لماذا أغضبت 'هارلم شيك' الإسلاميين في تونس ومصر؟.. الرجيب متسائلاً
زاوية الكتابكتب مارس 16, 2013, 12:45 ص 1088 مشاهدات 0
الراي
أصبوحة / 'هارلم شيك'
وليد الرجيب
تتنوع طرق التعبير النفسي عند الشعوب منذ الحضارات البشرية الأولى، سواء للتفريغ النفسي والوجداني أم لشحن الذات واستنهاضها أم للتعبير عن الاحتجاج أو الانتصار أو الحزن أو الفرح أو الاستعداد للحرب... الخ.
ومن أقدم ما استخدمته الحضارات البشرية القديمة لهكذا تعبير هو الفنون، مثل الرسم والرقص والتمثيل، واعتمد الإنسان الذي كان يعيش بالكهوف على رسم الحيوانات التي ينوي التغلب عليها واصطيادها، وهذه الرسوم اكتشفت في وقت مبكر من قبل علماء الآثار، كما استعانت القبائل التي كانت تعيش في مختلف قارات العالم ومنها العربية والهنود الحمر على سبيل المثال بالرقصات الحربية لشحن الذات وتهيئة النفس قبل مواجهة العدو، واكتشفت هذه القبائل أهمية «الرثم» أو الإيقاع Rhythm في التأثير على ذبذبات العقل، وكذلك أهمية النبرة Tone على المشاعر، وهذا ينطبق على الرثم والإيقاع في القصيدة التي تترك الأثر نفسه، ولذا تستخدم القبائل السلاح في رقصها الحربي مثل الرمح عند القبائل الأفريقية والسيف في رقصة العرضة العربية ولاحقاً البندقية وهكذا.
ويشير علماء النفس إلى أهمية الفنون والآداب في العلاج النفسي، فهناك العلاج بالقصة وخاصة التي تستخدم المجاز، وكذلك العلاج بالرسم والموسيقى والتمثيل والرقص، وكان العرب المسلمون أول من استخدموا العلاج النفسي بالموسيقى في عصر الدولة الأندلسية، وما زالت الآلات الموسيقية المستخدمة لهذا الغرض موجودة في أحد متاحف ألمانيا.
واكتشف العلماء الإغريق وفلاسفتهم أهمية التمثيل لما يسمى بعملية التطهير catharsis، فكانوا يوجهون مرضاهم النفسيين إلى مشاهدة المسرحيات ذات المغازي المليئة بالحكم والعبر، التي تغير من الحالتين الذهنية والشعورية.
ما قادنا إلى هذه المقدمة التاريخية حول علاقة الفنون بالتعبير الإنساني النفسي أي الذهني والشعوري، هو شيوع استخدام الشباب وبالأخص في دول الثورات العربية لرقصة «هارلم شيك» في الآونة الأخيرة التي تركت ردة فعل عنيفة لدى القوى الإسلامية المتشددة، فحاولت فض هذه التجمعات الراقصة في الجامعات والميادين خاصة تلك التي انطلقت منها شرارة الثورات في دلالة واضحة باستخدام العنف.
حاولت متابعة الرقصة التي تسمى بـ «هارلم شيك» حول العالم، لأعرف النسق الحركي والرثم الذي يؤطرها، فاكتشفت أن ليس لها نسق حركي واحد ففي الرقصة الجماعية تجد أن كل شخص يقوم بأداء حركاته الراقصة الخاصة المتناسبة مع إيقاع الموسيقى، إلا أن جميع هذه الحركات الراقصة يجمعها شكل من أشكال التعبير التنفيسي ولا يوجد فن يحدد هذه الحركات أو الأداء الراقص ما يعني أن كل إنسان يستطيع أن يرقصها، فتبدو عبثية لا يجمعها سوى تحريك الجسم بحركات حرة قد تبدو «استهبالاً»، لكن ما تعكسه هو روح التنفيس والرفض.
وهارلم هي المنطقة التي كان يقطنها تاريخياً الأمريكان من أصل أفريقي، الذين عبروا بأغانيهم ورقصاتهم التي تتميز عن رقص الأمريكان البيض، عبروا عن معاناتهم ورفضهم للعبودية والتمييز العنصري وعن تمردهم، وما زالت موسيقاهم لها خاصيتها، ولا أعرف إن كانت تسمية رقصة «هارلم شيك» نسبة إلى حي هارلم في نيويورك.
لكن السؤال هو لماذا أثارت هذه الرقصة غضب الإسلاميين المتشددين في كل من تونس ومصر بالذات، وماذا كانت انعكاساتها في نفوسهم لدرجة أنهم أفتوا بحرمتها وشرها على الناس؟
تعليقات