'شطب المرشحين بين دولة القانون والاجتهاد'

زاوية الكتاب

الدلال: معيار 'سوء السمعة' غير منضبط من الناحية القانونية، وعلى الحكومة ان تلتزم بدولة القانون

كتب 2866 مشاهدات 0

المحامى محمد الدلال

' أصدرت اللجنة الوطنية العليا للانتخابات قرار منذ أيام بموجبه شطبت عدد من مرشحي مجلس الأمة للانتخابات المقررة في 1/12 القادم والتي ستقوم على نظام الصوت الواحد، ونظرا لأهمية هذا القرار من النواحي الدستورية والقانونية والسياسية لذا نبدي رأينا فيما اتخذ على النحو التالي:

من الأهمية ابتداء ان نؤكد ما ذهبنا إليه مسبقا بعدم دستورية الانتخابات الحالية ومخالفتها للقانون بسبب قيامها على أساس تغيير النظام الانتخابي بمرسوم ضرورة لا تتوفر فيه حالة الضرورة، بل ومخالف إلى ما انتهت إليه المحكمة الدستورية مؤخرا بتحصين وسلامة النظام الانتخابي القائم على 5 دوائر بأربع أصوات.

قبل الدخول في طبيعة قرارات اللجنة العليا ومدى سلامتها قانونا فانه يجدر الإشارة الى أن مرسوم اللجنة العليا يفتقد للمشروعية الدستورية ولا تتوفر فيه حالة الضرورة وقابل للإلغاء ويلاحظ ان استعجال السلطة التنفيذية فى إقرار هذه المراسيم دون أساس دستوري سليم ودون دراسة متأنية لها خلق حالة من الارتباك في عمل الجهات  المنفذة لهذه المراسيم .

ومن جانب آخر، وبافتراض إننا سلمنا جدلا بصحة دور اللجنة العليا للانتخابات فان طبيعة اختصاصها وأدوارها وتشكيلها جعلها كجهة إدارية تمارس عملا تنفيذيا خاضعة للحكومة، وبالتالي هي ليست جهة قضائية حتى وان  ترأسها أو أصدر قراراتها أعضاء في السلك القضائي، وتخضع تصرفات وقرارات هذه الجهة للقضاء الإداري ويمكن إلغاءها أمام المحكمة الإدارية.

لقد أوكل إلى اللجنة العليا للانتخابات مهام عديدة كانت تدخل ضمن اختصاص جهات حكومية عدة كالداخلية والإعلام وخلافه، ومن أبرز تلك الأدوار ما كانت تقوم به وزارة الداخلية بفحص حالة الترشح وبحث مدى توفر شروط السلامة والصحة لخوض المرشحين للانتخابات، حيث أصدرت اللجنة مؤخرا عدد من القرارات تم بموجبها شطب بعض المرشحين، في حين أكدت صحة ترشح البعض الآخر، وأشار رئيس اللجنة المستشار احمد العجيل في تصريح له في الصحافة أن اللجنة اعتمدت في إصدار قرارات الشطب على ما ورد في نص المادة 2 من القانون 35 من لعام 1962 في شان الانتخابات والتي اشترطت  لمنع الترشح والانتخاب صدور حكم نهائي في جريمة مخلة بالشرف والأمانة، كما أشار المستشار العجيل إلى لجوء اللجنة إلى استخدام صلاحية السلطة التقديرية في شطب عدد من المرشحين بسبب سوء السمعة وعليه تم شطب عدد من المرشحين , منهم من سبق وان أحيلوا للنيابة بتهمة  شبهة الإيداعات المليونية .

ورغم ان موقفنا حاسم تجاه مواجهة قضية الإيداعات المليونية وضرورة متابعتها قضائيا وسياسيا ومطالبتنا المتكررة للبنوك بضرورة التظلم من قرار النيابة بحفظ التحقيق فى تلك البلاغات، زد على ذلك  تحفظنا على عدد من المرشحين المشطوبين لاختلافنا معهم فكريا وسياسيا إلا ان التجرد والموضوعية يحتم علينا التأكيد على عدد من القضايا ذات البعد الدستوري والقانوني المرتبط بحقوق وواجبات الإفراد في ممارسة العمل السياسي وفقا لما يلي :

1- أورد الدستور الكويتي فى المادة 32 بان  'لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ..' وأكدت المادة 34 من الدستور إلى ان ' المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع..'، وبأعمال هذه النصوص الدستورية على حالات شطب المرشحين يتبين أهمية وجود معيار او شروط محددة  معتمدة بقانون يُبنى عليه قرار الشطب من الترشيح ,  وأن معيار 'سوء السمعة' الذي تم الاسترشاد به من قبل اللجنة لا يمكن اعتباره نصا قانونيا يعوّل عليه فى حالة الشطب ، وهو ما يؤكد كذلك أن المعيار الأساسي والوحيد فى حالة شطب هو ما أوردته المادة 2 من قانون الانتخابات من تطلب صدور حكم نهائي في جريمة مخلة بالشرف والأمانة , وفى حالة عدم توفر هذه الشروط التي أوردتها المادة 2 من قانون الانتخابات يصبح قرار الشطب لا يعتد به  قانونيا ، ومن جانب آخر فان الاعتماد على معيار 'سوء السمعة' الفضفاض، يخالف المبدأ الدستوري فى المادة 34 والتي تتطلب عدم إيقاع أى عقوبة الا بعد إثبات الإدانة أمام المحاكم ، والشطب بحد ذاته يعتبر قانونا عقوبة تمنع صاحبها من الترشح لعضوية المجلس، إلا ان قرار اللجنة صدر فى غياب إحكام قضائية نهائية بالإدانة مما فوّت على المشطوبين احقية الدفاع عن النفس للرد على هذه التهم، فقدمت اللجنة بذلك معيار فضفاض على حق دستورى اصيل بعدم ايقاع اى عقوبة الا بعد الادانه النهائية بحكم قضائى ، ولا يمكن التعويل على الظن او السمعة العامة فى تقرير الشطب من عدمه حتى ولو كان هذا الظن صادرا من رجال قضاء لهم كل التقدير والاحترام .

قرار اللجنة العليا للانتخابات صادر من لجنة حكومية شكلت بناء على (مرسوم) ويعتبر هذا المرسوم أداة أدنى فى المستوى القانوني من قانون مُقر ومستقر عليه مسبقا هو قانون الانتخابات رقم 35 لعام 1962 والذي أورد شروط محددة للمنع من الترشيح والانتخاب، وعليه فان قرار اللجنة في جزئية الاعتماد على معيار تقديري يتعلق بسوء السمعة قد تجاوز قانون الانتخابات والذي يعتبر أداة أعلى في السلم القانوني خاصة وان هذا المرسوم قابل للرفض والإلغاء مستقبلا .

إن معيار 'سوء السمعة' الذي عول عليه أعضاء اللجنة الموقرين فى قرارهم هو معيار غير منضبط من الناحية القانونية حتى ولو عوّل البعض فى صحة هذه القرارات على ما ورد فى حكم سابق للمحكمة الدستورية بحثت في حالة محددة لا يمكن القياس عليها ولا اعتبارها تشريعا يمكن الاستناد عليه، ومن جانب آخر فان اعتماد هذا المعيار كمنهج فى إصدار قرارات الشطب يخلق أعراف جديدة بعيدة عن المسار القانوني الصحيح وهذا من شانه ان يخول السلطة التنفيذية وحدها صلاحية إبقاء او شطب من تراهم بسلطتها التقديرية مؤهلين من عدمه للترشح لعضوية مجلس الأمة، والتعويل على السلطة التقديرية للإدارة ان لم يضبط قانونيا وتشريعا بنصوص محددة من شانه ان يخلق سلطة تتجاوز في صلاحياتها كل مبدأ دستوري او قانوني مما يضعف الثقة بالجهاز الحكومي ويخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار, ناهيك عن قيام المشطوبين باللجوء إلى القضاء الإداري والمطالبة بإلغاء هذه القرارات التي افتقدت الأساس الدستوري والقانوني .

وعليه.. ينبغي للسلطة التنفيذية ان تلتزم بدولة القانون وان تضع الاجتهادات جنبا وان تتوقف عن ممارساتها في تجاوز الحقوق الدستورية ومن أبرزها التوسع فى إصدار مراسيم لا تتوفر فيها حالة الضرورة، وأن تعيد السلطة الأمور إلى نصابها من خلال التراجع عن المراسيم الصادرة والتصالح مع أغلبية الشعب والدعوة الى انتخابات سليمة قائمة على النظام الانتخابي الذي أُقر في مجلس 2006 والعمل على تحقيق التعاون بين السلطات بما يحقق الصالح العام.

ختاما .. أؤكد دعمي لمقاطعة الانتخابات القادمة، حفاظا على مكتسباتنا الدستورية وتأكيدا لحقوقنا السياسية ورفضا لانفراد السلطة.

المحامى محمد الدلال
عضو مجلس الامة سابقا

الآن

تعليقات

اكتب تعليقك