الصناعة وصحة الإنسان وسلامة البيئة بقلم فضل بن سعد البوعينين

الاقتصاد الآن

714 مشاهدات 0


 

تحرص الدول الصناعية المتقدمة على تحقيق التوازن الأمثل بين الصناعة، والمحافظة على صحة الإنسان وسلامة بيئته، ومن أجل تحقيق ذلك الهدف الرئيس تقوم بسن القوانين الصارمة التي لا يمكن خرقها أو الالتفاف حولها من قبل الشركات الصناعية؛ بل إن بعض المدن الغربية تتشدد في وضع اشتراطات بيئية إضافية لا تتضمنها قوانين الدولة؛ على أساس أن لسكان المدينة كامل الحق في سن ما يرونه من تشريعات إضافية لرفع سقف الحماية.

تُشكل تجربة مدينة (دريسدن Dresden) الألمانية في صناعة السيارات مثالاً حيا لقدرة الغرب على تحقيق التوازن بين الصناعة وحاجتهم للأنشطة الاقتصادية من جهة؛ وبين صحة الإنسان وحماية البيئة من جهة أخرى. تضم المدينة مصنعاً لإنتاج سيارة «فايتون» الفاخرة؛ المنتمية لمجموعة Volkswagen. آلية تشغيل المصنع؛ المتوافقة مع اشتراطات البيئة؛ سمحت له بالتواجد في قلب المدينة.

أنشئ المصنع وفق طراز هندسي بديع أهله ليكون معلماً من معالم المدينة؛ أبدع مصمموه في بناء جدرانه الخارجية من الزجاج الشفاف الذي يسمح بمشاهدة تفاصيل الإنتاج من الخارج؛ أما أرضية المصنع فمكسوة بـ (الباركيه) الفاخر. ينظم المصنع جولات يومية لزوار المدينة ولكل من يرغب بمشاهدة المصنع من الداخل. يُفاجأ الزوار بمستوى النظافة، والمعايير الصناعية الصارمة التي لا تسمح بتلوث الأرضيات بمخلفات التصنيع؛ وعلى غير العادة؛ يرتدي جميع العاملين في الداخل بدلات خاصة ناصعة البياض.

اشترطت المدينة على شركة (VW) عدم دخول الشاحنات المحملة بقطع الغيار وأجزاء التصنيع؛ لحفظ أجواء المدينة النقية من التلوث؛ وخصصت (تراماً) كهربائياً يتولى عملية شحن احتياجات المصنع من قطع التصنيع بمعدل رحلة واحدة في اليوم. القوانين البيئية الصارمة لم تمنع شركة (VW) من إنشاء أحد أكثر مصانعها تميزاً في ألمانيا؛ وتحقيقها الربحية والتنافسية التي قد تقودها مستقبلاً لتجاوز بعض الشركات الرائدة في صناعة السيارات الفاخرة.

تجربة مصنع (VW) الفريدة، ومعاييره الصارمة المطبقة في عمليات التصنيع؛ إضافة إلى اشتراطات مدينة (دريسدن) البيئية التي قدمت مصلحة الإنسان والمكان على المكاسب المادية؛ أجبرتني على المقارنة بين اهتمام الغرب وتشددهم في قوانين وأنظمة التصنيع المتوافقة مع حماية البيئة؛ وبين تفريطنا المطلق في وضع معايير الأمن والسلامة؛ وتهاون الجهات المسؤولة في الجوانب التشريعية والرقابية والتنفيذية، بما يحقق أعلى معدلات الحماية للإنسان وبيئته المحيطة.

لو قُيض لنا أن نمتلك عُشر ما يمتلكه سكان مدينة (دريسدن) من ثقافة بيئية، وحرص على صحة الإنسان، وتقديرهم المخاطر المتوقعة، لما تعرضنا لانفجار الغاز المتسرب من شاحنة الموت التي كانت تجوب مدننا دون أن تجد من يردعها؛ أو يقنن رحلاتها على أقل تقدير. اهتم الغرب بالصناعة؛ ولم ينسوا الإنسان وبيئته؛ فسعوا إلى تحقيق التوازن الأمثل بينهما برغم التكاليف المرتفعة؛ أما نحن فاهتمامنا بالصناعة أنسانا أهمية الإنسان؛ وحماية البيئة.

قبل التفكير في التنمية الصناعية، ونشر المصانع الخطرة حول المدن المكتظة بالسكان، وتقديم الخدمات بطريقة بدائية محفوفة بالمخاطر، يجب أن نفكر ملياً بالأضرار، وكيفية حماية المجتمع منها. ما خلفته شحنة الغاز المدمرة من أضرار جسيمة في شرق الرياض ليست إلا نُقطة في بحر الأخطار التي قد تتسبب بها مصانع الغاز، تكرير النفط، البتروكيماويات، والشاحنات مستقبلا. صحة الإنسان وسلامة البيئة مقدمتان على دعم وتنمية الصناعة، وجمع الأموال، فلا خير في مال يُخلف لنا الأمراض والمخاطر والدمار.

 

الآن:الجزيرة

تعليقات

اكتب تعليقك