أمريكا تمشي إلى «الهاوية المالية» على أطراف أصابعها بقلم جيليان
الاقتصاد الآننوفمبر 12, 2012, 4:43 م 806 مشاهدات 0
منذ عقد من الزمان والاقتصاديون يميلون إلى القول في بعض الأحيان: إن الغرب كان يمر بعصر 'الاعتدال العظيم'، على الأقل بمعنى أن نسبة التضخم كانت معتدلة، وبدا المصرفيون المركزيون حكماء وعمل النمو الاقتصادي على تأكيد ذلك. وعندما تفجرت الأزمة المالية، استبدل 'عصر الاضطراب' بعصر الاعتدال (إذا كان لنا أن نستخدم عنوانا مناسبا بشكل ساخر من مذكرات ألان جرينسبان).
لكن الآن ترسخت عبارة ثالثة: عصر سياسة حافة الهاوية السياسية. ففي أعقاب فوز الرئيس باراك أوباما يوم الثلاثاء الماضي، كانت هناك تكهنات مكثفة بين المستثمرين بشأن ما إذا كانت أمريكا ستسقط في هاوية مالية في نهاية السنة، حيث إنها ترتطم برهان سقف الديون، وانتهاء التخفيضات الضريبية في عهد بوش، وخفض الإنفاق المخطط له مسبقا.
لكن ما يلوح الآن في الأفق ربما ليس 'سقوطا' ثنائيا بسيطا -أو صفقة ضخمة لتجنب تلك الصفعة- ولكن سلسلة من المواجهات المستمرة. ففي الأشهر المقبلة ربما يمشي الساسة على رؤوس أصابعهم إلى حافة الهاوية، بل ربما يثيرون بعض الأزمات الصغيرة، من خلال الإخفاق في عقد صفقة قبل انتهاء سقف الديون، مثلا، أو ظهور زيادة الضرائب في الأفق. وأظن أنهم سوف يرجعون من الكارثة على رؤوس أصابعهم أيضا، حاملين معهم آليات التأخير، قبل الشروع في سياسة حافة الهاوية أكثر من ذي قبل. وبالتالي قد تستمر لعبة الرقص على حافة الهاوية لفترة طويلة.
ويرفض بعض كبار المسؤولين في إدارة أوباما بشدة هذا السيناريو. وهم في النهاية يجادلون بأن نتائج انتخابات الثلاثاء الماضي تعطي الرئيس الثقة لفرض صفقة مالية كبرى، خصوصا أن لديه حافزا أقل لاسترضاء الناخبين في ولايته الثانية (والأخيرة). ومع أن السياسيين ظلوا يتجادلون لأكثر من عامين حول قضايا مالية، إلا أن الشروط تم وضعها على الأقل.
وبالتالي ليست هناك حاجة للقلق بشأن فشل الرئيس في دعم خطة الحزبين الجمهوري والديمقراطي 'بولز- سيمبسون' لعام 2010 لزيادة الضرائب وخفض الإنفاق. ويصر المتفائلون على أن ما يهم هو أن هذه الخطة موجودة كنقطة بداية للنقاش، ومن شأنها تسريع عملية المفاوضات.
هناك أيضا مسألة ثالثة: يتحدث قادة الأعمال الأمريكيون الآن –متأخرين- مع الاحتياطي الفيدرالي ويضغطون من أجل صفقة مالية كبرى، عن طريق خطة بولز ـ سمبسون، أو شيء من هذا القبيل. فهذا من شأنه أن يرفع أيضا من فرصة أوباما في عقد صفقة كبرى، أو هكذا تمضي الحجج.
لكن المشكلة هي أنه لكل عامل تقريبا في قائمة 'التفاؤل' تلك، شيء يقابل ذلك. مثلا، قد يكون لدى الرئيس الآن المزيد من الحوافز للضغط من أجل إبرام صفقة كبرى، لكن من غير الواضح ما إذا كان الأعضاء الجمهوريون في الكونجرس على استعداد للقيام بذلك أيضا.
وبالمثل، في حين أن قادة الأعمال يضغطون الآن من أجل عقد صفقة مالية كبرى، لا يوجد حتى الآن حدث خارجي درامي يمكن أن يجبر كلا المعسكرين السياسيين على التسوية. وفي النهاية، وافق الكونجرس فقط على دعم برنامج الإنقاذ المالي في عام 2008 بعد انهيار الأسواق. لكن الآن الأسواق هادئة للغاية، ويرجع ذلك جزئيا إلى سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي، والواقع أن العائد على سندات الخزانة لمدة عشر سنوات انخفض فعلا في الأسبوع الماضي. وفقدت التحذيرات الشديدة الصادرة من وكالات التصنيف –أو حتى صندوق النقد الدولي- بعضا من قدرتها على الصدمة. وما لم تسقط أمريكا في 'الهاوية'، فإن الإحساس بالدراما قد يبقى منعدما.
هناك أيضا مشكلة أكثر دقة وتعقيدا، وهي مشكلة هيكلية تتمثل في عدم تطابق الآفاق الزمنية. وكما لاحظ كلاوديو بوريو، من بنك التسويات الدولية في خطاب أخير، طفرات الائتمان وحالات الهبوط الحاد تحدث خلال دورات متعددة، وتتطلب بالمثل سياسات طويلة الأجل، إلا أن الدورة السياسية الأمريكية الفعالة تستغرق عامين. 'إن التطورات الاقتصادية التي تهم حقا الآن تأخذ وقتا أطول لتتكشف –الوقت الاقتصادي قد تباطأ قياسا إلى وقت التقويم– والآن اختصرت العوامل الاقتصادية الخاصة بآفاق التخطيط'.
هذا أمر مضر، فأي حزمة تعمل بشكل جيد ستحتاج إلى عنصرين حاسمين: المقايضات المالية طويلة المدى، النشطة والمحددة بوضوح، والتسلسل الذكي للسياسات (كأن تلي بعض الحوافز سياسة التقشف). وبالتالي ليس من السهل تقديم هذا.
لا شيء من هذا كان سببا في اليأس. فمن الأخبار 'الجيدة' أن المستثمرين كانت لديهم كثير من الفرص ليعتادوا على الرقص على حافة الهاوية في العام الماضي -على جانبي المحيط الأطلسي. وقد تستنزف عناوين الصحف المثيرة حول الكارثة الثقة، لكنها لم تعد تسبب صدمة كاملة على النحو الذي كان من الممكن أن تفعله في الأيام الذهبية لـ 'عصر الاعتدال'. لكن المشكلة على وجه التحديد كانت بسبب أن الأسواق أصبحت متعبة وغير مبالية بحافة الهاوية، ومن ثم قد يكون من الصعب جدا خلق الإحساس بالدراما في وقت مبكر لفرض اتفاق سياسي بين الحزبين.
وبالطبع، ما لم يجد أوباما القدرة على بدء مفاجأة جريئة أخرى، أو ما لم يفقد السياسيون والمستثمرون في نهاية المطاف –في وقت متأخر- صبرهم، فإن عصر الاضطراب سيترسخ مرة أخرى.
تعليقات