المقاطع 99.. ليس هو المقاطع 2012

زاوية الكتاب

((الآن)) تنشر دراسة له يرفض فيها مرسوم الضرورة لحقوق المرأة، واليوم 'يخفت' صوته بتعديل النظام الإنتخابي بالضرورة !!

كتب 6454 مشاهدات 0

محمد المقاطع

حصلت على دراسة بحثية علمية نشرت في عام 1999 لأستاذ القانون الدستوري الدكتور محمد عبدالمحسن المقاطع بكتب فيها عن رأيه المعارض لمرسوم الضرورة حول حقوق المرأة السياسية، وسيًلاحظ القاريء عبر الدراسة مدى شراسة الرأي القانوني للأستاذ المقاطع حول معارضته لمبدأ مرسوم الضرورة حينها، مما قد يشكل علامة استفهام حول ما الذي تغير بآراء وبحوث ودراسات المقاطع حينها مع آراءه اليوم التي تتعلق بتأييده لمرسوم الضرورة للنظام الإنتخابي من 4 أصوات للصوت الواحد، وأيضا تأييده قبل أسابيع لتعديل آلية الدوائر، وإزاء تلك المتغيرات غير المفهومة بآراء متأصلة لدى المقاطع، قد يتساءل القاريء، هل هناك مصالح تؤدي لتغيير واسع وشامل في مفاهيم الدراسات كالذي حدث مع المقاطع.

واللافت للنظر، ان مرسوم الضرورة بحقوق المرأة السياسية رغم ارتباطه بالنظام الإنتخابي إلا ان المقاطع لم يؤيده، في حين خفت صوته كثيرا في مرسوم الصوت الواحد بالضرورة رغم ارتباطه بالنظام الإنتخابي، ورغم ان مرسوم الضرورة لحقوق المرأة السياسية جاء حينها ليصحح خطأ بالدستور حول مساواة المرأة بالرجل في الإنتخاب والترشيح.

تنشر أدناه دراسة المقاطع التي نشرتها 'القبس' في عام 1999 حول رفضه لمرسوم الضرورة لحقوق المرأة السياسية، والتعليق لكم:

تساؤلات دستورية حول مرسوم حقوق المرأة السياسية

بقلم د. محمد عبدالمحسن المقاطع

أستاذ القانون العالم في كلية الحقوق

كثرت في الآونة الأخيرة التساؤلات والاستفسارات التي تطرح في المنتديات الكويتية والديوانيات وعلى صدر الصحف المحلية وقد وجهت عدد من هذه التساؤلات لنا وفي مناسبات عديدة كان آخرها اللقاء التلفزيوني مع شبكة أوربت في البرنامج الحواري الناجح الذي يديره الأخ القدير يوسف الجاسم، وأمام الحاج هذه الأسئلة علينا وحرصا على وضع النقاط على الحروف في هذا الموضوع الدستوري الحيوي والمهم رأيت ان أقول بالإجابة على هذه التساؤلات بهذه المقالة من خلال وضع السؤال المتعلق بالموضوع وتحديد الإجابة عليه، ويمكن ان نحدد التساؤلات الدستورية والقانونية المطروحة في هذا الموضوع بخمسة أسئلة مهمة وهي على التفاصيل التالي:

أولا: هل المرسوم بقانون رقم 9/1999 في شأن حقوق المرأة مخالفة للدستور؟

ليس هناك أدنى شك في أن المرسوم بقانون رقم 9 / 1999 وخاص بمنح المرأة الحقوق السياسية يخضع لأحكام المادة 71 من الدستور وهي التي توجب أن تتوافر حالة الضرورة في المراسيم بقوانين التي تصدرها الحكومة أثناء فترة غياب مجلس الأمة.

وعليه فان الضرورة اللازمة لهذه المراسيم ليست عبارة تذكر ولا مقولة تسطر، وإنما هي ضرورة لها مفهوما ودلالاتها وشرائطها من الناحية القانونية والدستورية، ومن ثم فان توافرها أو عدمه إنما يتوقف على استيفاء ذلك المفهوم والتزام تلك الدلالات والشروط.

1-لعله من الأهمية بمكان أن نركز على شرط الضرورة الملجئة لأصدراها، حتى نبين ما هي الضرورة التي قرر ها الدستور وجلها  أساسا وسند الإصدار هذه المراسيم بقوانين، فلقد استخدم الدستور عبارة ' ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير' فالقيد الأول هو وجود الضرورة الموجبة لإصدار المراسيم والقيد الثاني هو بيان طبيعة الضرورة من خلال اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، فالتدبير او التدابير إنما هي إجراءات استثنائية غير مألوفة لمواجهة ظرف طارئ ومفاجئ حل في البلد ولم يكن متوقعا وستترتب على عدم مواجهة آثار خطيرة قد تلحق في البلاد كارثة او أزمة او مصيبة او انهيار، يكون إصدار المرسوم بقانون هو الوسيلة الوحيدة للحيلولة بين تلك الأزمة او الكارثة وبين سلامة الدولة وهي ظروف لاشك ليس متوافر لكل المراسيم بقوانين بما فيها مرسم بقانون الخاص بإعطاء المرأة حقوقها السياسية.

2- بغيب عن بال الكثيرين إننا في حالة غياب مجلس الأمة سواء كان ذلك لحلهن او لكونه في إجازته السنوية وحينما نعمد إلى تطبيق المادة (71) من الدستور لإصدار المراسيم بقوانين فإنما نلجأ إلى استعمال رخصة دستورية استثنائية بيتم بموجبها إسناد الاختصاص التشريعي للحكومة بدلا من مجلس الأمة حتى تتولى إصدار قانون حتمه غياب مجلس الأمة فكان لجوءها المضطر والضروري هو الذي حملها على إصداره بدلا من انتظار عودة البرلمان (مجلس الأمة)  صاحب الاختصاص.

3- ولذا فإن الضرورة هنا في قيد استثنائي، والاستثناء لا يمكن التوسع فيه ولا القياس عليه ومن ثم لا يمكن  الاستناد إليه ليكون مسوغا لإصدار قوانين عديدة، وهي الحالة التي عمدت إليها الحكومة بإصدارها (60) مرسوم بقانون مستخدمة المادة (71) وكأنما تلك المادة تعطي الحكومة حق إصدار القوانين (المراسيم بقوانين) بدلا من مجلس الأمة بلا قيد او شرط، وهذا الأمر غير صحيح لأنه حول الحكومة إلى سلطة تشريعية كاملة خلال غيبة مجلس الأمة في الحل الدستوري الذي تم في الفترة من 4/5/1999 وحتى 3/7/1999.

وهنا كما بين تحول الاستثناء إلى أصل أهدرت معه النصوص الدستورية الضوابط القانونية.

وحين تفحص الوضع الخاص بمبرر إصدار المرسوم بقانون المتعلق بمنح المرأة حقي الانتخاب والترشيح نجده فاقدا لحالة الضرورة والتي توجب إصداره ودليلنا على ذلك ثلاث نقاط جوهرية:

1- أن السلطة التنفيذية لم تذكر حالة الضرورة التي بموجبها إصدار المرسوم رقم 9 / 1999 الخاص بالحقوق السياسية للمراة وهي ما جاءت المذكرة التفسيرية المرافقة للمرسوم بقانون المشار إليه خلوا من ذكره.

2- ان المذكرة التفسيرية المرافقة للمرسوم بقانون الخاص بمنح المرأة حق الانتخاب والترشح قد أشارت وبعبارات صريحة إلى منح المرأة هذا الحقوق بعد استكمالها للإجراءات الخاصة بالتسجيل في قيود الناخبين واستكمال الإجراءات الأخرى وفقا للمواعيد القانونية المقررة في هذا الشأن، وهذه العبارات تدل دلالة قطعية وحاسمة على انعدام حالة الاستعجال والظرف الضرورية والمقررة في المادة 71 من الدستور.

3- أن هذا المرسوم صدر مع حزمة كاملة من المراسيم بقوانين بلغ عددها 60 مرسوما بقانون أعلنت الحكومة عزمها على إصدارها بعد حل مجلس الأمة بأيام قلائل ونفذت الحكومة فعلا قرارها ذلك فأصدرت حزمة المراسيم بقوانين المذكورة، وهو ما يدل على ان الحكومة إنما استفادة من ظرف غياب مجلس الأمة حتى تقوم بإصدار المراسيم بقوانين التي ترى صدورها بعيدا عن الضوابط والإجراءات الدستورية المقررة في المادتين 51 و 79 من الدستور، وهو أمر يكشف بجلاء ان دوافع إصدار هذه المراسيم دوافع سياسية لم تراع فيه الاعتبارات الدستور ولا الأصول والقواعد المقررة في الدستور.

والمخالفات الدستورية التي تنطوي عليها المراسيم بقوانين بما فيها المرسوم رقم 9 /1999 لا تقف عند انتهاك حالة الضرورة الكافية بحد ذاتها لإسقاطه من الناحية الدستورية وإنما أيضا من مبدأ الفصل بين السلطات المقرر في المادة 50 من الدستور بل وتعارض أيضا مبدأ التعاون بين السلطات المقرر في المادة 50 من الدستور، فضلا عن إهدارها للمبدأ الديمقراطي المقرر في المادة السادسة في الدستور حيث ان رأي الأغلبية لن يكون معتبرا لان رفض المراسيم بقوانين حال بينهم وبين ممارسة سلطتهم التشريعية بالأغلبية المعتادة وفقا لنص المادة 97 من الدستور بالإضافة إلى مخالفة مبدأ المسؤولية الوزارية.

ثانيا: هل حرمان المرأة من الانتخابات والترشيح يتعارض مع الحكم الدستور.

قد يظن البعض ان الجواب عن هذا التساؤل هو نعم، ولكن حقيقية الأمر من الناحية الدستورية الصرف فإن الجواب على السؤال السابق هو بلا، أي ان حرمان المرأة من الانتخابات والترشيح في ظل النظام الدستوري الكويتي لا يتعارض مع أحكام الدستور وبيان ذلك وفقا لما يلي:

1- ان المبدأ المساواة المقرر في المادة 29 من الدستور والذي يعتبر البعض سببا لتعارض حرمان المرأة من الانتخاب والترشيح مع أحكام الدستور يعتبر تفسيرا متعسفا وفهما اجتهاديا يجانبه الصواب ذلكم ان الدستور الكويتي لا يعرف مبدأ المساواة المطلق، وهو أيضا مبدأ ليس له وجود في النظم القانونية المختلفة، فالمسالة المطلقة لم يقل بها احد ولا تقررها اي أنظمة قانونين اذ ان المساواة تعني التسوية بين من يتماثلون في مراكزهم القانونية ولا تعني المساواة المطلقة.

ولو تمعنا الدستور الكويتي لوحدناه تبنيي المساواة المقيدة بعدة ضوابط ونصوص دستورية أخرى، فالمادة 18 من الدستور تقرر ان 'الميراث حق تحكمه الشريعة الإسلامية' ومن المعلوم ان الشريعة تقرر للرجل نصيبا ميراثيا ضعف نصيب المرأة الميراثي، فهل هذا يعني ان المادة 18 من الدستور الكويتي تتعارض مع المادة 29 ليست مساواة حسابية او رقمية بل مساواة مقيدة يهيمن عليها الفكر الإسلامي الذي يعتبر إطارا وسياجا للنظام الدستور في الكويت.

2- ومما يعزز سلامة الرأي الذي اوضحناه هو ان المادة الثانية من الدستور تقرر ان 'دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية ومصدر رئيسي للتشريع' فهذا النص يعني ان المساواة التي يعتنقها الدستور الكويت هي المساواة التي تتوافق والشريعة الإسلامية ولا نخرج عن أحكامها.

3- ان الفهم الدقيق للمادة 29 من الدستور المتضمنة مبدأ المساواة والمقيدة بالشريعة الإسلامية وفقا ملا ذكرناه سابقا تجعل من موقف الدستور الكويتي موقفا محايدا من شأن الحقوق السياسية للمرأة 'الانتخاب والتشريح' اي انه يجوز في ظل الدستور الكويتي حرمانها من ذلك ولا يعتبر ذلك الحرمان مخالفا للدستور/ كما انه يجوز تماما في ظل الدستور الكويتي مع المرأة حق الانتخاب والترشيح دون ان يستطيع احد الادعاء بان هذا المنح يتعارض مع أحكام الدستور، خصوصا ان الآراء في الفقه الإسلامي تتضمن كلا الرأيين المانح والمانع للانتخاب والترشيح بالنسبة للمرأة أذن قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962 حينما حجب المرأة عن ممارسة الانتخاب والترشيح لم يخالف أحكام المادة 29 من الدستور.

4- ولعله من المهم الإشارة هنا أيضا إلى ان نص المادة 82 من الدستور فقرة (ب) قد تضمن ما يعتبر في عداد التفويض الدستوري (التشريعي) من قبل الدستور للمشرع 'مجلس الأمة' ليضع الشروط الواجب توافرها فيمن يكون ناخبا، من ثم فإن حجب المرأة عن الانتخابات والترشيح في هذه الحالة لا يعتبر مخالفا لأحكام الدستور.

5- أما ما يذهب إليه البعض من مخالفة حرمان المرأة من الانتخاب والترشيح بنصوص المواد (6 و 7 و 175 من الدستور) فان ذلك الرأي رغم حسن اجتهاده إلا انه رأي غير صحيح فيما ذهب إليه باعتبار ان فكرة المساواة المطلقة غير متوافرة في ظل الدستور الكويتي كما سبق ان اشرنا، فضلا عن ان تلك المواد تقر جنبا إلى جنب من المواد (2 ، 6 ، 18 ، 29 من الدستور) بما ينتج عن تكاملها والانتهاء إلى أن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة ليست مطلقة في ظل النظام الدستوري الكويتي.

6- أما ما يقوله البعض من انه يجوز إهدار ومخالفة نص المادة 71 من الدستور وترجيح مادة دستورية أخرى عليها، فهذا رأي محل نظر لان نصوص الدستور يجب التوفيق بينها اذا افترض تعارضها، وهي حالة غير متحققة فضلا عن ان مخالفة قانون ما - ان وجدت - لا تبرر البتة ارتكاب مخالفة أخرى، مهما كان نبل المبررات، فالغاية لا تبرر الوسيلة.

ثالثا: هل مضى الزمن وتصحيح المخالفة ان وجدت مبرر لاصدار المرسوم رقم 9 /1999؟

1- ربما يرد إلى تفكير البعض ان مضى الزمن على وضع معين دون ان تتم معالجته او تطويره او إقراره من قبل مجلس الأمة يكون في حد ذاته حالة الضرورة المطلوبة وهذا لعمري وهم ما بعده وهم، فمضى الزمن لا يضيف جديدا على ما هو معلوم لأعضاء السلطتين في شأن الموضوع الذي عرض عليهم ولا يغير من طبيعته العادية في شيء، بل ان هذه حجة عكسية على من يستخدمها ذلكم ان الموضوع كان معروفا ومعروضا ولكن الأغلبية رغم إحاطتها به لم تر إقراره او إعطاءه أولوية على غيره من الموضوعات فما الضرورة هنا؟

2- واورد هنا حكما للمحكمة الدستور المصرية الصادر بتاريخ 4 مايو 1985 على سبيل الاستئناس فقط والتوضيح، بان مجرد مضي الزمن على وضع تشريع ما من التشريعات لا تقضي لضرورة وتجيز للحكومة ان تصدر تعديلها عليه حتى وان كان التشريع القائم معيبا او فيه قصور واضح، فالمحكمة الدستورية العليا بمصر تقرر 'لما كان ذلك، وكانت الأسباب سالفة البيان، وحاصلها مجرد الرغبة في تعديل قوانين الأحوال الشخصية بعد ان طال العمر على العمل بها رغم ما استجد من تغيرات في نواحي المجتمع وان جز ان تندرج في مجال البواعث والأهداف التي تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قوانين جديدة او استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقا لإصلاح مرتجي إلا انه لا تتحقق بها الضوابط المقررة في الفقرة الأولى من المادة (147) من الدستور، ذلك ان تلك الأسباب تفيد انه لم يطرأ خلال غيبة مجلس الشعب البرلمان ظرف معين يمكن ان تتوافر معه تلك الحالة التي تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية (أي الحكومة) بمقتضى المادة (147) المشار إليها، ومن ثم فان القرار بقانون (يماثل المرسوم بقانون في الكويت) رقم 44 لسنة 1979 اصدر استنادا إلى هذه المادة وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها ، يكون مشوبا بمخالفة الدستور'.

3- مخالفة الدستور لا يعتبر مخالف أحكام الدستور - ان وجدت - حالة ضرورية تجيز للسلطة التنفيذية ان تمارس سلطة التشريع الاستثنائي، ذلكم ان المخالفة الدستورية - ان وجدت - وضعت لها أساليب وطرق لمواجهتها ومن أبرزها في الكويت منح الحكومة حق الطعن في القانون الذي يصدره البرلمان بعدم الدستورية أمام القضاء الدستوري، ومن ثمن فمجرد وجود المخالفة الدستورية لا يمنح الحكومة الحق في ممارسة حق التشريع الاستثنائي.

4- على الرغم من كفاية ما سلف فانه من الأهمية بمكان ان نؤكد انه لا توجد على سبيل المثال مخالفة دستورية في قانون الانتخاب المرأة تحكمه الى جانب نص المادة (29) من الدستور نصوص المواد الدستورية الأخرى وهو المادة الثانية والسادسة والسابعة والثامنة عشر والتاسعة والعشرون، ومن ثم فان قراءة هذه النصوص بشكل شمولي ومنسق يؤكد عدم صحة ترديد وجود المخالفة الدستورية، مع تأكيدنا لما سبق ذكره بان مجرد وجود المخالفة أصلا - ان وجدت - لات يبرر للحكومة ممارسة سلطة التشريع الاستثنائية بدلا من مجلس الأمة استنادا لنص المادة (71) من الدستور.

رابعا: هلل للمجلس تأجيل البت في المراسيم بقوانين؟ يتساءل البعض عما اذا كان المجلس الأمة الحق في ان يؤجل البت في أمر المراسيم بقوانين ويؤخرها بصورة مقصودة .

1- والجواب على هذا السؤال من الناحية الدستوري هو بعدم جواز ذلك التأخير، اذ ان المراسيم بقوانين صدرت عن سلطة لا تملك حق التشريع إلا استثناء، ولذا فقد اوجب الدستور في حال صدورها أن يتم عرضها على مجلس الأمة في اول جلسة له بعد الحل، وما هذا الحكم الوجوبي بسرعة العرض على مجلس الأمة إلا ليؤكد وجه الاستعجال والسرعة الذي يجب ان تحظى به المراسيم بقوانين باعتبارها تشريعات في حالة قلقة، إذ ربما يقرها المجلس او يرفضها مما يعني ان أطالة أمد وضعها القلق أمر غير جائز من الناحية الدستورية نظرا لما يرتبه من اثار يبعث المتعاملين مع المراسيم بقوانين إلى عدم الاطمئنان بها والاستقرار لوجوبها.

2- ومما يعزز هذا الفهم الدستوري الصحيح مما سلكته اللائحة الداخلية لمجلس الأمة من إعطاء المراسيم بقوانين صفة الاستعجال والأولوية في جدول أعمال مجلس الأمة، وعلى كل موضوع آخر نظام لطبيعتها وخطورة وضعها القلق.

3- وقد أكدت السوابق التي سال عليها مجلس الأمة في التعامل مع المراسيم بقوانين سلامة هذا الفهم واستقراره سواء في الفصول التشريعية السابق، او في الفصل التشريعي الحالي حينما نظر مجلس الأمة المراسيم بقوانين على وجه السرعة في دور انعقاده الاول، حدد بقرار صائب موعدا اقصاه 9/11/1999 لتقديم اللجان البرلمانية تقاريرها عن هذه المراسيم بقوانين حتى يتعامل معها على وجه السرعة تحقيقها للمبدأ الدستور المذكور.

خامسا: هل الضرورة حالة سابقة ام لاحقة على المراسيم؟

ان فكرة الضرورة التي يجيز الخروج الاستثنائي عن قواعد المشروعة الدستور لها وصفها المحايد المنضبط بشروطه وقيوده الجوهرية والتي لابد من التأكد من توافرها لأعمال هذا الاستثناء، ومن ثم فان الضرورة ليست ثوبا يفصل حسب الوضع وبصورة لاحقة بعد صورة المرسوم بقانون وإنما الضرورة هنا تعني الخطر المحال والمحقق وهما ما يعني انه يتعين ان يكون خطرا جسيما وان يكون حالا أيضا وموجودا قبل إصدار المرسوم بقانون لأبعده، فالأخطار العادية يواجهها التنظيمات العادية باعتبار ان الدولة لا تخلو من مواجهة الأخطار الاعتيادية فالخطر الجسيم هو ما يخرج عن حدود المعتاد من الأخطار التي تمر على الدولة بين الحين والآخر، فيجب ان تكون طبيعته استثنائية وغير متوقعه ومن غير الممكن دفعه او تجنب آثاره او التغلب عليه بالإجراءات العادية، بما يصبح معه من الضروري اللجوء للإجراء الاستثنائي وهو في حالنا قيام الحكومة بممارسة سلطة التشريع بدلا من مجلس الأمة.

ولذا فانه لا يعتبر الخطر حالا اذا كان خطرا وهميا او كان من الممكن التنبؤ به قبل وقوعه بفترة بحيث يتم الأعداد المسبق لمواجهته.

فالضرورة التي تجيز إصدار المراسيم بقوانين تعني وجود خطر حال جسيم محقق مفاجئ ولا يمكن تجنب آثاره بإصدار تلك المراسيم بقوانين دون غيرها من الإجراءات، وهذا المفهوم هو ما عبرت عنه المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي حينما أوردت أمثله على حالات الضرورة قائلة 'حيث تقتضي ضرورة استثنائية ان تعهد السلطة التشريعية الى السلطة التنفيذية بمواجهة أمر هام معين في جملته، كمواجهة أزمة نقدية او اقتصادية او عسكرية مثلا' والسؤال هنا هل حدث شيء من ذلك لإصدار المراسيم بقوانين الحالية؟ والجواب بالطبع لا

وعليه فان من المستغرب ان يضع البعض نفسه في مكان الحكومة، ويسوق المبرر تلو الآخر ليقرر هو ان هذا السبب او ذلك هو حالة الضرورة المبررة لإصدار المرسوم بقانون الخاص بانتخاب المرأة وترشيحها، رغم ان الحكومة ذاتها لم تذكر ذلك، فهل يعقل ذلك؟

وختاما لهذه التساؤلات المهمة فانه لابد ان نؤكد ان الحفاظ على الدستور ومع اي شكل من الخروج عليه ولو كان ذلك تحت مبرر مصلحة ما يراها البعض امرا يمكن القبول به او السكوت عنه لأنه سيكون مدخلا لفكر سياسي جديد يهدر مبدأ المشروعية الدستورية انطلاقا من مصالح ومبررات سياسية ربما تؤدي إلى تقويض الجوهري من أحكام الدستور في يوم من الأيام ما دامت ان الغاية قد بررت الوسيلة في وقت ما وفي ظرف معين حسب رأي البعض وهو أمر جد خطير

الآن - خاص

تعليقات

اكتب تعليقك