المقاطع يكتب: لا ديموقراطية بلا حرية!!

زاوية الكتاب

كتب 786 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  لا ديموقراطية بلا حرية

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

ليس سهلاً أن يستوي عود دولة القانون وتستقيم مبادئ المشروعية فيها دون أن تحافظ على أضلاع مثلث الديموقراطية الحقة، وهي: المرجعية الدستورية، والمشاركة الشعبية التمثيلية، والحرية.

ولو حاولنا أن ندقق في كل ضلع من أضلاع المثلث، فإننا سنخلص حتماً إلى ما يلي:

إن المرجعية الدستورية هي مظلة دولة القانون الحقة، فلا مشروعية لتصرف أي سلطة من السلطات إلا بتوافقها مع أحكام الدستور، ولا يوجد من هو فوقه أو لا يخضع لحكمه، حاكماً أو محكوماً، سواء كان سلطة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، مع التسليم برقابة السلطات بعضها على بعض، ورقابة المحكمة الدستورية، وأيضاً الرقابة الشعبية عليها جميعاً، كل ذلك في إطار الاحتكام إلى الدستور لا القفز عليه كما يعتقد البعض أو يحرض عليه البعض الآخر.

وأما المشاركة الشعبية، فمحورها التوافق والرضائية، حيث يجسدها اشتراك الشعب باقتسام السلطة وبإدارة الدولة بواسطة انتخابات تعبِّر عن إرادة عامة كاملة، وممارسة شعبية من خلال المؤسسات المنتخبة، فالتمثيل المنتقص بإرادة غير مكتملة قد يصلح مؤقتاً لتجاوز مرحلة الاختلاف والخلاف، ولكنه لا يمنح أساساً لإحداث تغييرات على ثوابت النظام الدستوري أو ركائز المشروعية الشعبية في الدولة، وهو قد يصلح سبباً لإعادة الثقة للسلطة التنفيذية وبناء مؤسستها وإبراز قدرتها على الإصلاح، ولكنه لا يصلح لتهميش الآخر والتحول إلى دولة بوليسية بأساليب قمعية، فهناك خط رفيع فاصل بين الاثنين. ولذا، فإنها لا تعدو أن تكون مرحلة لإعادة التوازن لمكونات وحدة الوطن واستقراره بإدراك أن الحوار هو سبيل ذلك، فقد خرج من البرلمان من اعتاد النجاح بعضويته حتى ظن أن غيابه عنه يجب أن يقود إلى الفوضى وتخوين الآخرين، وحظي بعضويته من لا يمكنه بلوغه في الظروف العادية، ولا يمكن التنبؤ بانعكاسات ذلك عليه.

أما الحرية، فهي فحوى الدستور وجوهر الديموقراطية وسبب قيام الناس بالتضحيات من أجلها تعزيزاً لمكانتها، وبغير هذه الحريات تنطوي النفوس على تذمر لا وسيلة دستورية لمعالجته، وتكتم الصدور آلاماً لا متنفس لها بالطرق السلمية، اما ان رفرفت راية الحرية وكرست ضماناتها استقرت الدولة، ولذا فقد أولاها الدستور عناية فائقة، فاستهلت بها ديباجته، وتزيّنت بها نصوصه، وحظرت المادة 176 الانتقاص منها، فإن قمعت الحريات وتوالت مصادرتها بالخيار الأمني الذي هو سمة الدولة البوليسية، وتزايدت مظاهر منع التعبير المشروع عن الرأي والتضييق على التجمعات والمسيرات السلمية، وتوالت الإيقافات وتلاحقت الاتهامات بلا ضمانات للمتهم وأبسط حقوقه، فنكون قد فقدنا ما كنا نفخر به بأنه ليس لدينا معتقل سياسي أو سجين رأي، بل وزدنا من شرخ الوطن وفرضنا حكماً عرفياً واقعياً أهدر مرجعية الدستور ومحا مظاهر الحكم الشعبي وتلاشت معه الحريات، فتنهار دولة القانون، ونصل إلى طريق مسدود لن يكون فيه خير للوطن. فلا ديموقراطية من دون حرية، ولا حرية بلا ديموقراطية حقة.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك