خليل حيدر يتساءل: ماذا خسرنا بصعود الإسلاميين؟!
زاوية الكتابكتب نوفمبر 16, 2012, 12:10 ص 1090 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / ماذا خسرنا.. بصعود الإسلاميين؟
خليل علي حيدر
تأمل بألم وحسرة، في سنين العذاب هذه، مصر وتونس، باكستان وبلاد الافغان وكل ديار المسلمين.. ماذا ترى؟ انه التيار الديني والتعصب والتشدد القادم في ركابه، بثيابه الرثة الممزقة، يتجول في ربوع البلاد، رافعا فوق جمجمته منجله المخيف، مهددا مستقبل شعوب العالم الاسلامي وحياتهم وحرياتهم.
انظر الى العراق واليمن والصومال، وسورية التي يحاولون سرقة ثورتها، حيث ترتفع فوق كل مدينة وقرية وقبيلة اعمدة الدخان، والرايات السود التي تتاجر بالشهادتين، لتزرع التفجير والاغتيال، ولتهدم المدن وتجفف الآبار، وتقتل الفقراء والبؤساء، وتغتال ابسط الاحلام.
كبرى عواصم العالم الاسلامي محاصرة العقل والارادة، وكل من يفتح فمه معارضا منتقدا قد يغتال امام منزله او يخطف ابناؤه او يرش وجه ابنته وزوجته بماء الاسيد.
المناهج الدراسية مختطفة، الوزارات مسخرة، المساجد مستعبدة، الالسنة مقطوعة، ومغارات الجبال تعج باسلحة الاغتيال وجماعات الموت والانتحاريين.
عبثا يبلغ ابنك سن الرشد. وقد لا تراه بعد اليوم يخرج من المنزل فجرا ذاهبا الى المسجد، وقد تسمع او لا تسمع بعض الاخبار او الهمسات عن مصيره المفجع بعد شهر او بعض شهر. تحول ابنك الى قطع متناثرة بعد ان قتل في «استشهاده».. عشرات الشهداء.
شبح الموت وحامض الاسيد يقف بسحنته المرعبة أمام باب مدارس البنات في افغانستان، امام مساجد الشيعة والسنة في باكستان، وفي الاسواق ومجالس العزاء وطوابير افقر البؤساء اذ يبحثون عن العمل في العراق - اي بلاء هذا؟
التيار الديني وجماعات التشدد والاعتدال، والتطرف والوسطية، والمصرة على مواقفها «والمراجعة»، لكل ما خدعت به سنوات الشيب والشبان، يتلاعبون بمصير الناس واستقرار الدول ويمنعون دخول المسلمين حضارة العصر. ولا امريكا اللاتينية ولا آسيا ولا افريقيا. اين نجد شباب دين ما وقد حولوا العقيدة والدين والشريعة والمؤسسات التعبدية والمناسبات الدينية الى حزب سري؟ وجماعات منظمة وأمراء اسر؟ ومراكز دعوة ومدارس مغلقة وبنوك وشركات لا ربوية، ومؤسسات صيرفة ترى رأسها مشعا في الشارع وذيلها في الظلام.
التيار الديني وما اشاع من اجواء، لا يهدد الافراد وحدهم، ولا يرمي النساء والنصارى فحسب بالشر والشرر.. بل قد يختطف الدول والثورات. ان كان التيار حاضرا مشاركا منذ البداية، كما في ايران الشاه، فتلك مصيبة. وان جاء متأخرا متخفيا مترددا كما في مصر وتونس فالمصيبة اعظم. فهو لا يسلك دائما نفس الدروب ولا يلج دوما من نفس المداخل. وقد يلبس اي ملابس، وقد يأتي ملتحيا او حليقا، وقد يكون مخيف السحنة او تراه في ابهى طلعة! كان يمكن لباكستان التي انطلقت في استقلالها مع الهند واسرائيل ان تكون اليوم دولة مستقرة هانئة مثل سنغافورة. ولكنها تعج اليوم بمدارس الاطفال الدينية التي تغذي جماعات طالبان، وتحاصر شعبها اقسى جماعات الاغتيال والتفجير والفساد.
حتى من لا يقتلك بمتفجراته، مثل مفكرهم «ابو الاعلى المودودي»، يزرع في فكر جيل كامل من المدرسين والاطباء والمهندسين واهل الدعوة، والمتعاملين مع الكومبيوتر وكل ادوات الحداثة، مشاعر الاحتقار للحضارة والتقدم. ويدعوهم عبر كل مؤلفاته المترجمة الى كل لغات العالم الاسلامي، الى ازدراء مظاهر «الجاهلية المعاصرة».. والتصدي لها! هذا الفكر الذي نقل بحذافيره عبر الاخوان المسلمين وسيد قطب في مصر، وغيرهم في دول اخرى، الى عقول الآلاف في كل مكان. كيف تتقدم باكستان وهذا فكر نخبتها؟
ما الكارثة التي اصابتنا مع ظهور الاسلام السياسي عام 1928؟ ما الذي حل بنا منذ ان برز هذا التيار وهيمن على مفاصل حياتنا السياسية والاجتماعية؟ ما الذي حل بالايرانيين منذ عام 1979، ولماذا تقفز امم عديدة الى الامام وتزدهر حياتها وتعم في بلادها الرخاء، ونتخبط نحن في هذه البيداء وهذا الليل الذي ليس له آخر؟
لماذا تدخل كل ثورة او حركة كثورة يناير 2011 مثلا، مرحلة بناء الاقتصاد وانقاذ المجتمع، بينما يجد المصريون انفسهم اليوم في جدل حول تطبيق الشريعة والخوف من المرأة والاقباط، ومحاصرة الفنانين والمفكرين.
من قتل الحلم المصري؟ ومن اغتال آمال التونسيين؟ ماذا خسرنا حقا بصعود هذه الجماعات وبروز هذا التيار؟!
تعليقات