الفساد آفة تقوض العدالة وتهدد كيان المجتمع بقلم د. عبدالله بن سليمان العمار
الاقتصاد الآننوفمبر 16, 2012, 2:36 م 773 مشاهدات 0
الفساد ضد الإصلاح، وهو آفة من الآفات التي تعاني المجتمعات انتشارها كفيروسات تضرب كل مفصل من مفاصل جسد المجتمع فتشل حركته، متسببة له إعاقة مزمنة، تمنعه من القيام بمهامه ومسؤولياته، وتحرمه من الإنتاج والتقدم والتطور، فتجعل المجتمع عرضة للإصابة بمختلف الأمراض كالجهل والتخلف والفقر، ذلك بسبب التدمير الحاصل في المناعة وخطوط الدفاع. الفساد منتهى كل الشرور ملفه واسع ومتشعب وكبير، أحجامه مختلفة ورتبه متفاوتة، فصغيره من كبيره وكبيره من صغيره، وإن صغير الفساد يدل على كبيره وإن كبيره يدل على شذرات صغائره المتناثرة في قلب المجتمع، فحجم صغيره امتداد لحجم كبيره وحجم كبيره امتداد لحجم صغيره، وكثيراً ما تتشابك عناصره وفروعه وأغصانه. للفساد أشكال وصيغ وصور لا حصر لها تطل وجوهها القبيحة باستحياء من النوافذ الخلفية, ذاك في مرحلته الأولى, مرحلة الاستكشاف وتوطيد القدم, اكتشاف يهدف إلى التعرف على مدى درجة تقبل المجتمع لتلك الممارسات والسلوكيات المنتمية إليه أي الفساد, ومتى ما اطمأن إلى أن التربة مواتية والبيئة مناسبة دخل من الأبواب أوسعها وقد نفض عنه رداء الحياء بعد أن اشتد عوده وقوي ساعده, فساد أخلاقي, وفساد مالي, وفساد إداري، وهكذا تطول القائمة، ولكل من هذه الأشكال والألوان درجات تتفاوت من حيث جسامة الجرم وآثاره ونتائجه الخطيرة على المجتمعات, فالإهمال فساد.. والغش فساد .. والكذب فساد.. والنفاق فساد .. والرشوة فساد .. والواسطة والتجاوز على حقوق الغير فساد .. وعدم الالتزام بالنظام فساد .. إلخ، وما أقساها على المجتمع إذا تضافرت عليه, فهو من يقود الأسباب الأخرى المفضية إلى تفتت المجتمعات وانهيار الحضارات ولا يرجى تطور ولا تقدم ولا نهوض في مجتمع يستشري فيه الفساد بمختلف أشكاله وصوره, وما من غيور على وطنه وأمته إلا ويسرع مستلاً سيفه ليحارب به سلوك أو ظاهرة أو ممارسات قد تؤدي نتائجها إلى الفساد أياً كان لونه وصفته وهو مدرك عواقب الإهمال وعدم المبالاة والتستر عن كل سلوك فاسد, إذ من اليسير محاربته ودرؤه وهو لايزال طرياً في مهده, ومن العسير إن لم يكن من المستحيل فعل ذلك بعد أن يتوسع وينتشر ويستشري ويتحكم, ففي المهد تتم الممارسات في صيغ ضيقة والآثار تظل محدودة، ومن ماتت ضمائرهم فانغمسوا في أدرانه قلة, وفساد المهد لا يخلو منه مجتمع من المجتمعات وعلاجه يسير وسهل والأشكال والممارسات مكشوفة. والفساد مرض معدٍ ينتشر بسرعة بين الناس إذا ترك وهو في مهده دون علاج واستمرت ممارسات أفراده دون مساءلة أو عقاب في بيئة تشجع على انتهاج الطريق ذاته، صحيح أنه لا يتساوى فاسد صغير مع فاسد كبير، لكن المأساة تكمن في معاقبة الصغير من الفاسدين وترك ذلك الفاسد الكبير طليقاً يتمطى في الطرقات ويواصل أذاه وبث سمومه في الناس والمجتمع، وقد قيل إن من أمن العقوبة أساء الأدب. ولأن الفساد أنواع، ولأن بعض أنواعه أملس وناعم كجلد الأفعى، وبعضها ملون كألوان الحرباء وبعضها لا يظهر منه إلا جزء بسيط في حين يتغطى باقيه بالماء كجبل الجليد، لذلك كله تبدو المسؤولية عن مكافحته أعظم والمهمة أنبل والطريق إليها ليس سهلاً وتتطلب تضافر جهود كل الناس مجتمعة متكاتفة للوصول إلى غايتها، وعظمة الدول والمجتمعات والشعوب والأمم تتجلى في قدرتها على تنظيف أنفسها من أدران هذا المرض الذي يخلخل الكيانات ويهز الإرادات ويضعف تماسك المجتمع ويؤدي إلى خراب العمران.
ولقد عملت الكثير من الحكومات على مكافحة هذه الآفة من خلال سن قوانين رادعة لتكون أمصالا قادرة على تدمير فيروسات الفساد وتحصين جسد المجتمع، وإنشاء أجهزة رقابية تعنى بتطهير المجتمع من هذه الآفة والوقاية منها، وبلادنا ليست بمنأى عن هذه الآفة، إلا أنها كغيرها أخذت تتلمس طرق المكافحة والوقاية، ولقد حرصت القيادة الحكيمة - وفقها الله - على تطهير المجتمع من الفساد بإنشاء أجهزة الرقابة المالية والإدارية للدولة وإعطائها صفة الاستقلالية، لتقف حجر عثرة أمام فساد المفسدين وعبث العابثين، تعالج الهنات ومكامن الخلل ويُقوَّم أي اعوجاج، عن طريق تعزيز الرقابة الذاتية وغرس مفهوم الوطنية والانتماء، لبناء وطن سليم معافى تتأصل فيه صفات النزاهة والشفافية ويُمقت فيه الفساد والارتزاق والعشوائية والمحسوبية، وطن يكافئ المخلص والأمين ويعاقب المستغل والمسيء، كل ذلك أمر مهم، وهذا ما يأمله كل غيور على وطنه ومجتمعه!
تعليقات