العمالة الرخيصة في الصين لم يعد لها وجود بقلم ديفيد بيلينج
الاقتصاد الآنفبراير 11, 2013, 6:03 م 489 مشاهدات 0
ذات يوم قال دينج زياوبينج: إن السعر اللازم لجعل إصلاحات السوق تستمر كان السماح لبعض الناس بأن يصبحوا أغنياء أولاً. وبعد ثلاثة عقود حدث ذلك في الصين وجاء هؤلاء البعض. والآن أحد الطرق لتجسير ثغرة الدخل الناتجة هو جعل بعض الأشخاص يفعلون شيئاً آخر أولاً: التصويت.
كيف يمكن للسماح بالتصويت للناس أن يساعد في تخفيض عدم المساواة؟ هنا يتقدم للأمام تير جو، التايواني الذي يرأس شركة فوكسكون، أكبر شركة متعاقدة للإلكترونيات. ستسمح شركة فوكسكون بدءا من هذا العام، لعمالها البالغ عددهم 1.2 مليون بأن يصوتوا لما تقول الشركة إنه سيكون اتحادا يمثلهم بحق – في دولة يعد التصويت فيها على برامج المواهب التلفزيونية سابقة ديمقراطية خطيرة. سينتخب موظفو فوكسكون 18 ألف ممثل لهم بحلول عام 2014. ولجعل الأمور نزيهة، ستراقب هذه العملية مجموعة من 'رابطة العمل العادل' التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة.
قد لا يكون هدف جو هو إعطاء عماله قوة التفاوض على الأجور التي عادة ما تأتي من قوى عمل نقابية، لكن من المرجح أكثر أنه يأمل في تحسين صورة الشركة التي تلطخت سمعتها بسلسلة من عمليات الانتحار في مصانعها عام 2010، وبمزاعم حول ظروف العمل السيئة واستخدام عاملين دون السن القانونية. الشركة المعروفة بصنعها لجهازي 'آيفون' و'آيباد' لشركة أبل كان عليها أيضاً أن توقف الإنتاج في أيلول (سبتمبر) الماضي بعد شجار انخرط فيه عدة مئات من العمال.
ربما لا تكون الأجور الأعلى هي المقصد، لكن هذه هي النتيجة المحتملة. فحتى من دون نقابات كانت أجور المصنع ترتفع على مدى سنوات بمعدلات ذات أرقام عشرية، لأن بريق وظائف خطوط الإنتاج زال وأصبح السكان أقل ملاءمة لأصحاب العمل. فالأجور الحقيقية التي تم حسابها بالدولار عام 2005 ارتفعت 350 في المائة في الـ 11 سنة الماضية، وهو ارتفاع أسرع من أي دولة آسيوية، طبقاً لمصرف 'إتش إس بي سي'.
ومن المرجح أن تزداد وتيرة الارتفاع. ففي العام الماضي تراجع عدد السكان في سن العمل في البلاد للمرة الأولى 3.5 مليون، إلى 937.3 مليون. هذا التدهور الذي جاء قبل أربع سنوات عما هو متوقع، يُظهر أن الصين استنفدت واحدا من أهم العوامل وراء نموها المتسارع في العقود الثلاثة الماضية: تيار لا ينتهي من العمالة الجديدة. ويتحدث رئيس المكتب القومي للإحصاء بوقار يناسب الأمر، فيقول: 'علينا أن نولي اهتماماً كبيراً لهذه الحقيقة'.
وفي الواقع، الأجور الأعلى تناسب هدف الحزب الشيوعي في تغيير مسار عدم المساواة المتزايدة في الدخل. فهناك استياء متزايد ضد أشخاص يعتبر كثيرون منهم من مسؤولي الحزب الذين يُعتقد أنهم أثروا بشكل صارخ. وهذا الأسبوع أصدر مجلس الدولة خطة من 35 نقطة لتدارك ثغرة الثروة هذه. وكان من بين أهدافه انتشال 80 مليون إنسان من الفقر ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 40 في المائة، على الأقل في الرواتب المتوسطة، وإجبار الشركات الحكومية العملاقة على أن تعطي مزيدا من أرباحها مرة أخرى للحكومة لإعادة توزيعها.
ومع أن الخطة تفتقر إلى التفاصيل، إلا أنها تتوافق مع الأهداف المعلنة لزي جينبينج، الذي على وشك أن يصبح رئيساً الشهر المقبل، لقمع الفساد والتبذير الرسمي. وقال القائد الجديد: إن حكومته ستستأصل كلاً من 'النمور والذباب' – المحتالون الكبار والصغار – وحظر أشياء من قبيل حساء زعانف أسماك القرش في مآدب الطعام الرسمية.
والكثير من هذا يبهر الجمهور، لكن هناك نقطة اقتصادية جادة. فإذا ما كانت الصين ستعيد التوازن لاقتصادها بتوليد نمو أكبر من الطلب المحلى وقليل من الاستثمار والصادرات، فسيكون عليها وضع المال في جيوب الناس. وأحد الطرق الواضحة هو السماح بارتفاع أجور العمال العاديين.وإذا ما عجلت وتيرة زيادة الأجور فعليا، فسيتعين على الشركات أن تحقق مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية، إذا ما أرادت ألا تخسر قدرتها التنافسية. وهذا لم يحدث في الأعوام الخمسة حتى 2011، طبقاً لـ 'إتش إس بي سي'، حينما فاق ارتفاع الأجور مكاسب الإنتاج، ما رفع تكلفة وحدة العمالة أكثر من 100 في المائة.
ونهاية الصين الرخيصة قد ترسل بعض الأعمال التي تتطلب عمالة كثيفة – في النسيج أو الصناعة التحويلية منخفضة التكلفة – إلى بلدان مجاورة، بل وإلى ما وراء ذلك. وهناك شواهد على أن بلدانا مثل بنجلادش وفيتنام وتايلاند والمكسيك استفادت بالفعل من هذا.
مع ذلك، تكلفة العمالة ليست كل شيء. وبالنسبة للسلع المصنعة الأجور هي مجرد جزء يسير من التكلفة. وطبقاً لتحقيق صحافي أجرته 'ذا نيويورك تايمز' العام الماضي، إذا ما دفعت 'أبل' أجورا أمريكية لإنتاج 'آيفون'، فإنها ستضيف 65 دولارا لتكلفة كل وحدة. وقد يكون من الممكن التحكم في هذا، ما يعطي هامش ربح كبير لشركة أبل. لكن اتضح أن المنافسة الصينية تتعدى مسألة السعر تماماً. الأمر الأكثر أهمية هو المجموعة الكبيرة من مصنعي المكونات القادرين على مواكبة التحديثات المستمرة التي تتطلبها صناعة الإلكترونيات. ومرونة المصانع الصينية هي مرونة أسطورية أيضاً. وربط التحقيق بين كيف أن شركة 'أبل' قبل أسابيع فقط من أن يصبح 'الآيفون' على وشك العرض للبيع، جددت خط إنتاج في مصنع فوكسكون في مدينة شينزين من أجل تركيب شاشات زجاجية للهواتف، بدلاً من أخرى بلاستيكية. وهذا التغير الجذري كان سيصبح مستحيلا تقريباً في أي مكان آخر.
بالطبع، إذا ما سمحت 'فوكسكون' لاتحاد عمال قوي بأن يترسخ، فقد تخاطر بمثل هذه المرونة. لكن ليس من المرجح أن يظهر اتحاد عمال قوي للغاية، كما يقول أحد الذين أعدوا لإضراب عن العمل، ولا عمال يطالبون بتقليص ساعات العمل وإدخال ممارسات عمل صارمة. وفي الحقيقة، الشكوى العامة من العمال العاديين في مصنع فوكسكون ليست أنهم يعملون بجهد كبير، ولكن شكواهم هي أنهم لا ينالون أجر ساعات العمل الإضافية. وسواء كانت الأجور مرتفعة أم لا، فالمرجح أن تظل الصين متمتعة بقدرة تنافسية لبعض الوقت.
تعليقات