الأزمة الاقتصادية تذهب بصحة اليونانيين النفسية والعقلية بقلم جوشوا تشافين
الاقتصاد الآنيناير 2, 2013, 10:55 ص 502 مشاهدات 0
من مكتب جيد التهوية في شارع جانبي هادئ، أطلت ليزا كالباري على آثار الأزمة الاقتصادية اليونانية بصورة مختلفة للغاية عما يحدث في وسط أثينا حيث الاضطرابات والغاز المسيل للدموع. الدكتورة كاليباري طبيبة نفسانية. وكل يوم تستضيف على أريكتها سلسلة من المرضى، واحدا تلو آخر، ممن يعانون القلق، واضطرابات النوم، والإحباط، وأمراضا أخرى. وهي تعتقد أن كثيرا منهم تفاقمت عللهم بسبب الأزمة التي دفعت معدل البطالة إلى ما يزيد على واحد من كل أربعة، وحرمت اليونانيين من أي يقين بشأن المستقبل. فهي تقول: ''لدينا الكثير من نوبات الهلع. بالنسبة للجيل الأكبر سنا، تبدو كشكل من أشكال اضطرابات ما بعد الصدمة. لقد مروا بتجارب الحرب والفقر. وبالنسبة لهم، الأمر يتعلق بالكرامة. إنهم لا يريدون أن يتم إذلالهم مرة أخرى بعد أن وصلوا إلى نقطة مرتفعة''. وتميل الخسائر التي تسببت فيها الأزمة فيما يتعلق بالصحة العقلية في اليونان، لأن تُحجب بمخاوف أخرى أكثر إلحاحا تتعلق بالجوع والفقر. ومع ذلك، يوجد دليل على الضغط النفسي الذي أصاب المجتمع اليوناني – بداية من المزيد من حالات تشخيص الاكتئاب وحتى الزيادة في حالات الانتحار – والحطام الإنساني الذي يمكن أن يخلفه وراءه بعد مدة طويلة من إصلاح الاقتصاد. ويقول أرجيرو فولجاري، أحد الأطباء النفسانيين في مركز هيلينك للصحة العقلية وأبحاثها: ''بدأت جميع أنواع الاضطرابات النفسية في الازدياد مثل: القلق، والإحباط، والانتهاكات، والاضطرابات الجسدية، والسلوك غير الاجتماعي''. وفي مكتب المركز في مدينة بيرايوس التي تضررت بشكل خاص بسبب الأزمة، ارتفع عدد المرضى من الأطفال والمراهقين الذين يعانون غالبا من التوتر النفسي الذي يصيب آباءهم، بنسبة 51 في المائة بين عامي 2006 و2011. والمركز الذي يتلقى تمويلا من الأموال العامة لم يجدول بعد أرقاما للبالغين، على الرغم من أن الدكتور فولجاري يعتقد أنها ستظهر نموا، خاصة بالنسبة للشباب من الرجال. ويقول: ''حتى الأشخاص الذين يملكون المال أصابهم الاكتئاب''. وقد يكون المقياس الأكثر ترويعا، ومحلا للنقاش، للتوتر النفسي هو معدل الانتحار. فقد ارتفع بنسبة 37 في المائة من عام 2009 إلى 2011، وفقا لوزارة النظام العام اليونانية. وتختلف أرقام أخرى – إلى حد أنها بالكاد متاحة. ويحذر خبراء الصحة العامة من أن الإبلاغ غالبا ما يكون غير دقيق في اليونان بسبب العار المرتبط بحوادث الانتحار. مثلا، عُرِف عن الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية حرمان المنتحرين من الطقوس الجنائزية. وبدأت الخدمة الصحية المتقلصة في كفاح لاستيعاب سيل من المرضى، فمن كانوا في وقت ما يدفعون مقابل الرعاية الصحية الخاصة يسعون الآن للحصول على علاج مجاني في المستشفيات العامة. وتمتد أوقات انتظار المواعيد الآن إلى شهرين أو أكثر، كما يقول الخبراء النفسانيون. ويقول أحد السياسيين السابقين، يعتبر عائلته ''واحدة من المحظوظين القلائل الذين استفادوا'' من العلاج ''إذا كنت في حاجة لطبيب نفساني، فحظا سعيدا''. وبفعل الأزمة بات الشعور بالعار من العلاج العقلي في مجتمع أرثوذكسي محافظ يتلاشى سريعا. ويقول السياسي: ''الشيء الذي حدث في الولايات المتحدة منذ 20 عاما يصل الآن إلى اليونان''. وتتصارع اليونان مع تقشف صارم، فيما يستمر زعماء منطقة اليورو في الجدال بشأن كيفية مساعدة البلاد للتكيف مع جبل ديونها. ومن منظور نفسي، تعتبر مدة الأزمة واحدة من المشكلات الأكثر تسببا في المشاعر السيئة. فقد نتج عنها حتى الآن خمسة أعوام من الركود دون أن تلوح لها نهاية متوقعة. والشك، كما يقول الأطباء، عذاب نفسي. ويقول جورج كريستودولو، أستاذ الطب النفسي في جامعة أثينا والرئيس الفخري للجمعية الهيلينية للطب النفسي: ''إنها (الأزمة) لا تنتهي. فهي دائما موجودة. وهذا يمثل توترا مزمنا والتوتر المزمن أسوأ من التوتر الحاد''. ويفرق الدكتور كريستودولو بين الاكتئاب، وهو تشخيص طبي، والحزن والغضب الأكثر انتشارا، اللذين يسودان المجتمع اليوناني. ومثلما يحدث مع أية خسارة، يقدم حججا تثبت حتمية توقع الأخير وأنه في نهاية المطاف قد يكون مفيدا. ويقول: ''عندما تتحدث مع الناس بالتفصيل، تجد عنصرا من عناصر انتقاد الذات الذي ينشأ تدريجيا، وهذا أمر مشجع''. ويبدو أن اليونانيين استفادوا من الروابط الوثيقة على نحو غير معتاد داخل العائلة، والتي تخلق على الأرجح شبكة دعم غير رسمية خاصة بهم. لكن هناك جوانب أخرى في الثقافة اليونانية تطرح مشاكلها الخاصة. ويعتقد أندريو أرماتاس، وهو خبير نفساني في أثينا، أن الأزمة لعبت على اضطراب عصبي يوناني نمطي: خوف موجود دائما – نُقِل من خلال الكبار المتحكمين الذين عانوا الاحتلال النازي، والحرب الأهلية، والمجاعة – من أن الكارثة ليست ببعيدة. ويقول، ملاحظا مشاعر الذنب والعار التي يبديها كثير من مرضاه: ''هذا هو الشيء الصادم: نحن كنا دائما نسمع آباءنا يخبروننا عما مروا به (من مصاعب)''. وينصح الدكتور أرماتاس الآباء الذين يشعرون بالحزن على الأبناء الذين انتقلوا للخارج لإيجاد عمل، إلى جانب المسؤولين التنفيذيين الذين فقدوا وظائفهم، أو يكافحون للاحتفاظ بها. ويقول: ''بإمكانك مساعدة أشخاص فيما يتعلق بمشاعرهم، لكن عمليا أنت تعرف أنهم سيكونون بلا عمل لفترة طويلة جدا''.
ظاهرة الانتحار
يقول ديفيد ستكلر، وهو عالم اجتماع في جامعة كامبريدج متخصص في هذا الموضوع: ''بعد عقد من (الأرقام) المنخفضة، ترتفع حالات الانتحار الآن في كل أنحاء أوروبا، ويبدو الارتفاع متركزا في الأماكن التي تشتد فيها الأزمة بأقصى درجة''. واكتشفت دراسة بقيادة الدكتور ستكلر أنه مقابل كل انخفاض بنسبة 1 في المائة في التوظيف يميل عدد حالات الانتحار للزيادة بنسبة 0.8 في المائة بين أولئك الذين تكون أعمارهم أقل من 65 عاما. والأكثر عرضة للخطر هم أولئك الذين فقدوا وظائفهم من الرجال أو النساء خلال الأشهر الستة الماضية، أو الذين يعتقدون أنهم عرضة لخطر فقدانها. واكتشف فريق ستكلر استثناء واحد من هذه القاعدة هي السويد في أوائل التسعينيات، عندما أصابتها أزمة مصرفية في ذلك الحين. فمع أن معدلات البطالة لامست 10 في المائة، استمرت حالات الانتحار في البلاد في تراجع. ويعتقد أن الحل ليس نفقات رعاية صحية، أو رعاية اجتماعية، ولكن برنامجا في سوق العمل يساعد العاملين على الاحتفاظ بمهاراتهم وكرامتهم حتى عندما يكونون بلا وظيفة رسمية. ويقول ستكلر: ''لقد عرفنا بشأن هذا (الرابط) منذ القرن التاسع عشر. والجديد هو أن بياناتنا تُظهر وجود سياسات بإمكانها التعامل معه''.
تعليقات