تنفيذ المشاريع وأزمة الأخلاق بقلم عثمان الخويطر

الاقتصاد الآن

530 مشاهدات 0



على الرغم من الإمكانات المالية الهائلة التي تتمتع بها بلادنا - ولله الحمد - في الوقت الحاضر والمستوى العلمي الذي يضاهي مستوى أغلب الدول المجاورة، إلا أن كل شيء نعمله يكون ناقصاً من نواح كثيرة، لعل أهمها الإتقان. فلو اخترت أي مشروع لأحد المرافق الحيوية تم إنجازه لوجدت الكثير من أنواع الخلل الناتج عن الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية وغياب دقة المتابعة في كثير من الحالات. وذلك لأسباب لا حصر لها، وسوف نأتي على بعضها.

ثم هناك مظاهر الفوضى التي نعاني منها كانتقال تنفيذ مشاريع كبيرة بملايين الريالات من الطرف الأول الذي ترسى عليه المقاولة إلى طرف ثان وثالث وربما رابع. وكل طرف من الأطراف يتسلم نصيبه من المبلغ المخصص للمشروع وهو لم يعمل شيئاً، حسبما يعتقد الكثيرون. وإن صح هذا الأمر فهذه مهزلة، نتحمل جميعاً تبعاتها. فبأي حق تكون مشاريعنا نهباً بين كل منْ له القدرة على التحايل؟ والمفروض أن يكون هناك شرط أساسي ضمن العقد المبرم بين الجهة التي تملك المشروع والمقاول يحول دون تحويل تنفيذ المشروع إلى أي مقاول آخر تحت أي ظرف من الظروف. إلا في حالة واحدة أو حالتين، وهو قيام المقاول باستئجار معدات وأيد بشرية لا تزيد نسبتها مثلاً على 25 في المائة من المعدات والعمالة التي يمتلكها الملتزم الرئيسي أو الاستعانة بطرف ثان متخصص في تنفيذ قسم من عمل المشروع، كأعمال الكهرباء. وأن لا يتم أي انحراف عن مضمون مواد العقد الرئيس بين الطرفين إلا بموافقة مالك المشروع. ما الذي يمنع من تفعيل ذلك؟ والأهم أن يُمنَح العقد لمقاول مؤهل فنياً وإدارياً ومالك للمعدات والقوى البشرية المطلوبة. وتصنيف المقاولين، إن لم يكن ذلك موجوداً بالفعل، فهو أمر ضروري من أجل اختيار المقاول المناسب لكل مشروع. وهناك احتمال وارد، وهو أن كثرة المشاريع المطروحة تزيد على الإمكانات المتوافرة محلياًّ. فإذا كان ولا بُد فليس هناك ما يمنع من الاستعانة بمقاولين عرب من خارج المملكة، أو تأخير تنفيذ الأقل أهمية. فذلك أفضل من بناء مشاريع بمواصفات أقل من المطلوب.

اللافت للنظر، كون تنفيذ مشاريعنا يستغرق وقتاً يفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف ما يستغرقه مشروع مماثل في البلاد المجاورة، وهذه حقيقة معروفة للجميع. ويؤكد الكثيرون أن تكلفة مشاريعنا أيضا أضعاف مثيلاتها في بلدان كثيرة. وبذلك نكون قد جمعنا الأسوأ من كل شيء، طول مدة التنفيذ وارتفاع التكلفة ورداءة الجودة. وهناك عِدة عوامل قد تكون كلها أو بعضها طرفاَ في تعطيل التنفيذ أو تأخير الإنجاز. أولها ضعف التأهيل الفني والبشري والإداري لكثير من المقاولين الموجودين على الساحة. وهذ يؤدي حتماً إلى إطالة مدة التنفيذ، وربما يؤثر سلباً في جودة العمل. وهناك احتمال آخر من جانب الجهة التي تبرم عقد المشروع، وهو تقسيط مبلغ المقاولة ببطء شديد، نتيجة لوجود إجراءات إدارية مبالغ فيها، يؤثر في استمرارية سير العمل. وهذا مما يشجع المقاول على أخذ أكثر من مقاولة واحدة في وقت واحد لضمان تشغيل عمالته. وأنا أستغرب أحياناً عندما أشاهد عدداً من العمال لا يتجاوزون أصابع اليد، يعملون في موقع مشروع قيمته أكثر من ستين إلى ثمانين مليون ريال. ومن المشاهَد أن عُمال التشييد يعملون أقل من ثماني ساعات في مشروع حيوي يتطلب العمل فيه أربع وعشرين ساعة في اليوم، لأهميته بالنسبة للمجتمع.

من ناحية أخرى هناك المشاريع التي يتم تنفيذها داخل المدن، وعلى وجه الخصوص، وسط المناطق التجارية، وأغلبها بناء الأنفاق التي تستغرق بين سنتين إلى ثلاث سنوات. فبأي حق وأي منطق تكون تلك المشاريع سبباً في إغلاق المحال التجارية كليًّا أوجزئياً لسنوات دون أي تعويض لأصحابها؟ وهل يخفى على المسؤولين أن المواطن قد وضع جميع استثماراته في تلك المحال والمتاجر، ناهيك عن العمالة التي تحت مسؤوليته؟ ما ذنب المواطنين إذا كانوا لم يُبلغوا بالأمر قبل سنوات من الحدث من أجل اتخاذ الحيطة وتدبير أمورهم؟ وماذا لو أقاموا دعاوى قضائية على الجهات ذات الاختصاص التي تسببت في خسارة أموالهم وقطع أرزاقهم، هل سيجدون منْ ينصفهم؟ والكل يدرك أهمية المشاريع وعمومية فوائدها بالنسبة لكافة أفراد المجتمع، ولا أظن أن المسؤولين عن إقامة تلك المنشآت قد درسوا جميع الخيارات المتاحة التي من شأنها المساعدة على اختصار مدة التنفيذ وفرص العمل على مدار الساعة من أجل اختصار الوقت. أليست هذه وتلك تشير إلى أزمة أخلاق في مسألة تنفيذ المشاريع .. شكلاً وحقوقا؟!

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك