي للمحافظة على قدرته التنافسية بصورة لا يمكن تحقيقها من خلال إجراء رفع سنوي محدود في أسعار مصادر الطاقة.
3 - وأخيراً، فإنه لا يترتب على مثل هذا الإجراء أي عبء مالي إضافي على الدولة، فتكلفة الإعانة في السنة الأولى تساوي تماماً تحفيز مصادر الطاقة الذي كانت ستتحمله الدولة فيما لو بقيت الأسعار عند مستوياتها السابقة، إلا أن هذه الإعانة ستنخفض تدريجياً بحيث تنتهي تماماً خلال عشر سنوات، فنكون تخلصنا من التحفيز في الوقت نفسه الذي حققنا فيه رفعاً سريعاً لكفاءة استخدام مصادر الطاقة في القطاع الصناعي، وكل ذلك تحقق بأقل ضرر ممكن على هذا القطاع الذي سيُمنح عشر سنوات ليتكيف مع التسعير الجديد لمصادر الطاقة.
تعليقات