المشهد بأعيادنا الوطنية:

زاوية الكتاب

استجوابات وانقسام حاد غير مسبوق وعودة للمربع الأول

كتب 4618 مشاهدات 0

الدكتور سعد بن طفلة

بعد مضي شهرين على تشكيله، وبتقديم عدد من الاستجوابات لعدد من الوزراء بالمجلس الذي شاعت تسميته 'بمجلس الصوت الواحد'، يكون المشهد قد أسدلت ستارته على آخر مبرر للإتيان بهكذا مجلس بتغيير النظام الانتخابي خارج مجلس الأمة كما نص الدستور بكل صراحة ووضوح بمادته 79 التي تنص على:

'لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير'
وبتسريبات حول تلويح بعض الوزراء باستقالتهم احتجاجا على استجوابهم من قبل مجلس الصوت الواحد الذي أتى بمباركة ودعم وتأييد حكومي، يتلاشى التبشير بالتعاون بين المجلس والحكومة بوجود هذا المجلس الذي صاغت انتخابه وتشكيله الحكومة منذ فرضها النظام الانتخابي خارج الأطر الدستورية.

ويبدو واضحا لكل متابع أن هناك سببين أساسيين لتقديم هذه الاستجوابات، الأول هو أن مقدميها يحاولون إثبات أن المجلس 'يشمّخ'- على حد تعبير رئيسه السيد علي الراشد- وليس في جيب الحكومة كما صرح بعض أعضائه ومنتقديه، والثاني أن لبعض هؤلاء المستجوبين أجندات خاصة تحركها قوى من خارج المجلس غالبيتها من الشيوخ لضرب حكومة مهلهلة طمعا بالعودة للأضواء وتذكير المتابعين أنهم لازالوا أقويا ومؤثرين ويملكون نوابا ولم يغادروا المشهد بعد، وطبعا 'لكل استجواب ثمن'.
كانت المبررات التي حاولت الحكومة تسويقها لفرض نظام الصوت الواحد هي كالتالي: تعاون السلطتين، والتنمية وإنقاذ الوحدة الوطنية التي مزقها النظام الانتخابي 4/5. فهل تحققت هذه الأهداف الحكومية؟

التعاون بين السلطتين يعني بالنسبة للحكومة عدم الاستجواب والمساءلة، وبالنسبة للنواب يعني 'مشوا لنا اللي نبي، أو راح نستجوبكم'، هذه أصبحت ثقافة تعيب الديمقراطية الكويتية، وللموضوعية فإن هذه الثقافة لم يخلقها مجلس الصوت الواحد بل ورثها من مجالس سابقة، مما كان يحتم الإصلاح الدستوري والسياسي لإنهاء سياسة الاستهتار الحكومي من جهة، وسياسة الابتزاز البرلماني من جهة أخرى، لكن الحكومة لم تكن مؤمنة بالديمقراطية، فبقي الوضع على ما هو عليه حتى أن طالت العدوى مجلس الصوت الواحد الذي ظنت الحكومة أنه 'في جيبها'. ومن يتابع الأخبار يدرك بيقين أنه لم يعد هناك تعاون بين السلطتين حتى بوجود مجلس الصوت الواحد الذي كانت تتمنى أن يؤجل استجواباته ستة أشهر فقط، بل إن أحد المتفائلين المؤيدين للحكومة تمنى أن تؤجل الاستجوابات ست سنوات- أي بعد انقضاء العمر الافتراضي لمجلس الصوت الواحد بعامين!

أما المبرر الثاني للانقلاب على النظام الانتخابي فهو التنمية، فقد كانت الحجة أن النظام الانتخابي السابق كان يأتي بمجالس تعطل التنمية والقوانين التي من شأنها الدفع بعجلتها، وقد بادر مجلس الصوت الواحد على الموافقة على عدد من القوانين التي لم توافق عليها المجالس السابقة لأسباب عديدة أهمها كان عدم موافقة الحكومة على تعديلها ورغبتها بموافقة البرلمان عليها كما هي. ولكن حتى بغياب المعارضة الحقيقية منذ ما يقارب العام، وإبطال مجلس الأمة العام الماضي، يتساءل المواطن العادي عما تحقق من تنمية: فالخدمات العامة من سيء إلى أسوأ، والفوضى المرورية ومجازرها اليومية في تفاقم، ومشكلة مقاعد الدراسة الجامعية في ازدياد، والمشكلة الإسكانية تطول طوابيرها، وبطالة الشباب تتراكم، والفساد يعايشه المواطن في كل تعاملاته اليومية، والتركيبة السكانية تنذر باختلال متزايد يهدد الأمن الوطني للبلاد، ومئات الآلاف من العمالة السائبة الغير مدربة تجوب البلاد منذرة بأخطارها، والجريمة ترتفع معدلاتها، والمخدرات سموم بانتشار مضطرد، والمشاريع المليارية تذهب لجيوب عدد محدد ممن أيد الانقلاب على الدستور أو عارض علنا وأيد سرا في بلد يفوق دخله اليومي المعروف الثلاثمائة مليون دولار ولا يعرف كم قيمة استثماراته الخارجية ولا احتياطي أجياله القادمة- حسبما صرح الوزير السابق السيد شعيب المويزري الذي تحدث عن ضياع 450 بليون دولار من المال العام غير معروفة المصير.

بقي مبرر واحد لحل مجلس الأمة وتغيير النظام الانتخابي بالصوت الواحد، وهو رص الجبهة الداخلية وإنقاذ الوحدة الوطنية التي تفتت بفعل نظام الأصوات الأربعة- حسب ادعاءات الحكومة، ولقطع الطريق على القبلية والطائفية والفئوية. لكن أي منصف يدرك أن نظام الصوت الواحد بشكله الحالي قد سبب انقساما حادا غير مسبوق في المشهد الوطني الكويتي، وهو انقسام يتعمق يوما بعد يوم، فالكويتي المخلص يتحسر على مشهد برلمان يفترض أنه يمثله، تشكل عبر نظام انتخابي غير دستوري ليأتي بنواب بعضهم من أصحاب السوابق والمحتالين واللصوص والمزورين، وبعضه الآخر لا يمتلك سجلا سياسيا ولا توعويا عاما في الغالب.

فتعمقت الطائفية بمشاركة واسعة للشيعة وسط مقاطعة غالبيتها سنية، وزادت القبلية بإقصاء القبائل الكبرى التي قاطعت الانتخابات، وتعيش الحالة السياسية الكويتية اصطفافا ينخر في عضد اللحمة الوطنية التي كانت من أهم عوامل التحرير والخلاص من الغزو العراقي قبل أكثر من عقدين من الزمن، وهي وحدة وطنية نحتاجها دوما لبقاء واستمرار هذا البلد الصغير الذي يقع بين بحار متلاطمة من الدماء الطائفية، ونزاعات عرقية تخيم غيومها السوداء على سماء المنطقة.

وفي الوقت نفسه، يقبع أصحاب الرأي بالسجون، وتهدد الزنازن عشرات من المعارضين السياسيين بينهم نواب سابقون، وتزداد طوابير المتهمين أمام المحاكم بقضايا أمن الدولة بتهم غالبيتها 'التعدي على الذات الأميرية'، وهي حالة تزيد من التباعد بين الحكومة وبين الشعب، وتعمق الاحتقان وحالة الاصطفاف الخطيرة التي تواجهها البلاد.

لقد زين الكتبة والمرتزقة والمنافقون المشهد للحكومة، وصوروا لهم انتصارات وهمية على المطالب الشعبية، وانهالت على مسامع الحكومة صيحات النصر في معارك دونخيشوتية سرابية، وقلبوا الحقائق، وشيطنوا الشباب وخوّنوا كافة أطراف المعارضة واتهموها بالانقلاب على النظام، وخلقوا من اللصوص والمحتالين شخوصا موالية خطيرة على النظام السياسي بالبلاد.

الحوار من عدمه:

وسط هذا المشهد، بين مدرك لمأزق الحكومة وما آلت إليه الأمور، وعزلة تعيشها السلطة يوما بعد يوم، تخرج أصوات صادقة هنا وهناك، تنادي بالحوار وبإنقاذ الموقف قد فوات الأوان، وتأخذ هذه القوى مملكة البحرين كمثال، فعلى الرغم من سقوط ضحايا بأحداث البحرين، إلا أن معظم القوى البحرينية توافقت على دعوة الحوار التي أطلقها ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، لأن الجميع مدرك أن لا خلاص إلا بخلاصهم معا.

لكن الدعوات للحوار بالكويت –مهما صدقت- يعترضها ثلاثة عوائق أساسية:

الأول أن هناك عقلية حكومية لاتزال مؤمنة بانتصاراتها الوهمية في معركة الصوت الواحد، ويزين لها هذا الوهم مستفيدون من حالة التشرذم والاصطفاف المَرَضي التي تعيشها البلاد، فانفراج الأمور وحلها ورص الصفوف يعني تلاشيهم إلى الأبد.

والثاني أن الحوار بحاجة لأرضية ينمو فيها ويتطور، وبحاجة لمبادرة حكومية عاجلة تهديء النفوس، وتهيئ الطريق لإصلاح سياسي يخرج الجميع من هذه الحالة، والأمل أن تأتي أحكام قضاؤنا العادل بتبرئة المتهمين من نشطاء ونواب ومعتقلين، كما يتمنى المخلص أن يأتي حكم المحكمة الدستورية لصالح الانتصار للدستور وإلغاء مجلس الصوت الواحد. فمن شأن ذلك أن يفسح المجال لدعوات أعلى صوتا بدلا من التهامس المعروفة نتائجه سلفا.

أما المعوق الثالث- والذي أعترف بأني لا أعرف مدى حدته- فهو في رفض عناصر شابة متحمسة ومخلصة لأي نوع من أنواع الحوار، مبررهم في ذلك أن السلطة تمادت في قمع معارضيها، وأن الحوار قد يعيد ساعة الإصلاح للوراء وبالتالي تذهب كل التضحيات هباء منثورا، بل إن بعضهم يرى في دعوات الحوار عقد صفقات سياسية على حساب من ضحوا من أجل إصلاح سياسي جذري ديمقراطي حقيقي، وهؤلاء الشباب هو الورقة الأصعب بالمعادلة، ولا تستطيع حتى قوى المعارضة الخروج على موقفهم.

في ذكرى التحرير والاستقلال لوطننا العزيز، يقف المخلصون من أبناء هذا الشعب الكريم وكلهم أمل وتفاؤل أن تنجلي عتمة هذه الحالة التي يعيشها وطنهم،،، ولسان حالهم يقول: كل عام والكويت بألف خير وانفراج.

كتب سعد بن طفلة-رأي

تعليقات

اكتب تعليقك