'أمر غير دستوري'.. عادل الصرعاوي واصفاً سرية 'الاتفاقية الأمنية'

زاوية الكتاب

كتب 770 مشاهدات 0


القبس

الاتفاقية الأمنية الخليجية.. دراسة نقدية  (1)

عادل عبد العزيز الصرعاوي

 

في الوقت الذي نؤكد التعاون والتنسيق الخليجي من خلال الاتفاقيات الثنائية على كل الاصعدة ومنها الامنية، فإننا في الوقت والقدر نفسيهما نؤكد ضرورة الا تكون هذه الاتفاقيات على حساب الدستور والمكتسبات الدستورية ومبادئه الراسخة لدى الشعب الكويتي.

بكل تأكيد لا يمكن الحكم على الاتفاقية الامنية الجديدة الا بعد الاطلاع عليها، ولكن ما يعكسه الرأي العام من تخوف بشأنها هو تخوف مشروع له ما يبرره في ظل غموض يكتنف هذه الاتفاقية من واقع عدم نشرها إضافة الى المخالفات الدستورية على الاتفاقية الامنية السابقة واتفاقية مكافحة الارهاب الخليجية.

 وهنا نورد التسلسل التاريخي للاتفاقيات الامنية لمجلس التعاون الخليجي:

• بتاريخ 1994/11/28 بالرياض وقعت الاتفاقية الامنية الاولى، التي صادقت عليها كل الدول الاعضاء باستثناء دولة الكويت لتعارضها مع بعض مواد الدستور وما صاحبها من اعتراض وتخوف شعبي.

• بتاريخ 2004/5/4 وقعت في الكويت اتفاقية مكافحة الارهاب (الامنية الثانية) والتي صادقت عليها الدول الاعضاء باستثناء الكويت، حيث عرضت الاتفاقية على مجلس الامة، وقد اعدت لجنة الشؤون التشريعية 2008/1/15 ولجنة الشؤون الخارجية 2009/2/10 تقارير بشأنها اعترضت عليها لتعارضها مع بعض مواد الدستور، ولم توافق عليها وتم عرضها على المجلس في جلسته بتاريخ 2009/11/3 وتمت مناقشتها، وأبدى الاعضاء الكثير من الملاحظات والاعتراضات عليها، وقرر المجلس حينها إعادتها الى لجنة الشؤون الخارجية.

• بتاريخ 2012/11/13 في الرياض تم التوقيع على الاتفاقية الامنية الثالثة من قبل وزراء الداخلية في ظروف تختلف كليا عن الظروف التي صاحبت الاتفاقيات السابقة، كما انها لم تنشر بحجة السرية، وبانها ستعرض لاحقا على مجلس الامة.

 

الاتفاقيات والبُعد الدستوري

أما البعد الدستوري للاتفاقيات والمعاهدات فهو:

● نظم الدستور الآليات الخاصة لعقد وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات بكل انواعها، حيث تؤكد مادة 70، على ان يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويتم ابلاغ مجلس الأمة فورا بها مشفوعة بما يناسب من البيان.

● وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.

● على أن معاهدات الصلح والتحالف والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثروتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة والخاصة ومعاهدات التجارة والملاحة والإقامة والمعاهدات التي تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديلا لقوانين الكويت، يجب ان تعرض على مجلس الامة للمصادقة عليها وتصدر بقانون.

● ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية.

● وهذه الاتفاقيات لا تعتبر نافذة الا بعد مصادقة مجلس الامة عليها من دون اي اشتراطات او قيود زمنية للمصادقة عليها، ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية.

● اكدت المذكرة التفسيرية للدستور ان المادة 70 من الدستور تضمنت فقرة أخيرة لا يجوز بمقتضاها في أي حال أن تتضمن المعاهدة شروطا سرية تناقض شروطها العلنية، وذلك درءا لمخاطر السرية التي تبلغ حد التناقض بين ما خفي منها وما أعلن وهو تناقض يتنافى مع الرقابة البرلمانية التي نصت عليها المادة المذكورة، كما أن سرية المعاهدات والاتفاقيات يخالف الاتجاه الدولي في شأن تسجيل المعاهدات لدى منظمة الأمم المتحدة ليحتج بها في أعمال تلك المنظمة.

● أما السرية التي لا تتناقض مع شروط المعاهدة المعلنة إنما تكملها وتعمل على تنفيذها فلا يشملها الحظر في هذه المادة، بل لعل الضرورات والمصلحة العامة تقتضيها في بعض الأحيان.

● (وفق المعلومات المتاحة فإن الاتفاقية الامنية الاولى لم تعرض على مجلس الامة انما تم تداولها بالاعلام وبالمنتديات العامة واقيمت ونظمت حولها الكثير من الندوات واللقاءات العامة، كما عبر الكثير من اعضاء مجلس الامة عن اعتراضهم عليها وامتعاضهم منها لمخالفتها الصريحة لبعض مواد الدستور، الامر الذي خلق جوا معارضا مما حد بالحكومة عدم توقيعها، وبالتالي لم تقدم للمجلس).

● اكدت الحكومة على لسان النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ان في الاتفاقية التي وقعت أخيرا تم تفادي المثالب والمخالفات الدستورية التي كانت على الاتفاقية الامنية الاولى، الامر الذي يؤكد انها امتداد لها.

● وكان حريا بالحكومة نشر الاتفاقية وشرحها بشيء من التفصيل، والتطرق بشكل ما للمخالفات الدستورية على الاتفاقية الاولى، وما هي اوجه تفاديها بالاتفاقية الامنية الجديدة، الامر الذي يلقي بشيء من الغموض، مما يزيد من التخوفات بشأنها، التي هي بكل تأكيد تخوفات مشروعة.

● ان التخوفات بشأن الاتفاقية الامنية لها ما يبررها، خصوصا مع هذه التجربة التاريخية للاتفاقيات الامنية الموقعة وما صاحبها من مخالفات دستورية اقرت بها الحكومة من خلال تصريحات النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية (2012/11/19) بأن الاتفاقية الامنية الجديدة تم فيها تفادي المخالفات الدستورية، علما أننا الى هذه اللحظة لم نطلع عليها وما هي اوجه تفاديها.

• ولا ادري ان كانت الاتفاقيات التي وقعتها الكويت مبدئيا كانت تعلم مخالفتها للدستور ام اكتشفت ذلك بعد ما اثير بشأنها من مخالفات دستورية سواء من قبل مجلس الامة او من قبل الرأي العام وفي كلتا الحالتين فإن الأمر مؤسف.

• ان الصيغة الموقعة لاتفاقية الارهاب الخليجية 2004 هى عبارة عن اعادة صياغة للاتفاقية الامنية الأولى 1994 وأتمنى ان لاتكون الاتفاقية الامنية الجديدة 2012 هي ايضا عبارة عن اعادة صياغة لاتفاقية مكافحة الارهاب والا نكون قد رجعنا الى المربع الاول.

• كل هذه التخوفات تعود بالدرجة الأولى إلى عدم وجود المعلومة الصحيحة بشأن بنود الإتفاقية، ومن واقع تجربة غير ناجحة مع الاتفاقيات الامنية ولعل مثل هذه التخوفات تزول بعد نشر الاتفاقية.

مشابهة لاتفاقية مكافحة الإرهاب

 • عند الحديث عن مخالفات دستورية لاي اتفاقية امنية يحتم علينا الرجوع الى تقرير لجنة الشؤون التشريعية بمجلس الامة بتاريخ 2008/1/15 الذي رأى ان هناك شبهة مخالفة دستورية لبعض نصوص اتفاقية مكافحة الارهاب الخليجية ( والتي هي متشابهة الى حد كبير للاتفاقية الامنية الأولى ) مع بعض نصوص الدستور وبالاخص المادة الثانية الفقرة 1 / 2 / 3 من اتفاقية مكافحة الارهاب الخليجية والمادة 30 من الاتفاقية الامنية الأولى بشأن لفظ التعدي، حيث يلاحظ ان نص المادة والمكرر بالاتفاقيتين استثني من الجرائم السياسية بعض الجرائم حتى لو ارتكبت بدافع سياسي كالتعدي على الرؤساء الدول المتعاقدة او.......الخ.

• كما انه يشمل كل صنوف التعدي بما فيها التعدي اللفظي او الرسم او الكاريكاتير ومن ثم يكون ابداء الرأي او النقد بالكتابة او القول او الرسم تجاه الاشخاص المحددين وفقا للاتفاقية لا يعد جريمة سياسية، الا انه يشكل جريمة عادية او ارهابية، وهو يمثل التفافا على حق اللجوء السياسي الذي تكفله المادة 46 من الدستور.

• كما ان غموض احكام بنود المادة 30 من الاتفاقية يؤدي الى تعارضها مع نصوص الدستور وابرزها المادتان «36 / 37» بشأن حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والطباعة والنشر والقوانين المنظمة لهما بالكويت، علما أن مثل هذه النص تكرر بالاتفاقية الامنية واتفاقية مكافحة الارهاب، فهل سيتكرر هذا النص بالاتفاقية الجديدة؟

• كما يحتم علينا عند الحديث عن الاتفاقيات الامنية الرجوع الى تقرير لجنة الشؤون الخارجيه بمجلس الامة بتاريخ 2009/11/13 التي رأت عدم الموافقة على اتفاقية مكافحة الارهاب الخليجية لمخالفاتها الدستورية، وذلك على ضوء ما انتهت اليه اللجنة التشريعية بالمجلس، الامر الذي حدا بالمجلس الى استرداد تقرير اللجنة وذلك بجلسته بتاريخ 2009/11/13.

• تشير المادة 19 من الاتفاقية الامنية الأولى (1994) إلى مايلي:

«تبذل كل من الدول الأعضاء المتجاورة قصارى جهدها في تعقب الأشخاص المطاردين من الدولة الأخرى في حالة اجتيازهم الحدود بين البلدين. ولا يجوز لدوريات المطاردة التابعة لأي دولة من الدول الأعضاء اجتياز حدود الدولة المجاورة إلا لمسافة نقطة تلاقي الدوريات برا أو بحرا والتي يتفق عليها بين الدولتين المتجاورتين، وتتولى دوريات الدولة التي دخل المطاردون إلى حدودها بعد ابلاغها بذلك مطاردتهم وإلقاء القبض عليهم وتسليمهم وجميع ما في حوزتهم ووسائط نقلهم إلى أقرب مركز تابع للدولة التي بدأت المطاردة في أراضيها».

- تشير المادة الى ان هناك نقاط تلاق يجوز اجتيازها من دوريات الدول المتجاورة ووفق ما يتم الاتفاق عليه بين الدولتين مما يتطلب الحذر من عمق ومسافة نقاط التلاقي وما هي الضمانات من عدم امكانية تجاوزها الى ما أبعد من نقاط التلاقي.

• من الواضح أن مجلس الوزراء ليس لديه علم بهذه الاتفاقية حتى تاريخ التوقيع عليها، ولم تعرض عليه قبل التوقيع عليها والا ما جدوى استعراضها في اجتماع مجلس الوزراء بعد التوقيع عليها والتأكيد بأن كل المخالفات الدستورية قد تم تلافيها، وذلك وفق البيان الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 2012/11/19 جراء اجتماعه الاسبوعي (بأن النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية قد استعرض تفاصيل بنود الاتفاقية مؤكدا أنه تم إقرار التعديلات المناسبة بما ينسجم ومتطلبات المرحلة، موضحا ان جميع بنود ومواد الاتفاقية أصبحت تتفق تماماً مع أحكام الدستور، وتنفيذها يستوجب مصادقة مجلس الأمة عليها).

• السؤال الذي يطرح نفسه حول دور مجلس الوزراء قبل التوقيع على الاتفاقية؟ وهل هذا ينطبق على كل الاتفاقيات التي توقعها الكويت مع الدول الأخرى؟ اي ان يتم توقيع الاتفاقيات ثم تعرض على مجلس الوزراء بعد ذلك.

• ان الحديث عن سرية الاتفاقية هو حديث على اطلاقه وعموميته حديث غير دستوري، حيث اكدت المادة 70 من الدستور أن مثل تلك الاتفاقيات يجب ان تصدر بقانون، الامر الذي يعني نشرها بالجريدة الرسمية (الكويت اليوم) وذلك وفق نص المادة 178 من الدستور الامر الذي يعني الزامية العلنية والنشر للعامه.

• كما تؤكد المادة 70 من الدستور على انه لايجوز بأي حال من الاحوال ان تتضمن اي معاهدة على شروط سرية تناقض شروطها العلنية.

• كما ان القول إن نشر الاتفاقية سيتم عند عرضها على مجلس الامة للمصادقة عليها ليس له مايبرره او ما يستوجب تأجيل النشر الى تلك الفترة، بل انه يخلق شعورا سلبيا بشأنها.

• وفق المادة 70 من الدستور فان تبليغ مجلس الامة بالاتفاقيات المبرمة يجب ان يكون فورا ومشفوعا ببيان بشأنها، وعليه فان ابلاغ المجلس من المتوقع ان يكون خلال الاسبوع المقبل، الامر الذي يعني أن فترة السرية ستكون فقط لمدة 30 يوما، وهذا امر يثير الاستغراب فعلا !!

 غدا: أوجه الشبه

بين الاتفاقية الأمنية 1994 واتفاقية مكافحة الإرهاب 2004

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك