عن هواة العمل السياسي!.. يكتب محمد المقاطع
زاوية الكتابكتب مارس 19, 2013, 12:46 ص 1200 مشاهدات 0
القبس
الديوانية / هواة العمل السياسي
أ.د محمد عبد المحسن المقاطع
تجربة العمل البرلماني في الكويت تجاوزت الخمسين عاماً، لكنه من المؤلم أن نسجّل حتى اليوم أن البناء المؤسسي لأطراف وأجهزة العمل السياسي لم يتم تشييده، فهي لا تزال كالطفل الذي يحبو فيتمسك بأي شيء ليقف، ولكن ضعفه أو خوفه أو عدم إدراكه لما عمل يعجل بسقوطه، فيعود إلى الحبو فرحاً ويعيش دوامة التعلم النابعة من التجربة والخطأ بسذاجتها الطفولية، ولا يختلف الأمر لدينا لأطراف العمل السياسي.
فأسرة الحكم تعيش هذه المرحلة وتمارس هذا السلوك، فبالرغم من انتقال الدولة من المشيخة العشائرية إلى الدولة الدستورية، فإن الاعتماد على «الشيخة» ما زال هو العنصر الوحيد في تأهيل أبنائها للمسؤوليات العامة مصحوبة بالخبرة الفردية لكل منهم من التجربة والخطأ، فلا يؤخذ إلا بالسن معياراً لتقلد المسؤوليات والتأهل للمناصب، فلم ترسخ الأسرة أسلوب تأهيل البلاط الملكي لأبنائها، ولم تضع سياسات لآلية اشتراك أبنائها في شؤونها، وأخرى لضبط خطاب الأسرة تجاه الدستور والحكم والبرلمان والحكومة. ولذا، فإن خطابها كان عرضة للتجريب ولتوازنات مراكز القوى فيها وانعكاساًَ لصراع أبنائها الذي ما زال مستمراً.
وعلى صعيد مجلس الأمة، فإن بناءه المؤسسي كونه سلطة تشريعية بانحدار مستمر، فلا أجهزة استشارية ولا هيكلة إدارية مؤسسية، فالمجلس غير قادر على تقديم الدراسات المعتبرة لمقترحاته ومشروعاته، بل ولا تقارير جدية ولا تقاليد برلمانية، فقد اختزل دور المجلس بشخص رئيسه الذي يجنح للتفرد بكل شيء، وهمه الأول كسب رضا النواب لضمان استمراريته، فبدأ مسلسل الترضيات واقتسام الوظائف وتفاقم البطالة المقنّعة والسكرتارية الانتخابية، ولم تحترم القيم البرلمانية وحلّت مكانها الأجندات المصلحية والشخصية، فصار مجلس الأمة نموذجاً لمراكز الفساد في الدولة، بدءاً بمعظم أعضائه ومروراً بمستشاريه غير المؤهلين، وها قد خرج علينا رئيسه الحالي - مع تقديرنا لشخصه - بجهاز استشاري شخصي يكرّس كل ما سبق، فصار بيت الأمة رهينة الأفراد ولا سبيل للمؤسسية فيه.
وإن نظرنا إلى الحكومة، فحدث ولا حرج عن خواء بنائها المؤسسي، فما زال الوزير الفرد هو من يصنع سياساتها ويؤثر بقراراتها، وقدرتها على اتخاذ قرار بمعطيات سياسية أو مهنية مدروسة نادرة، مما يثير تساؤلات أين هي من بناء ذلك طوال الخمسين سنة الماضية؟ والإجابة أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن لم يكن لتوزيره أسس ولا لإنهائه معيار، فلا تتوقع منه شيئاً، بل إن ذلك مفقود بصورة أكثر في أبناء الأسرة من الوزراء، مما جعل مجلس الوزراء عاجزاً عن القرار فاقداً للسياسات، غير مؤهل لبناء مؤسسته، فكيف يقدر على مسؤوليات بلد؟
وأخيراً، نقف عند التيارات والتجمعات والكتل السياسية التي هي من الهشاشة والضعف الذي يفقدها أي بناء مؤسسي يذكر، فعلى الرغم من طول عمرها واستمرار تمثيلها البرلماني، فهي تدار من أشخاص كل مرحلة وفقاً لأجنداتهم الشخصية، فتفكيرها انتخابي، وطرحها انفعالي قائم على ردة الفعل لا صناعته لغياب المؤسسية في عملها، وهي لم تقدم مشروعاً إصلاحياً حقيقياً، ولم تحارب فساداً بصورة جادة، وتتحكم في أعمالها الأمزجة الفردية حينما تلعب دور المعارضة أو المهادنة، أو حتى حينما تتصدر العمل البرلماني أو تسهم بدور بارز في العمل التنفيذي (الحكومة)، وهو السر في أنها حتى اليوم لم تقدّم نموذجاً للعمل السياسي أو البرلماني المحترف، وسرعان ما تتبعثر أوراقهم وقدرتهم في التعامل مع المتغيرات السياسية المؤثرة، كما حدث في «الصوت الواحد للانتخابات».
فالعمل السياسي لا ينجح بالهواة ممن يعطونه فضول أوقاتهم، ويعقدون جلسات البرلمان حسب فراغهم كل أسبوعين، ويأخذون إجازات أطول من أي موظف في العالم أجمع، ولا يعملون في مواسم الحر أو الإجازات، فقد أضاع الهواة البلد، ومن لا يجيد الاحتراف، فعليه مغادرة مواقع العمل السياسي رحمة بالبلد.
اللهم إني بلغت،
تعليقات