عن التفاحة الفاسدة والصندوق وصانعه!.. تكتب عواطف العلوي

زاوية الكتاب

كتب 1266 مشاهدات 0


الكويتية

مندهشة  /  التفاحة الفاسدة.. والصندوق.. وصانع الصندوق!!

عواطف العلوي

 

سؤال لطالما راودني وأشغل فكري، كلما شاهدت مجندا مدججا بالسلاح يبطش برجل أعزل بكل وحشية وقسوة غير آبه بأبسط مبادئ الكرامة الإنسانية والرحمة، كيف يفكر هذا العسكري؟ كيف تم تدريبه وبرمجته نفسيا وعقليا ليستمرئ ضرب الأعزل وإذلاله وإهانته، بل والنظر إليه كحيوان أمامه وليس آدميا مثله؟!
كنت أعتقد -إلى درجة اليقين- بأن الشخص القائم على القمع أو البطش أو التعذيب لابد أن شخصيته تتسم بالعداء أو العنف أو السادية، وعلى أساس تلك السمات تم اختياره لتلك الوظيفة.
لكني بعد اطلاعي على دراسات علمية وتجارب عملية قام بها أساتذة متخصصون في علم الاجتماع والنفس، تغيرت قناعتي مئة وثمانين درجة، بعد أن أذهلتني نتائج تلك الدراسات إلى حد الصدمة!
سأشير هنا فقط إلى تجربة واحدة منها، ولعلي أجد مناسبة قريبة أتناول فيها التجارب الأخرى معكم.
التجربة التي أجراها الدكتور الأميركي ستانلي ميلغرام في العام 1963، وتمثلت في اختبار بسيط لقياس كمية الألم التي يمكن لشخص عادي بسيط أن يسببها لشخص آخر، تنفيذا لأمر صدر عن سلطة (تتمثل هنا في المشرف على الاختبار)، بهدف دراسة مدى تنفيذ أوامر السلطة «عميانيا»، حتى لو كانت تتعارض مع مبدأ عدم إيذاء الآخرين، والذي يُفترَض أنه أحد أشد (أخلاقياتنا) رسوخًا وصرامة، هذا (المبدأ) وتلك (السلطة) يلتقيان في تحدّ ساخن مع صدى صرخات الضحية (الممثِّل في هذا الاختبار)، وللأسف تفوز السلطة في هذا التحدي بشكل أكبر مما يمكن لنا تصوره، لتؤكد لنا التجربة - بعد إعادتها أكثر من مرة في أكثر من مكان ومع أشخاص مختلفين وبدرجات مختلفة من التعليم- أن درجة الانصياع لأوامر صدرت من شخص أعلى دائما مرتفعة مهما كانت تلك الأوامر فاسدة أو مؤذية، وأنه سهل أن يقع الشخص (الطيب) في الجريمة والعنف إذا أصبح تابعا أعمى، خاصة إذا استخدم رئيسه معه ألفاظا تحفيزيّة تُخلي مسؤوليته ممّا يفعل، وتقنعه بأنه يؤدي عملا مفيدًا للبشرية أو(واجبا وطنيا) فحسب، حتى ولو كان على حساب حياة البشر أو كراماتهم!
كشفت لنا هذه التجربة أن الفكرة المرسومة في أذهاننا بأن الطيّب يظل أبد الدهر طيّبا، والمجرم وُلِد وسيموت شريرا، هي فكرة ساذجة جدا وعبيطة، فمن السهولة تحوّل الإنسان نحو الشر والطغيان دون إحساس بالذنب في حال اقترافه، طالما لديه القدرة على الإيذاء وتدعمه السلطة، والجلاد أو السجان أو القائم على القمع والتعذيب ما هو إلا شخص محكوم بأوامر وعناصر انضباط صارمة لا يُسمَح له بكسرها، هو (روبوت) غير متاح له إلا مساحة محدودة من الاختيارات ليس من ضمنها التعاطف مع الضحية أو التفكير خارج تلك المساحة. نفِّذ ثم فكِّر.. والأفضل ألا تفكر أو حتى تحسّ! واعتبار ما بين الجلاد وضحيته منطقة شائكة لا يُسمح له بالتوغل فيها أو حتى الاقتراب من حدودها، كي لا يتورط عاطفيا مع تفاصيل إنسانية قد تضعف صرامته وثباته على قواعد «الروبوتات» التي تم برمجته عليها وقد تكلفه مركزه ومورد رزقه.
النقطة هنا هي أن نركز على علاقة التابع بالمتبوع، فالعقاب يجب ألا يقتصر على المجرم الذي نفّذ أمرا لا أخلاقيا أو مؤذيا، بل يجب أن يطول من أصدر له تلك الأوامر، والنظام الذي احتضن الاثنين وأوجد تلك الحالة من الشر والعنف!
كلنا معرضون للانزلاق في مهاوي الشر والطغيان، ولكنّ شيئا من التحصين بتقوى الله والإيمان بالحرية وترويض النفس على رفض الانصياع الأعمى لأي مخلوق كان مهما كلفنا ذلك الرفض من ثمن، هو المنجى الوحيد لنا وللبشرية من أن نتحول كلنا إلى.. تفاح فاسد..! 

الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك