ضرورة السماح للشركات بشراء أسهمها بقلم د. فهد بن عبد الله الحويماني
الاقتصاد الآنيناير 14, 2013, 5:07 م 650 مشاهدات 0
حتى إن لم تقم الشركة بتوزيع أي أرباح، فإن شراءها أسهمها يؤدي إلى ارتفاع العائد على حقوق المساهمين، بسبب نقص عدد الأسهم المصدرة، كون الأسهم التي يتم شراؤها تتلف أو تبقى كأسهم خزانة غير مستحقة للتوزيعات ولا تحسب من ضمن الأسهم المصدرة.
هناك تخوف في غير محله من السماح للشركات السعودية بشراء أسهمها، من أن ذلك قد يؤدي إلى تحول الشركات المساهمة من مزاولة عملها الأساسي إلى المضاربة في الأسهم، أو أن الكفة ستكون في مصلحة الشركات لأنها أعرف بأسهمها من بقية المتعاملين، وأنها قد تستغل ما يتوافر لديها من معلومات لمصلحة الشركة وضد المستثمرين. ولا أعلم إن كانت هذه المخاوف هي السبب في تأخر هيئة السوق المالية في الأخذ بهذه الطريقة المعروفة عالمياً، والمعمول بها في عدد من الأسواق الخليجية والعربية، لكن - في رأيي - أن السوق السعودية وصلت إلى مرحلة من النضج تُحتم على الجهة القائمة على تطوير السوق تبني عدد من الأساليب الحديثة لخلق المرونة اللازمة وإيجاد السبل والوسائل التي ترتقي بمستوى السوق لتجعلها من أفضل الأسواق في العالم. فما المقصود بشراء الشركات أسهمها وما محاسن هذه الطريقة وما مساوئها؟
تتم عملية شراء الشركة أسهمها بقيام الشركة باسترجاع بعض من أسهمها المصدرة بالدفع نقداً مقابل الحصول على الأسهم من المساهمين مباشرة، ويمكن أن يتم ذلك بالشراء المباشر من السوق، أو من خلال عملية اكتتاب عكسي بسعر محدد، أو من خلال مزاد معين حسب أسعار محددة في جدول. وهي شبيهة بعملية خفض رأس المال في كونها تؤدي إلى خفض عدد الأسهم المصدرة، إلا أنها تختلف في كونها عملية شراء حقيقية، لا مجرد مناقلة شكلية من بند رأس المال إلى بنود أخرى من ضمن حقوق المساهمين. فهي إذاً عملية تتطلب قيام الشركة بدفع أموال نقدية للمساهمين للحصول على الأسهم المطلوبة، فتشبه بذلك عملية توزيع الأرباح النقدية على المساهمين، لكن تختلف عنها في عدد من الجوانب كما سنرى.
عندما يتوافر لدى الشركة المساهمة مبلغ من المال النقدي يزيد على احتياجاتها الرأسمالية فهي أمام عدد محدود من الخيارات: إما أن توزع المال كأرباح على المساهمين، وإما أن تحتفظ به كاملاً للمستقبل، أو أن تستخدمه في شراء أسهمها، أو تقوم بعمل خليط من هذه الخيارات. مشكلة توزيع الأرباح النقدية أنها عملية حساسة تحتاج إلى سياسة معينة تحاول من خلالها الشركة توزيع الأرباح بشكل منتظم، لأن التوقف عن توزيع الأرباح أو خفضها يؤخذ دائماً كمؤشر سلبي من قبل المساهمين ويعرض الشركة لانتقادات حادة. فتجد أن الشركات التي توزع الأرباح تحاول أن تستمر في توزيع الأرباح حتى إن كانت النتائج المالية غير جيدة، بل حتى في حالة تحقيق أرباح عالية فإن الشركات الملتزمة بسياسة توزيع محددة لا تحبذ زيادة التوزيعات، خوفاً من اضطرارها مستقبلاً إلى خفض حجم التوزيعات، فتقوم بالاحتفاظ بالمبالغ النقدية الزائدة لديها حتى إن لم تكن في حاجة إليها. بينما لو قامت الشركة بشراء أسهمها فستستطيع توظيف المبالغ النقدية الزائدة على حاجتها في استرجاع جزء من أسهمها بشرائها من السوق مباشرة. صحيح أن الشركة تستطيع في مثل هذه الحالة القيام بتوزيع أرباح استثنائية أعلى من المعتاد، غير أن أكثر الشركات تحاول الالتزام بالسياسة المعلنة لتوزيع الأرباح ولا تحيد عنها.
المشكلة الأخرى لتوزيع الأرباح هي أنها توزع على الجميع بدون استثناء ولا تراعي بذلك الظروف المختلفة للمساهمين، فهناك من لا يرغب في الحصول على التوزيعات النقدية التي تؤدي إلى هبوط سعر السهم بعد يوم الأحقية، وبذلك فهي عملية شكلية ليس لها فائدة مالية حقيقية. كما أن هناك فئة من المساهمين ليست بحاجة للنقد الموزع، وليس لديها خيارات مناسبة لاستثماره في وسائل أخرى، فيكون عبئا على هذه الفئة. بينما في حالة شراء الشركة لأسهمها فإن المساهمين لديهم الحرية في بيع جزء من أسهمهم للشركة والحصول على النقد إن كانوا بحاجة إليه، أو عدم بيع أسهمهم والحفاظ على قيمة استثماراتهم في الشركة. وبينما ينخفض سعر السهم عقب عملية التوزيع، نجده يرتفع من جراء شراء الشركة أسهمها، وهذه واحدة من أهم الفوائد للمساهمين.
ومن الفوائد الأخرى المهمة لشراء الشركة لأسهمها، هي أن ربحية السهم ترتفع بسبب تقلص عدد الأسهم المصدرة، ويعود ذلك لأن ربحية الشركة ككل غير مرتبطة بعدد الأسهم، بينما ربحية السهم الواحد مرتبطة بعدد الأسهم. كما أن المساهمين سيتحصلون على توزيعات أعلى في المستقبل، بسبب نقص عدد الأسهم المستحقة للأرباح. حتى وإن لم تقم الشركة بتوزيع أي أرباح، فإن شراءها أسهمها يؤدي إلى ارتفاع العائد على حقوق المساهمين، مرة أخرى بسبب نقص عدد الأسهم المصدرة، كون الأسهم التي يتم شراؤها تتلف أو تبقى كأسهم خزانة غير مستحقة للتوزيعات ولا تحسب من ضمن الأسهم المصدرة.
نقطة أخرى تضاف إلى فوائد شراء الشركة أسهمها، هي أن عملية الشراء، أو حتى مجرد الإعلان عن عزم الشركة شراء أسهمها، تعد من الإشارات الضمنية الإيجابية المفيدة للمستثمر، كونها تؤخذ كدليل على تدني سعر الشركة وجاذبيته للاستثمار. هذه النقطة الأخيرة قد يساء استخدامها من قبل بعض الشركات المهزوزة لتضليل المساهمين، إلا أن هناك ضوابط معينة يمكن العمل بها للحد من ذلك، كمنع الشركة بيع أسهمها إلا بعد مدة معينة، علاوة على عدم السماح للشركة شراء أسهمها، إلا في حالة توافر مبالغ نقدية بمقدار معين وبآلية معينة.
من الواضح أن هناك فوائد عديدة للسماح للشركات بشراء أسهمها، وهو أمر بديهي طالما أن الشركة مسموح لها ببيع أسهمها على المساهمين، فلماذا لا يسمح لها بشراء ما باعته لهم؟ وبما أنه كذلك مسموح للشركة برفع رأس مالها بشتى الطرق وتوزيع أرباح نقدية أو عينية، كمنح الأسهم، فمن العدل أن يسمح لها بشراء أسهمها. وبالرغم من ذلك، فقد يكون من المناسب سن بعض الضوابط، ولو بشكل مؤقت لعدة سنوات، بسبب طبيعة السوق السعودي وحداثة التجربة، بهدف معالجة بعض الجوانب السلبية الممكنة. على سبيل المثال، معروف أن هناك حوافز مالية تمنح لبعض قياديي الشركة وأعضاء مجلس الإدارة تكون مرتبطة بالسعر السوقي للسهم، كمكافآت الأداء وخيارات الأسهم، فتنشأ هناك الرغبة في رفع سعر السهم بأي شكل من الأشكال، وأقصر الطرق لتحقيق ذلك شراء الشركة أسهمها. وغني عن القول أن هناك طرقا كثيرة لضبط مثل هذه التجاوزات المحتملة، التي بأي حال من الأحوال يجب ألا تشكل عائقاً أمام تطبيق آلية السماح للشركات بشراء أسهمها.
تعليقات