المكافحة الشعبية للتضخم بين المقاطعة والتوعية بقلم د. عبد العزيز الغدير
الاقتصاد الآننوفمبر 8, 2012, 12:28 ص 672 مشاهدات 0
قاطعوا الدجاج لكي تنخفض أسعاره ويرتدع أصحاب مزارع الدجاج وتجاره ثم قاطعوا الألبان لترتدع شركات الألبان، قاطعوا قطع وكالات السيارات واتجهوا لشرائها من مواقع الإنترنت العالمية وغير ذلك من الدعوة إلى المقاطعة كثير في إطار جهود شعبية للحد من التضخم الذي بات يشكل مصدر قلق كبير لأرباب الأسر السعودية في ظل نمو بسيط للمرتبات في السنوات العشر الماضية لا يتناسب ومعدلات نمو التضخم في أسعار النفط وما ترتب على ذلك من ارتفاع في أسعار العقارات والخدمات محليا وأسعار الكثير من السلع الضرورية والكمالية عالميا. هذه الحملات بدأت تتزايد لعدة أسباب أهمها تمكن المواطن من صناعة المحتوى الإعلامي وبثه أو نشره واستهلاكه بكل سهولة ويسر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة وفاعلية أجهزة التواصل الحديثة وبرمجياتها وذلك في ظل عدم فاعلية البرامج والرقابة الحكومية للحد من الارتفاع المستمر والكبير للعقار والمواد الغذائية، وما يترتب على ذلك من ضيق في العيش، فالدخل شبه ثابت والأسعار تتزايد بل وتقفز بشكل فجائي بنسبة تصل إلى 30 ـــ 40 في المائة في القفزة الواحدة حتى أصبحنا نسأل عن السعر الجديد كلما ذهبنا لشراء سلعة أو خدمة وكأن الأصل في المسألة الارتفاع وليس الثبات أو التناقص. من المحزن في الارتفاعات ما ذكره لي أحد الأصدقاء عندما ذهب لشراء فطيرة جبن اعتاد على شرائها، حيث ارتفع سعرها بنسبة 33 في المائة عن سعر اليوم الذي قبله ما جعله يتذمر أمام البائع الذي قال ارتفعت أسعار الجبن فرفعنا السعر ما جعله يتقبل الموضوع على مضض إلا أنه وجد ما هو أكثر غبناً، حيث لاحظ رداءة الجبن ونقص الكمية ما يعني أن السعر ارتفع والكمية نقصت والجودة تردت في آن واحد وهي حيلة تعمد إليها الكثير من الشركات للحد من ارتفاع الأسعار ليستمر نمو مبيعاتها في ظل مشكلة ارتفاع أسعار المدخلات (المواد الأولية والعقارات وتكلفة الأيدي العاملة، والطاقة). الشركات في مجملها إلا ما ندر من الشركات المحتكرة لسلعة أو خدمة بسبب التكتل الاحتكاري غير القانوني أو بسبب نظام الوكالات العالمية تعاني كما يعاني المواطن من التضخم لكون ارتفاع الأسعار يضعف القدرة الشرائية للمستهلكين لتنخفض بالمحصلة مبيعاتهم وأرباحهم خصوصا بالنسبة للسلع والخدمات الكمالية التي يمكن أن يستغني المواطن عنها، وأكاد أجزم أن هذا هو السبب الرئيس لفشل الكثير من حملات المقاطعة لأنها تضغط على عنصر مهم وحيوي من عناصر السوق وهو العنصر المقدم للسلعة أو الخدمة الذي يعاني كما يعاني المستهلك من ارتفاع الأسعار ولا يمكنه أن يستمر في تقديم منتجاته أو خدماته ما لم تحقق أرباحاً فكيف إذا كانت ستحقق خسائر ما لم ترفع أسعارها. نعم لا يمكننا أن نلوم شركات الدواجن لأنها رفعت الأسعار ونحن نعلم أن أسعار العقارات ارتفعت وأسعار العمالة كذلك والأهم ارتفاع أسعار المواد الأولية لتربية الدواجن وهي الأعلاف، وكذلك الأمر لأي شركة أخرى ترفع الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، نعم هناك حالات تبالغ في الارتفاع أو لا تريد أن تقلل هوامش أرباحها في أي ظرف اقتصادي كان إلا أنها حسب النظريات الاقتصادية والعرض والطلب والأسعار سوف تعاني إذا أعرض عنها المستهلك لوجود البدائل في سوق مفتوحة كالسوق السعودية ذات البدائل المتعددة. السؤال الذي خطر في بالي وأظنه يخطر في بال الآخرين: ما جدوى حملات المقاطعة من حيث الفاعلية؟ وهل ستتلاشى أهميتها بمرور الزمن ويعرض المستهلك عنها لعدم فاعليتها؟ وللإجابة عن ذلك أقول نحن أمام أربع جهات يمكن أن تقاوم التضخم وهي الحكومة والشركات والنخب الشعبية القيادية والمستهلك، والحكومات يقلقها التضخم لما له من آثار سلبية متعددة على الوطن والمواطن والاستقرار والتنمية وفي حالتنا عملت الحكومة على التخفيف عن المواطن في قطاعات كثيرة وحققت نجاحات كالطاقة والاتصالات والنقل إلا أنها لم تفلح في الحد من التضخم إلا بنسب بسيطة في العقار والغذاء لضعف أدوات السيطرة على القطاع العقاري، ولكون التضخم في أسعار الغذاء تضخم مستورد ومرتبط بانخفاض الدولار ومشاكل الزراعة الدولية، والحكومة ما زالت متخوفة من تغيير سعر صرف الدولار أو زيادة الرواتب بشكل كبير بسبب الاعتماد الكبير على النفط متذبذب الأسعار ما يجعلها تركز على برامج الدعم بدلا من ذلك. الشركات حسب علمي المحلية والدولية تبذل جميع الجهود في إطار المنافسة للوصول إلى أفضل جودة بأقل سعر تنافسي بالنسبة للخدمات والمنتجات المتعلقة بالطبقة المتوسطة وما دونها على اعتبار أن الطبقة الغنية تفضل المنتجات غالية الثمن، وحسب علمي أنها تحقق نجاحات هنا وهناك إلا أنه بالمحصلة ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج من عمالة ومواد أولية تدفعها لرفع الأسعار. بقيت النخب الشعبية التي تستخدم وسائل الاتصال الحديثة لتوجيه المستهلك واستخدامه كوسيلة للحد من التضخم لحمايته، ولكن وللأسف الشديد ما زالت هذه النخب تركز على المقاطعة غير الفاعلة لكون الشركات المنتجة للسلع والخدمات لا يمكن أن تخفض الأسعار ما لم تنخفض تكاليف مدخلات الإنتاج، والمستهلك وإن قاطع لفترة لا يمكنه الاستمرار في المقاطعة تحت ضغط الحاجة إلى هذه السلع والخدمات وكل ما يستطيع فعله هو الاستعمال الأمثل للدخل حسب أولويات الصرف والتوجه لبدائل أقل جودة وأقل سعرا والسعي لزيادة دخله من بدائل أخرى غير المرتب الذي يحققه من الوظيفة. ولذلك أتطلع إلى أن تتجه النخب الشعبية لرفع درجة وعي المستهلك لتقنين الاستهلاك وخفض الطلب الفائض عن الحاجة كحل بديل وفعال لينخفض الطلب محليا ثم عالميا لتثبت أو تتراجع الأسعار، لينخفض إسراف الميسورين وغيرهم الذي انعكس سلبا على ارتفاع معدلات السمنة من ناحية وارتفاع كميات النفايات العضوية وغير العضوية من ناحية أخرى.
تعليقات