ثورات الربيع العربية.. تُنهك الاقتصادات العربية بقلم د. أمين ساعاتي

الاقتصاد الآن

826 مشاهدات 0



تعرضت بعض الدول العربية في السنتين الأخيرتين لعدد من الثورات الشعبية التى استهدفت الإطاحة بالأنظمة السياسية القائمة، وأحلت أنظمة (ديمقراطية!) محلها بأمل أن تعطي للشعب حقوقه الاقتصادية والسياسية المخطوفة.

وإذا رجعنا إلى المطالب الأولى لثورة الشباب التي اندلعت في مصر في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، نجد أنها كانت مطالب اقتصادية بالدرجة الأولى، وكانت تنحصر في القضاء على البطالة، ورفع الأجور المتدنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والسيطرة على أسعار السلع والخدمات التي شهدت ارتفاعات جنونية في السوق المصرية.

ومنذ اندلاع ثورة الربيع العربية الأولى في تونس اتخذ الرأي العام العربي موقفاً عاطفياً مؤيداً لها، واستمر التأييد الشعبي لثورات الربيع العربية في مصر واليمن وليبيا حتى سورية، والغريب أن الرأي العام العربي ظل على تأييده للثورات العربية رغم أن نتائجها المبدئية لم تكن فى صالح الاقتصادات العربية، بل أفرزت الثورات العربية وهي في بواكيرها الأولى أضراراً جسيمة على الاقتصاد العربي بصورة خاصة والنظام العربي بصورة عامة.

ورغم أن الرأي العام العربي اكتشف الجوانب السلبية لهذه الثورات مبكراً إلاّ أنه ظل يؤيد ثورات الربيع العربية ولا يقبل العودة إلى الأنظمة العربية القديمة.

ويبدو أن الجراح التي أحدثتها الأنظمة العربية القديمة فى الجسم العربي طيلة القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت غائرة إلى درجة أن الرأي العام العربي يقبل سلبيات ثورات الربيع العربية ولا يقبل العودة إلى حضن أنظمة مارست كل أشكال القمع والقهر والظلم.

وبعيداً عن الانفعالات والتشنجات فقد اتخذت موقفاً رافضاً للثورات العربية كوسيلة لإحداث الإصلاح الاقتصادي والسياسي في العالم العربي، لأن الثورات سوف تخلف مشاحنات عرقية وطائفية بل وحروباً أهلية فى كثير من الدول العربية، ثم تأتي على النظام العربي برمته!

ولقد تعلمنا من الثورات السابقة في العالم العربي أنها مرحب بها من الشعوب العربية، ولكن هذه الثورات لا تكتفي بقلب أنظمة الحكم، فبعد أن تنجح الثورة في قلب نظام الحكم يبدأ الثوار مراحل طويلة ومريرة من الصراع على السلطة، وهو صراع مزرٍ ومؤسف ينتهي بالتصفية الجسدية بين الثوار، وربما تكون الثورة المصرية التي اندلعت فى 23 تموز (يوليو) 1952 أكبر مثل على صحة كلامنا، وكذلك فعلت الثورات السورية والثورات اليمنية والثورات الليبية والثورات الجزائرية..

المصريون اليوم يلعنون ثورة 23 تموز (يوليو) التي بدأت بنظام عبد الناصر الذي صفى كل الضباط الأحرار وأولهم زعيمهم محمد نجيب، ثم قضت على نائب رئيس الجمهورية المشير عبد الحكيم عامر، وانتهت بنظام مبارك إلى السجون، وأبرز ما قدمته ثورة تموز (يوليو) إلى الشعب المصري هو تمكين حفنة من الضباط من الوصول إلى السلطة واستغلالها في تحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة وترسيخ حكم الفرد المطلق.

إن زيادة الأجور التي يطالب بها الشباب في عالمنا العربي (وهم محقون جداً فى هذه المطالبة) تكون مرغوبة إذا كانت نتيجة وليست سبباً، نتيجة لزيادة صافية في الإنتاجية، بمعنى أن الزيادة المطلوبة في رواتب العاملين يجب أن تكون من إنتاجية هؤلاء العاملين وليس من الحكومة، أمّا إذا ُأجْبرت الحكومة على زيادة الرواتب ولجأت إلى طبع كميات هائلة من النقود، فإن هذه الزيادة سوف يترتب عليها حدوث موجات من التضخم وزيادة الأسعار، وعندئذ نعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر، حيث يعاني الشباب ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور، ولذلك نؤكد أن الحكومة لا تستطيع أن تضبط الزيادة فى الأسعار إلاّ إذا قام الموظفون والعاملون بزيادة إنتاجيتهم بنفس نسبة الزيادة في الأجور.

وما يحدث الآن في الدول العربية التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربية أن الأوضاع السياسية والاقتصادية غير مستقرة، والأمور تتجه إلى مزيد من المشاكل الاقتصادية والسياسية التي لا تبشر بتحقيق المطالب التي يطالب بها الثوار.

أمّا الأمر الأخطر الذي سوف تخلفه هذه الثورات فهو سباق الثوار على الارتماء فى أحضان القوى الكبرى، ففى ليبيا ــ كما في سورية ومصر واليمن وتونس ــ يتسابق الثوار على كسب دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، بل إن بعض الثوار يقولون المقولة الشهيرة 'سوف نتحالف مع الشيطان حتى نصل إلى السلطة، وطبعاً الحلف مع القوى العظمى أقل من الحلف مع الشيطان، ولا مجال أمام قوى الثورة إلاّ الارتماء في حضن الولايات المتحدة حتى تفوز بالسلطة.

إن ما سوف يحدث في ليبيا وفي سورية وفي اليمن وفي لبنان وفي تونس هو الاصطفاف باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية!

وعندئذ سوف يقدم الثوار للأمريكان أكثر بكثير مما قدمته الأنظمة السابقة للولايات المتحدة، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!

وفي النهاية فإن الاقتصاد العربي هو الذي يدفع ثمن كل الأخطاء العربية!

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك