الوطن برأي محمد المقاطع بحاجة لمعالجة مدروسة تعيد له وحدته!

زاوية الكتاب

كتب 634 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  إما دولة قانون أو دويلات للعصبيات

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

منذ 30 سنة بدأت مسيرة الديموقراطية باتجاه الانحراف، ليس انحرافا دستوريا وليس انحرافا في الممارسة السياسية فقط، وإنما انحراف أسوأ وأخطر من ذلك كله، إنه انحراف جعل حلول دويلات العصبيات القبلية والطائفية والفئوية محل دولة الوطن والمواطنة القانونية والمؤسسات الدستورية، فقد تزايد شيئا فشيئا في خطابات سياسية وأخرى تأجيجية وثالثة جاهلية، تبعتها اصطفافات تشرذم المجتمع وتقسمه كانتونات متناثرة، وعجل في ظهورها للسطح نهارا جهارا نظام للدوائر سهّل تفكيك المجتمع لتلك الكيانات وساهم في تكريس الكانتونات أو قل الدويلات حتى تعاظم الشعور بالانتماءات العصبية (رغم اننا شرعا مطالبون بأن ندعها لكونها منتنة كما قال نبي الوحدة صلى الله عليه وسلم)، وحلت الولاءات لتلك العصبيات بدلا من الولاء للدولة، وكلما مر يوم زادت حدة هذا الاستقطاب وصار الوطن والمواطنة والمواطنون والمستقبل أمام خطر داهم لا يبقي ولا يذر، وقد تم توظيف الكيانات المهمة في نسيج المجتمع وهي القبيلة والطائفة والفئة ككيانات سياسية باصطفاف عصبي واستقطاب سياسي فئوي لأغراض انتخابية بدلا من كونها وحدات اجتماعية تشكل مع بعضها لوحة جميلة للحمة وطن وتماسكه وتنوعه بل ومصدر قوته، فتشرذم البلد لكانتونات تسيء لوحدته وتماسكه، بل أخرجها التعامل على هذا النحو من رحابة الوطن وسعة المواطنة إلى ضيق الفئة والتعصب المسيء، فصار ذلك سببا لتزايد وتيرة العزف على وتر القبلية والطائفية والفئوية، من كل سياسي هدفه الوحيد من إثارة تلك العصبيات وإحيائها الوصول لكرسي البرلمان بصرف النظر عن الثمن الذي سيتكبده أو تكبده فعلا الوطن، فهذا السياسي أو ذاك ممن يعتاش على الانتهازية السياسية شعاره «الغاية تبرر الوسيلة»، فالكرسي البرلماني هو غايته وما يحققه لنفسه من استمرار فيه وما يستتبعه من وجاهات لأغراض شخصية مريضة لديه أهم من وطن حتى وإن احترق، وها هو يذكي كل تلك النعرات والعصبيات ليس حبا فيها ولا تعزيزا لها وبكل تأكيد ليس من أجل وحدة وطن وسلامته، وإنما لطموح شخصي خبيث عليل وكرسي الوجاهة، فبئس الطموح هذا وبئس الكرسي ذاك وبئس السياسي هو أيا كان، فالوطن أغلى من الجميع ولا محل فيه لدويلات العصبيات وإنما دولة القانون ولا شيء سواها.

ولئن كان نظام الدوائر الــ25 ومن بعده الأربعة أصوات في خمس دوائر كانا سببا لشرذمة الوطن وتفتيته بتغذية العصبيات وإذكائها فإن الصوت الواحد في خمس دوائر الحالي ربما يكون أسوأ منهما في تكريس العصبيات وإحياء ما كان غائبا منها، وعليه فإن الحاجة صارت أكثر إلحاحا لمعالجة مدروسة تعيد للوطن وحدته دون تأخير، فالقراءة المتأنية لنتائج الانتخابات مشاركة ومقاطعة تعطي دلالات قد تكون في رأينا في غير مصلحة وحدة الوطن والتي هي غاية الدستور الذي كررها وكرسها في غير موضع وهو ما ينبغي أن يسعى اليه كل حريص على مصلحة الوطن العليا.

اللهم اني بلغت..

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك