الحياة أرحب من أن تكون بين حلين لا ثالث لهما.. برأي باسل الزير
زاوية الكتابكتب ديسمبر 4, 2012, 12:06 ص 1027 مشاهدات 0
القبس
إشراقات / إما.. أو
باسل الزير
«لا يمكن للإنسان أن يصافح غيره وهو يقبض كفه»
(أنديرا غاندي)
•••
في بدايات عصر التنوير كان الشغل الشاغل لبداية هذا العصر هو الثورة على النظم والأفكار القديمة البالية، وكانت أولى هذه البدايات الثورة على التفكير الأرسطي الذي ظلت أفكاره تدرس على مدى ألف سنة أو يزيد، وكتبه مقدسة لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من أمامها فهو المعلم الأول، وما كان الفكر الحديث ليرى النور حتى تسنى لها الخروج من قبضة أرسطو طاليس وأفكاره، فمن قوانين أرسطو التي وضعها للعقل والتفكير ثلاثة قوانين: قانون الهوية: الشيء هو نفسه (أهوأ). وقانون عدم التناقض: لا يمكن للشيء أن يكون موجوداً ولا موجوداً في الوقت نفسه (أ لا يمكن أن يكون ب ولا ب في الوقت نفسه). والقانون الثالث المرفوع: الشيء إما أن يكون موجوداً أو لا موجوداً، ولا ثالث لهذين الاحتمالين (أ إما أن يكون ب أو لا ب ولا ثالث لهذين الاحتمالين).
بينما المنطق الحديث يقول ليس بالضرورة أن يكون 1 + 1 = 2 بل ربما واحد وربما عشرة، ويمكن للشيء أن يوجد ولا يوجد في الوقت نفسه، فالقوالب الفكرية انهارت، وليست الحياة أبيض أو أسود بل يمكن لها درجات وألوان ورمادي، فالحقيقة ليست منشطرة بين فريقين: حق أو باطل، بل المسألة جدلية، والحقيقة صيرورية، والخطأ مشترك بدرجات متفاوتة، فالناس وأمزجتهم مختلفون، والعقول متفاوتة، والحقيقة نسبية، (فما تراه حقاًَ بالنسبة لك، قد يراه الآخر باطلاًَ بالنسبة له، والعكس صحيح)، كما قال بروتاغوراس، فالحياة ليست لعبة كرة قدم لا بد من أن تشجع فريقاً على فريق، والاختلاف سنة الحياة «وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا» «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...».
أقول هذا الكلام عندما يظن أن الحياة محصورة ضمن زاويتين لا خيار لك بالبديل الثالث، إن لم تكن معي فأنت ضدي، فإما أن تكون مع الأغلبية أو تكون مع الموالاة، يا أزرق يا أصفر، يا مع الأحرار أو أنك من الحكوميين الكفار، ولا ثالث لهذين الاحتمالين، وكأن الأفهام لا تعرف سوى حلين لا ثالث لهما، ولا توجد منزلة بين المنزلتين، ولا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار! «إما... أو»، وكما قيل: «ليس كل مقاطع قديساً، وليس كل مشارك إبليساً»!
فمعظم مشكلاتنا الحديثة ليست على المستوى السياسي فقط، بل وحتى على المستوى الاجتماعي والفكري والعلمي من يضع الإنسان بين قرني الإحراج «إما... أو»، وفي الطبيعة العقلية ليس للسؤال إجابة واحدة بل إجابات عدة، وأنصح ذوي العقول التي تعشق التغيير بقراءة كتاب «البديل الثالث» لستيفن كوفي حيث يقول: فبدل من «أنا أكسب وتخسر أنت» و «أخسر أنا وتكسب أنت» أو «نخسر كلنا»، فلنفكر بأن نربح سوياً «أنت تكسب وأنا أكسب» بديلاً آخر.
يقول فيتغنشتاين «سيظل الإنسان حبيساً في غرفة يُفتح بابها للداخل ما دام لم يفكر في جذب الباب بدلاً من دفعه».
الحياة أرحب من أن تكون بين حلين لا ثالث لهما «إمأ... أو».
تعليقات