الإيداعات البرلمانية ليست تعدياً على المال العام.. برأي الدعيج
زاوية الكتابكتب مارس 17, 2013, 12:52 ص 1183 مشاهدات 0
القبس
حقيقة أزمة الإيداعات
عبد اللطيف الدعيج
أشكر بالطبع الزميل ناصر العبدلي على الوصف الدقيق الذي سطره في مقالته لعلاقتي بالدولة الريعية. وهو وصف حقيقي ويعكس طبيعة العلاقة المرة من جانبي مع الأسف مع الدولة. علما، وحتى لا أحد يروح بعيد، أنا لا أدّعي أنني ضحية وأنني شهيد تعسّف أو اضطهاد الدولة، إذ إن علاقتي بـ«السلطة» وأقطابها كانت منذ السبعينات ولاتزال قوية. الفرق أنني لم أحاول استغلالها لإيجاد مكان لي في الدولة الريعية. فأنا لسبب ما، ربما وراثة عن الوالد، أحترم القانون وأراعي الأصول وأقدّس حقوق الغير. لهذا لم أحاول أن أتعدى على أحد أو أسبق أحدا في الصراع على العطايا والمنح الريعية المقدمة من الدولة. والنتيجة أنني على سبيل المثال بلا وظيفة وبلا أرض وبلا قرض وبلا بيت حكومة وبلا قسيمة صناعية أو شاليه أو حتى جاخور. رغم أني كنت منذ السبعينات أمتلك السلطة الإعلامية والقدرة على ابتزاز المُنفعين والمتنفعين الحكوميين وما أكثرهم.
لكن لم يكن هذا الموضوع الأساسي لمقالة الزميل، إذ إن الموقف المطلوب من المنح والعطايا أو من السياسة الريعية للدولة هو المطروح، وهو ما يدعو الزميل من لن يستجيب إليه. أنا أدّعي أن أحدا لن يستجيب.. لأن الموضوع معقد وشائك. وأغلب جماعة المقاطعة الذين يتوجّه إليهم الزميل طالبا موقفا محددا من المسألة الريعية، هم من يتعيش عليها، وهم من أجَّجها وباركها، بل هم أكثر من يقف بصلابة ضد أي تقليص لمنح الدولة وهباتها وبالتصدّي لأي محاولة لترميم القوة والقدرة المعنوية التي فقدها المواطن الكويتي. ألم يأتِ طلب إسقاط القروض من رحم جماعة المقاطعة؟
إن أكبر أزمة عصفت بالمجتمع الكويتي وقسّمت الناس إلى أقسام سياسية واجتماعية متفرقة، وأحيانا متناحرة هي أزمة الإيداعات البرلمانية، والتي لا نزال نعاني من آثارها حتى الآن. هذه الأزمة لم تكن تعديا على المال العام كما هي منح وهبات مجالس الأمة غير المبررة. وهذه الأزمة لم تكن موجهة لإذلال المواطنين أو شراء ذممهم كبقية السياسات الحكومية. وهذه الأزمة لم تكن لتغليب كفة السلطة أو تقليص نفوذ المعارضة أو أي طرف من الأطراف الوطنية، حسب ما عودتنا السلطة في حربها ضد المعارضين. بل كانت حسب الزعم والإشاعات المطروحة صراعا بين «الشيوخ»، ودفعا لبعض النواب للوقوف ضد بعض أبناء الأسرة. علما بأن النواب الذين تمت رشوتهم حسب الادعاء هم نواب «خاربين» خلقة. بمعنى أنه حتى هنا لم يؤدِّ «الفساد» إلى تخريب ذمة نائب «صالح» أو بالأحرى لم يخلق فاسدا، فالنواب الذين طُرحت أسماؤهم كمرتشين وقبيضة هم نواب الحكومة، الذين ساندوا السلطة منذ بداية الانتخابات العامة، أو بالتحديد منذ تعديل الدوائر الانتخابية عام 1981.
الذي أعطى قضية الايداعات حجمها المهول، رغم انها لم تضر وطنيا، هو كونها إنفاقا «ريعيا» مباشرا للنواب، وليس من خلال ناخبيهم. طول عمرها الحكومة ترشو النواب ذاتهم، وأغلب نواب المعارضة أيضا معهم. فجميعهم كانوا وما زالوا «نواب خدمات». لكن الرشوة والإفساد كانا للمواطن أو الناخب الكويتي، وعلى طريقة خدمات تُمنح بلا وجه حق، أو سفرات للخارج تحت دعاوى العلاج أو عطايا القسائم أو الشاليهات أو الجواخير، أو إعفاءات الغرامات المرورية والبلدية أو التهرب من دفع فواتير الهواتف أو الماء والكهرباء. المهم أن النواب كانوا يرتشون، وكانوا يقبضون، ولكن عن طريق ناخبيهم وبمشاركتهم. لهذا كانت الرشوة والعطايا أمرا مقبولا، وحقا لمن يملك قيدا انتخابيا في سجلات الدولة الريعية، ولم يعترض أحد على الإطلاق، غيرنا نحن المقرودين.
لكن عندما تجرأ بعض النواب وقبضوا مباشرة.. ثار المرتشون والفاسدون الحقيقيون نوابا وناخبين، واقتصوا ممن خالف التقليد والعرف الريعي.
تعليقات