مركب كربوني يعد بتحول كبير في الصناعات الدقيقة بقلم كليف كوكسون
الاقتصاد الآنفبراير 11, 2013, 6:01 م 666 مشاهدات 0
نوفاك دجوكوفيك، بطل بطولة أستراليا المفتوحة، واللاعب المصنف رقم واحد عالمياً في لعبة التنس، اتجه إلى الملعب وفي يده حقيبة تستخدم لحمل الأسلحة – معلمة بحرف ''جي'' – ومربوطة بسلسلة في معصمه.
ومنها يستخرج مضرب تنس مصنوع جزئياً من الجرافين، المادة التي تعد أول عجائب القرن الحادي والعشرين. ويسحق الإرسال الضعيف الأول لدجوكوفيك مضرب خصم يرتعد في درعه الواقي للبدن.
بسعادة اعترفت شركة هيد التي تعمل في تصنيع المعدات الرياضية، بأن إعلاناتها تستغل الصخب العالمي، ولن تقول ما مقدار الجرافين في مضرب التنس. لكن الشركة – كما فعلت قبلها ''سامسونج'' و''آي بي إم'' - لن تفوت على نفسها صخب الإثارة التي تحيط بآخر منتج عجيب في العالم.
الجرافين هو صفيحة من الكربون ذو ذرة واحدة سميكة، لكنه يمتد إلى ما لا نهاية في بعدين. تشتمل خصائصه على مدى مذهل من المزايا الفائقة، من بينها قدرة أفضل على التوصيل الكهربي والحراري، والقوة الميكانيكية والشفافية أكثر من أي مادة أخرى.
الأبحاث على الجرافين تتلقى دعماً من الاتحاد الأوروبي اليوم يبلغ مليار يورو. اختياره كبرنامج ''ريادة'' أوروبي للعقد القادم هو الآخر في موجة دعم شعبي ومن الشركات، للعمل على مادة كانت مجهولة منذ عشر سنوات.
''الخصائص الفائقة العديدة للجرافين تبرر اسمه (المادة المعجزة)''. هذا ما قالته ''خريطة طريق للجرافين'' حديثة نشرت في مجلة ''نيتشر'' العلمية من مجموعة عالمية من العلماء من بينهم كوستيا نوفوسيلوف، الذي كان أول من عزل الجرافين مع أندري جيم في جامعة مانشستر عام 2004.
قائمة التطبيقات المحتملة كبيرة بشكل متماثل. في الإلكترونيات تراوح ما بين الترانزستورات فائقة السرعة إلى شاشات الحاسب الآلي القابلة للطي والصمامات الثنائية الباعثة للضوء؛ إنها تعد بليزر واستشعارات بصرية أكثر كفاءة؛ قد تحول التخزين والإنتاج الكهربي من البطاريات إلى الخلايا الشمسية. المواد المركبة التي تحتوي على الجرافين قد تقوي من أجنحة الطائرات واستخدامات الطب الحيوي بما يشمل هندسة الأنسجة وإدخال العقاقير إلى الجسم.
وجد الباحث جيم أنه من المستحيل أن يتم تمييز التطبيقات الواعدة أو المثيرة بشكل أكثر. ويقول في هذا الصدد: ''المجال واسع للغاية ويتطور بسرعة شديدة، حتى أن التركيز على أي اتجاه بعينه سيقلص من حجم المشروع بأكمله. عدد الأمثلة مدهش. عشرة آلاف ورقة بحث نشرت العام الماضي بشأن الجرافين''.
ومع أنه لا يوجد تقدير بشأن الإنفاق العالمي على أبحاث الجرافين، يقول جيم: يجب أن يكون الإنتاج نحو مليار دولار سنوياً، بناءً على الإنتاج الحالي.
الحكومات في أرجاء عالم الصناعات تغدق الأموال لضمان مشاركتها في ثورة الجرافين. تعهدت بريطانيا بأكثر من 60 مليون جنيه استرليني للإبقاء على الدولة التي بدأ فيها هذا الأمر كله في مقدمة البحث، حيث تأخذ الكثير جداً من الشركات التي تريد أن تتعاون مع الأكاديميات البريطانية.
كشفت جامعة مانشستر هذا الشهر عن خطط لمعهد الجرافين القومي الممول بـ 61 مليون جنيه استرليني، والذي سيكتمل في أوائل عام 2015، بهدف أن يكون ''المركز الرائد عالمياً في أبحاث الجرافين''. أعلنت جامعة كامبريدج الأسبوع الماضي عن مركز كامبريدج للجرافين، بتمويل بحثي يصل إلى 30 مليون جنيه استرليني. والاتحاد الأوروبي ينفق بالفعل ملايين من اليورو على أبحاث الجرافين – وبرنامج بحث ''الريادة''، سيدعم هذا إلى حد كبير. يقول جيم: ''ستوزع الأموال على نطاق ضيق في أرجاء أوروبا. بإمكانك أن تنظر إلى هذا على أنه تمويل ابتدائي يبلغ مليار يورو، لحث الشركات أكثر على أن تشارك مع الجامعات الأوروبية''.
وكما يحدث عادة حينما يبزغ اكتشاف علمي جديد، هناك مخاوف في المملكة المتحدة وأوروبا من أن يتفوق عليهم المنافسون الأمريكيون والآسيويون.
بعض من هذه المخاوف نابع من تحليلات عن براءات الاختراع. وكان آخرها من شركة استراتيجية التكنولوجيا الكائنة بالمملكة المتحدة، ''كامبريدج آي بي''، والذي يظهر أنه بنهاية عام 2012 كان هناك 2,204 تطبيقات اختراع مسجلة عن الجرافين من الصين، و2,754 من الولايات المتحدة و1,160 من جنوب كوريا – و54 فقط من المملكة المتحدة.
لكن حجم براءات الاختراع لا يفصح عن القصة بأكملها. فالجودة تهم هي الأخرى. يقول لويجي كولومبو خبير الجرافين في شركة تيكساس إنسترومينت بالولايات المتحدة: ''لم تكن أوروبا بمثل هذه القوة في الحصول على براءات الاختراع. لكن أوروبا في قلب عمل الجرافين هذه الأيام''.
وهو ما يتفق معه كوينتين تانوك، رئيس ''كامبريدج آي بي'' قائلاً: ''السباق من أجل الاستفادة من الجرافين لم ينته بعد. لدى المستثمرين البريطانيين سمعة يستحقونها بجدارة، أنهم مبتكرون على نحو خاص، ولدى المملكة المتحدة إمكانات هائلة لضمان الاستفادة المستقبلية في مشهد براءات الاختراع الخاصة بالجرافين''.
لدى المملكة المتحدة ومانشستر أيضاً ''ميزة العلامة التجارية''، وعلى وجه الخصوص ما بعد جائزة نوبل للباحثين جيم ونوفوسيلوف في عام 2010.
كان هناك طلب عالٍ للعمل مع مركز مانشستر الجديد، كما يقول الباحث نوفوسيلوف. ''نريد أن نختار نحو خمس أو ست شركات – بالتأكيد ما لا يزيد على عشرة – سيأتون في الموقع للعمل معنا. سنتعلم من التكنولوجيا التي يستخدمونها في إنتاجهم، وسيشهدون أقصى ما انتهى إليه العلم''.
عند الأخذ بأرقام براءات الاختراع بالقيمة الاسمية، فإن شركة سامسونج الكورية تقود حزمة الشركات، حيث نشرت لها 407 براءات اختراع وتطبيقاتها للجرافين، طبقاً لشركة كامبريدج آي دي. وتأتي بعدها ''آي بي إم'' من الولايات المتحدة بـ 134.
ومع أن شركة سامسونج وضعت إعلاناً براقاً في عام 2010 حول إلكترونيات للمستهلك قابلة للطي مصنوعة من الجرافينأ ونشرت بحثا علميا حول ترانزيستور من الجرافين العام الماضي، إلا أن الشركة متحفظة بشأن الإفصاح عن تطويرها لأجهزة الجرافين. يعتقد المراقبون أن شاشات عرض مرنة ستميز أول منتجاتها من الجرافين.
شركة آي بي إم على الأبواب أكثر. يقول رئيس أبحاث العلوم الفيزيائية في ''آي بي إم''، سوبراتيك جوها، إن الشركة تعمل على ترانزستورات من الجرافين ذات تردد عالٍ، وهي تكنولوجيا جديدة لوضع صفائح الجرافين في الإلكترونيات، وأجهزة التيراهيرتز.
نطاق التيراهيرتز في المجال الكهرومغناطيسي، يراوح بين ترددات الأشعة تحت الحمراء والمايكروويف، وهو ما يبشر بالخير الكثير في الاستشعار، والتصوير الطبي والتواصل قصير المدى. تمر أمواج التيراهيرتز عبر البلاستيك والأنسجة الحية، لكن لطالما جاهد العلماء للتحكم فيها. يقول جوها: ''بإمكاننا استخدام الجرافين لتعديل والتحكم في انبعاث التيراهيرتز''.
الشركات من أمثال ''سامسونج'' و''آي بي إم'' كان لهم السبق، لأنه كان لديهم بالفعل باحثين يعملون على الأنابيب النانومترية الكربونية – بشكل رئيسي الجرافين الملتف في أسطوانات جزيئية – التي تشارك بعض خصائص الصفائح الذرية المفتوحة للجرافين.
عديد من الشركات الصغرى حول العالم تصنع وتبيع الجرافين. إحداها ''جرافين إنداستريز''، المتفرعة من جامعة مانشستر. يقول بيتر بلاك مديرها التنفيذي: ''إننا نبيع رقائق الجرافين ذات البلورات المفردة لعملاء أكاديميين، من بينهم ''آي بي إم'' ومعظم شركات أشباه الموصلات في العالم''.
تصنع شركة جرافين إنداستريز رقاقاتها بالتقشير الميكانيكي، وهي طريقة محسنة من أسلوب ''شريط اللصق'' التي استخدمها في الأصل جيم ونوفوسيلوف. المادة الخام هي الجرافيت، من الكربون الموجود في عديد من الدول، الذي يتكون من آلاف المليارات من صفائح الجرافين المكدسة رأسياً. وباستخدام الجهاز المايكرو الصحيح، نجد أنه من السهل بدرجة مدهشة تقشير الصفائح واحدة تلو الأخرى.
هناك تقرير جديد من شركة لوكس ريسيرش الاستشارية، يظهر أن سوق الجرافين سينمو من تسعة ملايين دولار العام الماضي إلى 126 مليون دولار في عام 2020. يقول روس كوزارسكي المحلل بشركة لوكس'': ''في حين أن الظهور الأول مذهل للمادة الجديدة، إلا أن هذا النمو أقل مما قد توحي به هذه الجلبة''. ويعدد التقرير عدداً كبيراً من شركات الجرافين الناشئة ''التي تتفوه بادعاءات جريئة عن جرافين أرخص و/أو أفضل من مولدات وعمليات جديدة'' – وتحذر من تهديد زيادة العرض.
المنتجات التي تحتوي على الجرافين، مثل مضرب التنس من شركة هيد، بدأت في الظهور. يقول رالف شوينجر رئيس البحث والتطوير لمضارب التنس، أن إضافة الجرافين لتقوية مقبض المضرب يعيد توزيع الوزن على طرف ومقبض مضرب التنس، وهو ما يزيد من القدرة على المناورة.استخدمت شركة هيد منحة من الحكومة الأسترالية للعمل مع معهد أبحاث التكنولوجيا الصناعية التايواني لتطوير مضرب التنس. طبقاً لشوينجر، إدماج الجرافين يحسن من أداء مضرب التنس من خلال ''نسبة مئوية من رقمين'' لكنه لا ينكر أن الشركة تستغل هذا ''الصخب'' حول المادة من أجل أغراض دعائية. يقول: ''بالنسبة لنا فالأمر يساعد بأن الجرافين خرج على الإعلام وهناك بعض الضجة حوله، وإلا لكان من الصعب علينا أكثر بيع مضارب التنس''.وصل تطبيق مختلف تماماً إلى السوق وهو ''الحبر الموصل للكهرباء'' المحتوي على الجرافين. شركة فوربيك ماتيريالز الناشئة في مدينة جيساب بولاية ميريلاند الأمريكية هي الرائدة في هذا المجال. مديرها التنفيذي، جون ليتو، يقول إن المرونة وصقل الحبر المعتمد على الجرافين يجعل هذا الحبر مثالياً في الإلكترونيات المطبوعة مثل البطاقات الذكية والتعبئة والتغليف عالي الأمان.
تطور ''فوربيك'' أيضاً بطاريات الليثيوم الأيونية ذات الأقطاب الكهربائية الجرافينية – وهو تطبيق آخر واعد. يقول ليتو: ''بإمكاننا أيضاً صنع بطاريات مرنة، وعلى سبيل المثال قد تناسب حزام حقيبتك لإعادة شحن هاتفك النقال أثناء تجولك''.
ومن المرجح أن الشاشات المرنة لأجهزة المستهلكين ستظهر خلال ثلاث سنوات، لذا لا أحد يتوقع التطبيق الكبير بحق في الإلكترونيات، مثل المعالجات فائقة السرعة التي تستهلك طاقة قليلة وشرائح الذاكرة، التي ستؤتي ثمارها تجارياً في أقل من عشر سنوات. سيحتاج الجرافين إلى تعديلات كيميائية وفيزيائية دائمة من أجل عديد من الاستخدامات. وليس من الباكر جداً للمستثمرين أن يتعقبوا هذا المجال، كما يقول أندرو هاي، المدير التنفيذي لشركة كوتس، ذراع إدارة الثروة في مصرف رويال بانك أوف اسكتلاند، الذي درس براءات اختراع الجرافين. يقول: ''من الباكر جداً أن نبيع (تمويل للجرافين) لكننا نطرق على مجال الجرافين وسنستمر في الطرق عليه، لأن هذا العلم سيكون أحد المفاتيح المحركة في عالم القرن الحادي والعشرين''.
يتفق تانوك مع هذا الطرح حيث يقول: ''على المستثمرين أن يقدروا أنه على الرغم من أن الجرافين ينمو بشدة في البحث والتطوير والمنافع التجارية الكثيرة، ما زال في فترة مبكرة نسبياً (وقت التسويق) لتطبيقات صناعية معينة ستتنوع ويمكن أن تطول''. ويضيف: ''إن الإنتاج واسع النطاق للجرافين عالي الجودة وتطبيقات الجرافين في المواد المركبة، والطلاءات والأحبار، قد ينتج عنه عائدات للمستثمرين على المدى المتوسط. وعلى المدى البعيد، فإن انتشار الجرافين المعقد قد يعود بعائدات أكبر بكثير على الاستثمار، على سبيل المثال الصحة وعلوم الحياة''.
يحذر مكتشفو الجرافين من التوقعات دون المستوى. يقول الباحث جيم: ''هناك كثير من الضجيج، وأعتقد أنه من المهم أن نعدل التوقعات التي ارتفعت إلى أقصى مدى''.وفي حين أنه يرفض الحبر ومضارب التنس المصنوعة من الجرافين، كونها ''منتجات متخصصة صغيرة'' تركب موجة الصخب الحالي، إلا أن جين واثق بأن المادة في النهاية ستحول من شأن الإلكترونيات والطاقة والطيران والتكنولوجيا الحيوية. ويقول: ''في العادة يتطلب الأمر 40 عاماً لمادة جديدة لتنتقل من النطاق الأكاديمي إلى المنتجات الاستهلاكية، لذا فإن الجرافين ما زال طفلاً''.
تعليقات