سيطرة الإخوان على الأزهر ستؤدى إلى موت الاسلام المعتدل.. بنظر خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يناير 2, 2013, 12:31 ص 939 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / دستور جديد.. لمصر
خليل علي حيدر
تبدي دول الخليج العربية مخاوف من تسييس الأزهر الشريف في دولة سنية رئيسية
الحريات الدينية والفكرية التي يتمتع بها المسلمون في أوروبا وأمريكا أكبر بكثير من المتاحة في إيران أو التي يحميها دستور مصر
سيتجادل قادة الفكر فيما اذا كان الاقتصاد وليد السياسة أم ان السياسة بنت الاقتصاد وعلى الرغم من ان النزاع السياسي والصراع الدستوري افرز ما افرز من اجواء الشك والتشاؤم حول مصير الاقتصاد المصري بعد ثورة يناير 2012، إلا ان الاخوان المسلمين مطمئنون، حيث اكدوا ان اقتصاد مصر قوي، وما يثار ضده مجرد حرب ضد «مصر الجديدة». وقال القيادي في جماعة الاخوان عصام العريان، «الكارهون لمصر الحديثة الديموقراطية الدستورية بدؤوا معركة الاقتصاد فور اقرار الدستور، وقبل اعلان النتيجة». (القبس، 2012/12/26).
وعلى صعيد آخر، شهد مطار القاهرة الدولي قبل ايام، كما جاء في نفس الصحيفة، وصول 50 مليون دولار قادمة من سويسرا لمصلحة احد البنوك الوطنية، كما وصلت 30 مليون دولار لمصلحة بنك القاهرة، وذلك على متن طائرة الخطوط الاماراتية، بينما استقبل في اليوم نفسه 45 مليون دولار لبنوك أخرى.. فلعل الهدوء والاستقرار عادا الى مصر بعد عملية التصويت على الدستور واقراره.
غير ان مصر حظرت على المسافرين من والى البلاد حمل مبلغ يزيد على عشرة آلاف دولار، اذ يخشى المسؤولون «من تزايد الضغوط على العملة المحلية واقبال المصريين على سحب مدخراتهم من البنوك»، واذا انتشرت المضاربات بين الدولار والجنيه المصري، فقد يحدث ذعر في السوق، مما ينبئ بمؤشرات خطيرة، حيث يقال ان ثمة عجزاً في السيولة الدولارية، والاحتياطي لن يغطي سوى ثلاثة اشهر من الواردات السلعية.
وطالب المسؤولون الجميع بالعودة الى العمل والانتاج، وبخاصة بعد ان اعلن البنك المركزي بأنه لم يعد قادراً على التدخل في سوق الصرف بوقف هبوط الجنيه أمام الدولار. وبينما اشار بعض الخبراء الى عجز الموازنة العامة، اكد البعض الآخر ان لدى مصر ايرادات ثابتة من رسوم عبور قناة السويس وايرادات البترول والسياحة، كما انها تملك في الاحتياطي النقدي مبلغ 15 مليار دولار مقابل ديون خارجية تقدر بنحو 3.3 مليارات دولار.
على الصعيد السياسي حسمت معركة الدستور، حيث تبين موافقة نحو %64 من المشاركين في التصويت، مقابل رفض %36، في حين أكدت «جبهة الانقاذ الوطني»، المعارضة للرئيس محمد مرسي أنها «ستواصل النضال السلمي لاسقاط الدستور»، من خلال الاستحقاقات السياسية القادمة.
ويستمر الجدل في طبيعة الدستور بين الاخوان ومعارضيهم .د جابر نصار، احد اعضاء الجمعية التأسيسية المنسحبين، وهو فقيه دستوري، يقول عنه مهاجماً، بأنه «مشوه.. تم سلقه لصالح جماعة الاخوان المسلمين، بما يخالف كل الثوابت والاعراف الدستورية في مصر والعالم المتحضر»، بينما يقول المستشار «حسام الغرياني»، رئيس الجمعية نفسها، ان الدستور نال ما يستحق من تفكير واهتمام، وان «كل مادة منه استغرقت ثلاثمائة ساعة في مناقشتها». لكن حسبة طريفة، يقول محمد عبده حسنين في الشرق الأوسط، 2012/12/14، قام بها المعارضون، «اثبتت عدم منطقية هذه المدة». فعدد مواد الدستور 236 مادة، مضروبة في 300 ساعة للمادة الواحدة ستكون النتيجة أكثر من سبعين ألف ساعة، واذا قسمناها على 12 ساعة، متوسط العمل في اليوم، ستكون النتيجة 5900 يوم، اي 197 شهراً، اي 16 عاماً، «بما يعني أن اعضاء جمعية تأسيسية الدستور استغرقوا 16 عاماً في صياغته وبشكل متواصل بدون راحة».
وعلى الرغم من ان الجدل لايزال مستمراً حول قضايا الحريات والمادة الثانية والمادة 219 في الدستور الجديد، فان بعض الكتاب مثل الصحافي الايراني المعروف امير طاهري يقول ان من غير المنصف رفض هذا الدستور لمجرد الخوف من كونه «وسيلة لبناء دولة دينية على غرار نظام الخميني في ايران وطالبان في افغانستان». ويقول طاهري ان الاعلام الرسمي في طهران يبدي نفوراً من هذا الدستور، الا ان الرئيس الايراني هنأ نظيره المصري بـ «نجاح» الاستفتاء في اتصال هاتفي، وقد قال الرئيس مرسي للرئيس الايراني احمدي نجاد ان ايران ومصر «بامكانها تحقيق التقدم بالتعاون وتضافر الجهود معاً»، كما اعتبرت الخارجية الايرانية الموافقة على مسودة الدستور «خطوة حاسمة صوب الديموقراطية»، واذا استمر تطور العلاقات المصرية - الايرانية في ظل النظامين الدينيين، فقد تنافس في هذه العلاقات او تتجاوز تلك التي بناها الرئيس المصري الاسبق محمد أنور السادات مع الشاه.
وقد بقيت في هذا الدستور المادة الثانية من الدستور السابق التي تنص على ان «مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع»، وأعطى الدستور دوراً للأزهر الشريف «في الشؤون المتعلقة بالشريعة الاسلامية». وقد اشار الدستور الى ان مبادئ الشريعة «تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الاصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب اهل السنة والجماعة». وهكذا تضمن الدستور المصري الجديد اشارة صريحة الى مذاهب اهل السنة، اسوة بدستور جمهورية ايران الاسلامية الذي ينص في المادة 12، بأن «الدين الرسمي لايران هو الاسلام والمذهب هو المذهب الجعفري الاثني عشري». وبينما لم يشر الدستور المصري الجديد الى اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى، نصت المادة نفسها في الدستور الايراني بأن «المذاهب الاسلامية الأخرى والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي تتمتع باحترام كامل، واتباع هذه المذاهب احرار في اداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم». (حول الدستور الاسلامي الايراني، الشيخ محمد التسخيري، طهران 2005، ص 308).
والمتوقع في اعتقادي ان الحريات الدينية والفكرية التي يتمتع بها المسلمون في أوروبا وأمريكا، من سنة وشيعة، أكبر بكثير وأوسع من تلك المتاحة في جمهورية ايران الاسلامية او التي يحميها دستور «جمهورية مصر الاسلامية»!.
فكوريا الشمالية تسمي نفسها اليوم بالجمهورية الديموقراطية الشعبية، وهكذا كانت ألمانيا الشرقية، بل كان الاتحاد السوفييتي، كما يقول «طاهري»، «يملك واحداً من أكثر الدساتير ليبرالية في التاريخ»! النصوص وحدها لا تحمي الحريات بل التطبيق. ويرى الفقيه الدستوري طارق البشري في انتقاداته وملاحظاته على الدستور المصري الجديد، ان نصوصه الدينية تغير من طبيعة النظام القانوني المصري، من نظام تكون الشريعة الاسلامية فيه مصدراً رئيسياً للتشريع، فيحتكم لمبادئها عند وضع القوانين الصادرة من البرلمان، الى نـظام غير واضح المعالم من ناحية المرجعية الأخيرة في التشريع والتفسير: البرلمان المنتخب ام هيئة كبار العلماء؟ ام المحاكم والسلطة القضائية؟ واضاف ان معالجة المواد الدستورية لحقوق الشعب المصري الاقتصادية والاجتماعية هيمنت عليها «الجمل الانشائية المعتادة دون ان تلزم الدولة بمعايير او مستهدفات محددة، وبالتالي لا يقدم - الدستور - جديداً، ولا يحمي المساواة بين المواطنين ولا يمنع التمييز بينهم». واستغرب المستشار البشري من ان الدستور ابقى على «مجلس الشورى» على الرغم من انه لم يعد له داع، خاصة انه سيتم انتخابه وفقاً لذات النظام الانتخابي لمجلس النواب، «وبالتالي يصبح لدينا مجلسان منتخبان بنفس الطريقة ولهما تقريباً ذات الصلاحيات».
ويقول وزير الثقافة الايراني الاسبق د. عطاء الله مهاجراني، «ان تفسير القانون الدستوري أهم من نص الدستور».
فالقانون العراقي الدستوري مثلاً يفسر مادة «الاسلام دين الدولة» بكلمات واضحة.
«أولا: الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر اساس التشريع:
أ – لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
ب- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديموقراطية.
ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
ثانيا: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين والإيزديين والصابئة المندائيين» [الشرق الأوسط، 2012/12/17].
وقد أبدى الشيخ السلفي «ياسر برهامي» سروره البالغ وهو يتحدث عما جرى خلف الكواليس لتمرير الدستور وبعض مواده مثل المادة 219، وكشف في شريط فيديو على الانترنت مخططات أسلمة الدستور المصري حيث «لا العلمانيين ولا النصارى فاهمين المسألة.. والله هي مرت عليهم لأنهم لا يفهموها». وأكد «برهامي»، القيادي في الدعوة السلفية وذراعها السياسي «حزب النور» في الفيديو، أن «هذا الدستور فيه قيود كاملة لم توجد قبل ذلك في أي دستور مصري». وأضاف: أن الحقوق والحريات مقيدة بموجب المادة 81 من الدستور بعدم تعارضها مع المقومات الواردة في باب الدولة والمجتمع من الدستور، مشيرا إلى أن «هذه المادة مرت بفضل الله على الرغم من اعتراض النصارى» [الوطن الكويتية، 2012/12/26].
هل ينبغي أن يكون الليبراليون وقادة النصارى والمدافعات عن حقوق المرأة على دراية جيدة بالدين والشريعة وفكر الجماعات الإسلامية قبل التفاوض مع ممثليهم؟ هذا ما ينصح به د.شاكر النابلسي الليبراليين ودعاة الفكر الغربي والاشتراكي معا. «فالليبراليون – للأسف الشديد- لا يفقهون الإسلام جيدا، ومنهم من لا يحفظ آية قرآنية كريمة واحدة، وهم يجادلون الأصوليين من خارج الإسلام، ومن داخل الفكر الاشتراكي الألماني والغربي، وليس من داخل الإسلام، وهذا مكمن خطئهم الكبير والعظيم، وحفرة وقوعهم العميقة» [الجريدة، 2012/12/26].
ويرى د.النابلسي أن الجهود لابد أن تنصب على «تعديل وتدوير» النصوص الشرعية في كل الأديان بحيث تصبح صالحة للتطبيق الان دون أن تخالف روح العصر، فنحن في بيئة مختلفة عن تلك التي ظهرت فيها هذه الأديان وفي ظروف وتحديات لم تتعامل معها تلك النصوص.
ورغم هذا كله، يذهب د.النابلسي إلى أن «الخلاف حول الدستور بين الليبراليين والأصوليين المصريين يظل مظهرا مفيدا، وحافزا لبقية الشعب العربي خارج مصر، لكي ينحو نحو المصريين في دستورهم الجديد».
وينصح السعودي «طارق الحميد» رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السابق، المعارضين بتوسيع الصدور وإطالة النفس. فـ«معركة المعارضة المصرية مع محاولة «الاخوان المسلمين» اختطاف مصر ككل لن تكون معركة واحدة، بل هي جولات، من الدستور إلى الاعلام، وحتى الاقتصاد، والتعليم، وبالطبع النظام السياسي ككل. والمقاطعة بحد ذاتها تعني انكفاء، وترك المجال لـ«الاخوان المسلمين»، للاستيلاء على الدولة ككل، خصوصا أن «الاخوان» قد نجحوا في تضليل الرأي العام المصري، في لحظات حرجة، كما نجحوا في خداع الغرب، وكثيرين في المنطقة، حول نواياهم الديموقراطية. وعليه، فالآن بدأ العمل الجاد لتقول مصر، او ثلث ناخبيها «لا» لدستور «منتصف الليل». (الشرق الاوسط،. 2012/12/13).
الدستور الاخواني، او «دستور منتصف الليل» كما وصفته الصحف المصرية يثير مخاوف الازهر الشريف كذلك في ظل المزايدة الحزبية والدينية بين الاخوان والسلف، وقد باتت المؤسسة معرضة، في ظل تحركات ما خلف الكواليس، للهيمنة والسيطرة. وتقول قيادات الازهر ان المؤسسة الدينية العريقة تتعرض لضغوط من قبل اتباع المذهب السلفي الذي تنامى نفوذه في عهد الديموقراطية الجديدة الذي تعيشه مصر. احد مستشاري شيخ الازهر، عبدالدايم نصير، عضو الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور الجديد يقول: «ان السلفيين يريدون ان يجعلوا الازهر جزءا من النظام السياسي، وهو ما نقف ضده. نحن لا نريد ان نضع القانون في اطار عقيدة دينية تقول «هذا صواب» و«هذا خطأ». ويضيف الشيخ نصير ان السلفيين يصرون على هذا البند، اي منح الازهر سلطات مرجعية في الحكم على مدى صلاحية قوانين البلاد من منظور الدين، لانهم، كما يقول الشيخ، «يظنون انهم سيسيطرون على الازهر» (الشرق الاوسط 2012/12/23).
وتبدي دول الخليج العربية مخاوف من تسييس الازهر في دولة سنية رئيسية «ان جماعة الاخوان المسلمين ترغب منذ سنوات في السيطرة عليه، وبمجرد ان تفعل ذلك فإن الاسلام المعتدل سيموت. وهذا يمثل تحديا كبيرا امام المنطقة». ربما المملكة العربية السعودية؟
مسؤول حكومي شرق اوسطي اخر، يشير مقال «جيف ويتي» في الشرق الاوسط، «يخشى من ان تستحوذ اراء القرضاوي والمؤمنين بايديولوجيته على الازهر في النهاية، ايا كان من يتولى منصب الامام الاكبر». واضاف هذا المسؤول: «ان السنة سوف يتأثرون بهذه الاصوات، ليس في الشرق الاوسط فحسب، بل داخل الجاليات المسلمة في اوروبا وحول العالم ايضا».
من جانب آخر، اعلن المجلس القومي للمرأة رفضه واعتراضه على وضعية المرأة المصرية والطفل في الدستور الجديد. وانتقد المجلس على وجه الخصوص المادة 68 من الدستور، الذي سيفتح الباب امام آراء الفقهاء والمذاهب المختلفة، مما قد يبيح زواج الطفلة في سن 12 عاما او اقل او اكثر، وختان البنات. وقال المجلس انه كان يجب الاشارة الى تجريم حرمان المرأة من الميراث كما يحدث في الصعيد مثلا. وانتقد كذلك عدم وضع اجراءات ملزمة لتمثيل المرأة في الحياة السياسية، وعدم الزام الاحزاب بنسب معينة للمرأة في القوائم الحزبية، كما لم يرد ذكر للمرأة المصرية كمواطنة وشريكة في صناعة القرار في اي مادة من مواد الدستور.
ماذا عن مخاوف المثقفين والفنانين، وماذا عن مستقبل السياحة والحريات الاجتماعية وعن الاستقرار الاقتصادي؟ سنضع ايدينا على قلوبنا.. وننتظر!
تعليقات