الدستور كما يراه يوسف المباركي ليس 'غلطة تاريخية'!
زاوية الكتابكتب نوفمبر 10, 2012, 11:56 م 763 مشاهدات 0
القبس
دستورنا وضعه رجال قرأوا المستقبل
يوسف مبارك المباركي
تمرّ علينا في هذه الأيام ذكرى مرور خمسين عاما على إصدار دستور دولة الكويت، ذلك الذي جمع بين النظامين الرئاسي والانتخابي، فجاء بمنزلة عباءة سياسية كويتية النسيج والنموذج، تنسجم مع قياسات المجتمع الكويتي، وتتفق مع مناخه السياسي والاجتماعي، وتلبي احتياجات نموه وتطوره.
يتكون هذا الدستور، الذي صدر في 11 نوفمبر 1962، من 183 مادة، ويُعدّ من أقوى الدساتير في الوطن العربي من حيث الصلاحيات التي منحها. لم يكن دستوراً صورياً، ولهذا السبب ربما، ولعلم السلطة بهذه الصلاحيات الواسعة، عملت على تعطيله.. منذ السنوات الأولى، فوضعت عددا من القوانين كي تكبّله، الى ان وصل الامر الى الانقلاب الأول على النظام الدستوري في عام 1976، ثم في عام 1980 أنشئت لجنة تنقيح الدستور. وفي عام 1986 تكرر الانقلاب ذاته على النظام الدستوري.
ولم تنجح أي محاولة من محاولات الانقضاض على هذا الدستور، رغم الأصوات العالية التي نسمعها بتنقيح أو تعديل الدستور، وكأن الرجال الذين وضعوه كانوا يستقرئون المستقبل، فوضعوا فيه ما يحميه من عبث العابثين، واشترطوا شروطا صارمة لمواجهة اي تعديل عابث. بل ومنحوه إمكانية أن ينفتح نحو منح المزيد من الحريات، كضد لأي محاولة للانتقاص من هذه الحريات.
ومع وجود أبرز القوانين المكبِّلة للدستور، نعني قانون رقم 35 مكرر الخاص بالصحافة والنشر، الذي كان سيفا مصلتا على الصحف، إلا أن هذا الدستور أثبت خلال الأزمات التي مرت بها الكويت أنه هو الحكم الصالح والفاعل بين المختصمين، وتحقق ذلك في مناسبتين:
أولا: عندما احتل العراق الكويت، وتوالت المبادرات من اليمين والشمال، وفي ضوء أن الدستور هو في حقيقته عقد بين الحاكم والمحكوم، وفي رقبة الكويتيين بيعة بينهم وبين الأسرة الحاكمة، كان رد الشعب الكويتي على تلك المبادرات هي التزامنا بدستورنا الذي ارتضيناه في عام 1962، فكان مؤتمر جدة الذي عقد من 13 – 15 في أكتوبر 1990 في المملكة العربية السعودية، وكان هذا رداً قاسياً على تلك المبادرات على اختلافها.
ثانياً: خلال أزمة الحكم في عام 2006، كان المخرج من الأزمة هو الاحتكام إلى الدستور، وتفعيل نص قانون توارث الإمارة المنظم لها.
لقد جاءت فصول الدستور الكويتي منسجمة مع خصوصية المجتمع الكويتي، ورُدّت على أعقابها أصوات من هنا وهناك تزعم أنه ناقص أو جامد.. إلخ. حقيقة الأمر أن هذا الدستور لم يمنح فرصة تطبيقه كاملاً بسبب اعتقاد البعض أنه «غلطة تاريخية» يجب أن تصحح، وهو اعتقاد يجانب الصواب، وهدفه ليس التعديل ولا التجديد، بل تقويض منجز تاريخي.
واليوم، ونحن نستذكر مناسبة مرور خمسين عاماً على صدور الدستور المنظم للحياة في الكويت، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، يجب أن نبتهل إلى الله أن يمد الله في عمر العم يعقوب يوسف الحميضي، أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور، فكل الشكر له، وأن يتغمد الله برحمته من وافته المنية من أولئك الرجال الذين وضعوا الكويت نصب أعينهم، فوضعوا الأساس المتين لأهلها، وحفظوها من عاتيات الدهر، فحققوا قوله تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا».
تعليقات