الحكومة الإيطالية تدير أصول المافيا المصادرة بقلم إريك سيلفرز

الاقتصاد الآن

1237 مشاهدات 0


إذا كانت إدارة فندق كبير في خِضَم أزمة مالية وسوق متقلصة تبدو صعبة، فلتحاول النجاح في ذلك عندما تتم مصادرة بناية من 14 طابقاً من المافيا.

'لتسم هذا جسارة أو ربما حماقة، إنني لا أدري، ولكنني اعتبرتها كأي وظيفة أخرى يمكنني القيام بها،' يقول لوجي ترشيو معسول الكلام الذي عينته المحكمة مسؤولاً عن فندق قصر سان باولو ومركز المؤتمرات في جزيرة صقلية.

إن الترويع من جريمة المدير المحلي واكتشاف أن عشيقته كانت من بين طاقم العمل ما هي إلا بعض التحديات التي واجهها ترشيو على مدار 19 عاماً على تعيينه من قبل المحكمة لإدارة الفندق الذي يضم 283 غرفة ويقع على حافة مدينة برانكاسيو التي تنتشر فيها المافيا المجاورة لباليرمو عاصمة جزيرة صقلية.

ومهمته هي استئصال الموظفين الذين لا يزالون يستمعون للمدير المسجون وإعادة التفاوض في العقود المبرمة رسمياً مع المافيا.

وبما أن ترشيو لا يزال مسؤولاً عن سان باولو فهذا مؤشر على تمهل وتيرة النظام القضائي الإيطالى. من الأمور المسلم بها أن تمضي عشر سنوات بين مصادرة أصول شخص ما لكونه متهماً بتورطه في جريمة منظمة وبين حكم المحكمة النهائي بانتقال الأصول إلى الدولة. وفي معظم الأحيان، كما هو الحال مع قضية سان باولو، تستغرق أعواماً عديدة حتى تجد الحكومة مشترياً، في الوقت الذي تعاني فيه الشركات أو يضعف أداؤها، ما يؤدي إلى فقدان الوظائف وعدم الاستقرار الاجتماعي.

'لقد أصبحت متعلقاً بهذا الفندق ولا يتوجب على ذلك، لأنه عاجلا أم آجلا ستقوم الحكومة ببيعه ويتحتم على الرحيل' وفقا لما يقوله ترشيو أثناء سيره في الفندق المترامي الأطراف بمنظره المطل على البحر، وفيه قاعة محاضرات تتسع لـ 900 مقعد وحوض سباحة على السطح مع آفاق بانورامية خلابة على باليرمو والساحل.

عانت أكثر من 1600 شركة مصادرتها في إيطاليا بما فيها شركات تشييد ومقدمي خدمات صحة وتعدين وبنية تحتية وفلل وشركات الكروم والفنادق والمحال التجارية الكبيرة من نقص فرص الحصول على الائتمان.

ولتلبية المتطلبات دشنت مجموعة من كليات ومؤسسات الأعمال هذا العام دورة لما بعد التخرج وذلك بتوفير تدريب رسمي عملي لراغبي أن يصبحوا مديرين ما بعد المافيا.

'نحن بحاجة إلى مديرين محترفين للمشاركة وهذا ليس للمحافظة على الشركة من الإغلاق فحسب بل ولتطويرها مما يمكننا من إظهار هذا عندما تتغلب البلاد على المافيا وهذا لا يعني فقدان الوظائف'، حسبما تقول ماريلا كارمزا، الممدير العام بـ 'فوندازون إستد'، كلية إدارة أعمال تقع بالقرب من ميلان، التي تقود الدورة جنباً إلى جنب مع اثنين من الكليات وهما 'بكوني' في ميلان و'لويس' في روما. 'يجب علينا أن نظهر أنه عندما تدار هذه الشركات بشكل قانوني يمكن أن تكون مربحة وهذا من شأنه أن يجلب فرص العمالة إلى المجتمع'.

تميل الشركات التي تديرها المافيا إلى أن تكون سخية في توزيع الوظائف محلياً لبناء توافق في الآراء في الحي. وأقر ترشيو أن طاقم العاملين المكون من 71 من الأتباع ربما أكثر مما يحتاج، ولكن لم يتم فصل سوى أولئك الذين قد تورطوا في التعامل مع المافيا.

تلقت 'فوندازون استد' 250 طلباً بخصوص 63 مقعداً في الدورة لمدة خمسة أشهر، الذي تموله 'الديا'، وهي مؤسسة تمثل مديري الجمعيات في 'لومباردي'، و'أسولومباردا'، رابطة أصحاب العمل الإقليمية.

'فرصة القدرة على المشاركة بطريقة ما لمساعدة تلك الشركات للنجاة والانتعاش أمر ملح للغاية ولهذا تقدمت' كما يقول أنطونيو باردو، البالغ من العمر 49، مستشار تسويق وحسابات الذي تلقى الدورة التدريبية.

تم الجمع بين 12 يوما من العمل داخل الفصول الدراسية، مع محاضرين منهم قاضي مكافحة مافيا الجريمة المنظمة التي تعانيها منطقة كالابريا، مع 30 يوما من الزيارات للشركات. ويضيف باردو قائلاً: 'لقد قرأنا جميعاً عن أعمال غسل الأموال، ولكن مع الزيارات الميدانية ودراسات الحالة تمكنا بأنفسنا من رؤية حدوث هذا على أرض الواقع'.

وكان من الطلاب عشرة نساء ممن درسوا الخصائص المالية للأصول التي تم مصادرتها، مثل العقود غير المحكمة للمافيا مع الموردين والبدائل للمافيا كموارد التمويل.

وهذه هي المهارات التي على ترشيو أن يتعلمها حول الوظيفة.

'وصلت عند باب الفندق أحمل حقيبتي ومعي وثيقة للمحكمة تبين أنني أتولى زمام المسؤولية، ولا أحد هنا لديه أي فكرة عني' كما يقول ترشيو. كان يبلغ 30 سنة عند توليه المسؤولية في عام 1994، بعد ثلاث سنوات فقط من افتتاح الفندق. وأضاف: 'تلقيت بعض التهديدات في البداية، بما في ذلك قالوا لي إن ابتعد عن أموالهم، ولكن على العموم لم أواجه أي مشكلات'.

ولأول وهلة، فإن سان باولو يشبه أي من الفنادق الأخرى التجارية المتوسطة التي تنتشر في المدن من نيويورك إلى سيدني، فهو يحتوي على الاستقبال السار نفسه، والأرائك الجلدية في البهو واللمسات المحلية ـــ في هذه الحالة دهانات أسماك التونة، التي هي واحدة من الصناعات المحلية المهمة.

ولكن استخدام الألواح الخشبية العتيقة والاستخدام المفرط للمرايا يُعدُّ استحضاراً لحقبة ماضية، ودون وجود علامات إعادة التصميم، فإن سان باولو تظهر عصرها. وقد اتبعت عاما قياسيا للإيرادات في 2007 من قبل الانخفاض المطرد.

وقد استثمرت خمسة عشر كيلومترا إلى الشرق في بلدة باغريا، واستثمر أندريا دارا، محاسب آخر عينته المحكمة كمسؤول، بل حوَّل عيادة الطب سانتا تيريزا للأشعة النووية إلى تجارة مزدهرة. وهذا بفضل الرهن العقاري والمدير المختص الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي.

'ليس كل من عينته المحكمة محظوظاً في أن يكون مديراً جيداً لذلك من المهم أن يكون المديرون المدربون الذين يمكن أن يأتوا مع أفكار واضحة'، على حد تعبير دارا، متحدثا في ظل أشجار الليمون خارج العيادة. وأضاف قائلاً: 'يمكن أن يترك مديري المنصب ومن ثم ماذا أفعل إن لم يكن هناك شخص مدرب بشكل صحيح وعلى استعداد للمشاركة؟'.

مثل ترشيو، وجد دارا أن لديه عددا كبيرا من الموظفين عند توليه زمام الأمور، ويقدر أنه ليس هناك حاجة لأكثر من 40 من أصل 120 موظفاً ممن تم التعاقد معهم لتأدية هذه المهام، فقام بإعادة التدريب مجموعة منهم، بما في ذلك 11 سائقاً ليصبحوا فنيين طبيين.

ويقول مارسيلو لاسغلى، مشارك آخر في الدورة التدريبية، إنه مستعد لمساعدة دارا وغيره من المديرين، ولكنه غير متأكد ما إذا كان سوف يحصل على فرصة أم لا. ويضيف: 'حتى مع وجود قانون ينص على ضرورة إرسال مدير مهني، إلا أن المحكمة عينت مسؤولاً، وهناك خطر من أننا لن نتمكن في الواقع من تطبيق ما تعلمناه'.

حتى الآن لم يتم التعاقد مع أي من الـ 63 مديرا المتدربين حديثاً من قبل الحكومة ولكن تقول السيدة إنها تتوقع أن يكون هناك تغير. حيث إنها قدمت الأسبوع الماضي الدورة في مؤتمر حضره كبار المسؤولين الحكوميين.

'إن الدورة قد أظهرت أنه يمكن فعل شيء لمكافحة المافيا ولكن إن لم نشارك هؤلاء المديرين في مواقعهم فلن ننجح'، كما يقول رومانو امبروجي رئيس مجلس إدارة الديا.


السيطرة

حق لوجي ترشيو، المسؤول المعين من قبل الحكومة لعدد من الأصول التي صادرتها الدولة بما في ذلك فندق سان باولو في باليرمو، في إدارة هذه الشركات:

*المعرفة الجيدة بمن تعمل معهم – كلاهما ممن هم مختصين بهذا النوع من العمل، ليس هذا فحسب بل ومن يمكنك الوثوق بهم. 'عند تولي المسؤولية عن شيء مصادر من المافيا يكون العمل مع محام يعرف تمام المعرفة ما يجب فعله بما في ذلك صياغة العقود' بحسب قوله، وأضاف: 'من الصعب تخيل أنه حتى أفضل المحامين في ميلان قد لا يكونون على دراية بكيفية فعل هذا. وأيضاً في باليرمو يوجد عدد قليل ممن يعرفون ذلك.

*فهم الفروق الدقيقة للشركة. 'إدارتك فندقا في ميلان لا تعني أن لديك المعرفة أو الكفاءة لفعل الأمر نفسه بشكل جيد في باليرمو. فعليك أن تكون لديك المعرفة المحلية والأشخاص الذين يمكنك اللجوء إليهم'.

*كل شيء لا بد أن يكون على أكمل وجه - 'وما دون ذلك ستقع في مشكلات، فلا يتسنى لك التخلص من بعض الأركان هنا وهناك. وبفعل هذا تكون قد قضيت على نفسك لأنه في هذه الحالة سوف تكون فريسة الابتزاز وهذه هي نهايتك'.

 

 

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك