استمرار انخفاض أسعار الطاقة الشمسية بقلم عثمان الخويطر

الاقتصاد الآن

937 مشاهدات 0


أليس من غرائب الأمور أن نسمع عن إفلاس الشركات التي تُصنِّع وتتعامل مع مواد صناعة الطاقة الشمسية، وفي هذا الوقت بالذات؟ نكاد لا نصدق ذلك! فهذا هو الوقت الذي من المفترض أن تزدهر فيه صناعة توليد الطاقة الشمسية، على الرغم من التوجه السريع نحو انخفاض أسعارها، وهو أمر إيجابي. ومن البديهي الاستنتاج بأن سبب إعلان بعض الشركات إفلاسها كان ناتجا عن تدني أسعار منتجاتها كنتيجة طبيعية لشراسة المنافسة بين الشركات المتخصصة في هذه الصناعة، وعلى وجه الخصوص من الشركات الصينية. كما أن للتقدم التكنولوجي الكبير دورا فعالا في خفض التكلفة. ولكنها، في الوقت نفسه، كانت فرصة ذهبية لبناء المزيد من مرافق توليد الطاقة الشمسية التي قد حان وقت إنشائها والاستفادة منها. فصناعة مواد توليد الطاقة الشمسية على نطاق واسع حديثة المولد. وكان منطقيا أن تندفع الشركات الصينية نحو مزيد من الاستثمار في هذه الصناعة حتى يكون لها في السوق موضع قدم، إضافة إلى المرافق الصناعية الأخرى المنتشرة في أكثر من دولة صناعية. وكان من المتوقّع ارتفاع كميات الطلب على الطاقة الشمسية كرافد لمشتقات النفط التقليدي الذي يقترب الآن من مستوى الذروة. وماذا ينتظر العالم حتى يتقاعس عن الولوج وبقوة إلى هذا الميدان الفسيح، قبل أن نجد أنفسنا ضحية لنقص مخيف في مصادر توليد الطاقة. ونحن نتفهم الأسباب التي أثرت سلبا، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في هذه الصناعة الحديثة نسبيا. فمنها، الأزمات المالية الخانقة التي تمر بها أكثر دول العالم، وأسهمت إلى حد كبير في تقليص المعونات التي كانت تمنح لمنشآت صناعة الطاقة المتجددة التي لا تزال في مهدها وبحاجة إلى نوع من الرعاية، ما قلص من السيولة النقدية التي يحتاجها رُوَّاد هذه الصناعة. وعامل آخر مهم كان له دور غير مباشر، ولكن تأثيره كبير على الحد من نمو صناعة الطاقة المتجددة. هذا العامل يتمثل في الدعاية غير الحكيمة ولا الدقيقة التي تقول: إن الإمدادات النفطية لا نهاية لها ولا هناك ضرورة للاستثمار في مصادر جديدة خلال الزمن المنظور. وهذه نكبة على مستقبل البشرية، وفيها من قصر النظر الشيء الكثير. فمعظم التكهنات والتنبؤات بمستقبل مصادر الطاقة ودوام عصر المشتقات النفطية، مبنية على تفاؤل في غير محله وعواقبه وخيمة. هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الدراسات التي تُعنى بمستقبل الإنتاج النفطي تعتمد في استنتاجاتها على أساسيات تدور حولها شبهات المبالغة الشديدة، مما يقلل من قيمتها وعدم صلاحيتها كدراسة استراتيجية، ونقصد بها الأرقام المعلنة للاحتياطي العالمي من النفط التقليدي الرخيص. وإذا لم يفِق المسؤولون في البلدان الصناعية من غفوتهم ويبادروا إلى تنشيط الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة، فسوف يواجهون لا محالة عما قريب صعوبة كبيرة في الحصول على ما يحتاج إليه العالم من الطاقة مهما تفاءل المتفائلون، فهذه سنة الله في خلقه. فأي مادة قابلة للنضوب سوف تنضب.

ولم يبق هناك شك في أن الطاقة الشمسية هي الأوفر حظا بين المصادر المتجددة الأخرى في أن تكون المنقذ الأكبر للبشرية مع بدء انحسار دور النفط كمصدر للطاقة. وليس من الحكمة الانتظار حتى يصبح النقص في إمدادات الطاقة واقعا ملموسا، وذلك لسبب بسيط، وهو أن مشاريع الطاقة الجديدة سوف تستغرق سنوات طويلة حتى تأخذ مكانها وتُستكمَل بنيتها التحتية المطلوبة. ولم يعد خافيا لدى الكثيرين من أصحاب الاختصاص أن أسعار توليد الطاقة الشمسية أصبحت تنافس معظم مصادر الطاقة الأخرى. ومن المتوَقع أن يستمر انخفاض أسعار تكلفتها إلى مستويات جذابة مع مرور الوقت، واكتساب المزيد من الخبرة. وقد انخفضت أسعار الطاقة الشمسية خلال العشر سنوات الماضية بنسبة كبيرة، بعدما كانت أكثر من خمسة أضعاف السعر الحالي. وهذا الاتجاه في نزول الأسعار يقابله ارتفاع مؤكد لجميع مصادر الطاقة الأخرى، وهذا يُحسب لصالح الطاقة الشمسية التي لا تنضب. صحيح أن أسعار الوقود النفطي لم تصل حتى الآن إلى المستوى الذي يرهب المستهلكين ويؤثر في النمو الاقتصادي، ولكن نظرة إلى المستقبل القريب تُنبئك بأن الحال سوف تتغير مع بدء انخفاض الإنتاج العالمي وارتفاع مستوى الطلب على مصادر الطاقة. وهو ما يعني بالفصيح ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية. وهنا تبرز الحاجة إلى مصادر الطاقة المتجددة، ولكن في وقت تكون الأزمات المالية قد أخذت منا كل مأخذ وتصبح صعوبة التمويل للمشاريع الجديدة عقبة كأداء أمام الحاجة الملِحَّة لوجودها. فهل هذا ما نتمنى حدوثه؟ وماذا علينا لو أننا والدول المستهلكة بدأنا من الآن نستثمر في الطاقة المتجددة ما دام أن الوضع المالي العالمي، على صعوبته، أفضل حالا من المستقبل؟ وهل خلت الأرض من أصحاب بُعْد النظر والرؤية الاستراتيجية؟

وسوف نلقي نظرة سريعة على آخر مستجدات أسعار توليد الطاقة الشمسية في منطقة الخليج العربي ومقارنتها بمصادر الطاقة الأخرى. فمعلوم أن كمية الطاقة الشمسية في هذه الصحراء تفوق بنسبة كبيرة الأماكن التي تكون سماؤها ملبدة بالغيوم أغلب أيام السنة. ولكن، بالمقابل، صفاء الجو في البلدان التي تكثر فيها الأمطار يعطيها ميزة زيادة الكفاءة على جو الصحراء الذي لا يخلو معظم أيام السنة من الغبار والعوالق الرملية. ونحن نقول: لكل معضلة حل مناسب. وتدل أحدَث العطاءات المقَدمة لنا في المملكة على أن سعر تكلفة وحدة الكيلوات ساعة قد هبطت إلى أدنى مستوى لها، وهو عشرة سنتات. وهذا سعر في الوقت الحاضر مناسب ومغر جدا ومنافس للمشتقات النفطية بسعرها العالمي، وليست الأسعار المخفضة محليا من أجل رفاهية المواطن. واليوم الذي نرى فيه تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية خير من تأجيله إلى الغد، من حيث توفر المال والحاجة الماسة إلى مصادر متجددة للطاقة وإيجاد وظائف محترمة للشباب الجاد الباحث عن العمل الشريف.

الآن: الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك