اقتصاد الحج وآليات التفعيل بقلم فهد العيلي
الاقتصاد الآنأكتوبر 24, 2012, 2:25 م 680 مشاهدات 0
على صعيد عرفة الطاهر يقف غدا أربعة ملايين حاج تقريبا يؤدون مناسكهم باطمئنان تام في ظل ما وفرته لهم الدولة من إمكانات أمنية وتنظيمية وصحية يتجاوز معها ضيوف الرحمن كل معاني التعب والمشقة المرتسمة في الأذهان.
ونعرف تماما أن الدولة - رعاها الله - تقوم بذلك دون مردود مادي، بل واجب ديني تتشرف به منذ أن قرر الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلغاء الرسوم التي كانت تؤخذ من الحجيج كل عام.
أنفقت الدولة آلاف المليارات في توسعة الحرمين وبناء بنية تحتية تليق بمكانة الحرمين الشريفين، وحشدت قواتها الأمنية وأجهزتها التنظيمية لتسهيل الحج والعمرة إلى مكة المكرمة، حيث تهوى أفئدة الحجيج من كل فج عميق.
وإذا كانت الدولة قد استغنت عن تحصيل أي رسوم على القادمين لبيت الله الحرام منذ أمد بعيد، فإننا يجب ألا نغفل الشأن الاقتصادي لموسم الحج والعمرة والتعاملات غير المباشرة التي تتبع قدوم هذا الحشد السنوي الكبير، وما ينفق بشكل مباشر في السكن، المواصلات، شراء الهدايا، حركة التنقل، والتسوق، والطيران، وغيرها من خيارات لم تفرضها الدولة أو تتدخل فيها، إنما تركت للمصالح المرسلة بين الناس ''ليشهدوا منافع لهم''.
وهذا يستدعي النظر برؤية عصرية للملف الاقتصادي لشعيرة الحج بما يتلاءم مع مكانة المملكة الاقتصادية، خاصة إذا علمنا أن عددا كبيرا من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي التي تقود الجانب الاقتصادي للحج، إضافة إلى فرص العمل الموسمية وغير الموسمية التي يصنعها الجانب الاقتصادي للحج كقيمة مضافة. ولا أقصد بذلك فرض مزيد من الأعباء على الحجيج، بل العكس تماما، إنما إعادة النظر في الخدمة المقدمة من جميع جوانبها، وهناك تساؤلات كثيرة حول هذا الملف، هل الخدمات التي تقدمها مؤسسات القطاع الخاص من فنادق وشركات إسكان وطيران ومؤسسات تغذية ومواصلات تتلاءم مع ما ينفقه الحاج؟ هل هي أعلى أم أقل؟ هل يمكن زيادة الإنفاق وتحسين جودة الخدمة؟ هل الحج متاح للطبقات الدنيا والمتوسطة في كل الدول في ظل هذه الخدمات أم هو حكر على الطبقات العليا من المجتمعات؟ هل تتناسب الخدمات المقدمة مع الأعداد الوافدة أم العكس؟ كم ينفق هؤلاء الحجاج إجمالا؟ وكم المردود الاقتصادي منه المباشر وغير المباشر؟ وهل يستطيع الحاج أن يعود ليؤدي الفريضة مرة أخرى؟
إن هذه الأسئلة الملحة وغيرها - في رأيي - لا تحتاج إلى إجابات فردية واجتهادات عشوائية، بل إلى فريق عمل مؤهل ومتخصص في اقتصاديات الحج ليفتينا فيها كل عام في كشف حساب يكون مرجعا لتطوير مؤشرات الأداء السنوي، ولعل أبرز مثال لغياب ثقافة الاهتمام بالجانب الاقتصادي للحج غياب الإحصائيات الدقيقة لمعدلات إنفاق الحجاج والمعتمرين، فخلال إعدادي لكتابة هذا المقال وجدت تصريحات متضاربة لأكاديميين ولجان في الغرف التجارية، فهناك من قدر الإنفاق السنوي للحج بـ 20 مليارا وهناك من قدره بـ 25 وأيضا بـ 30 مليارا، ولم أجد إحصائية واضحة سوى عدد التأشيرات الممنوحة التي تجاوزت تسعة ملايين تأشيرة للحج والعمرة خلال العام الماضي وفق بيانات مصلحة الإحصاءات العامة. ويرى الدكتور عابد العبدلي أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى في تصريح نشرته ''الاقتصادية'' عام 2009، أن نسبة إنفاق الحجاج توزعت بنحو 35 في المائة لقطاع الإسكان، 25 في المائة للهدايا والقطع خفيفة الحمل، 28 في المائة لقطاع المواصلات، 9 في المائة للغذاء، و3 في المائة رسوم خدمية. وهي نسب يبدو أنها من تقديرات الدكتور العبدلي ولا تخضع لتحليل ميداني أكثر دقة.
لقد سبق أن تم طرح الكثير من المقترحات حول الاستفادة من تنشيط الجانب التسويقي للحج مثل إقامة مصانع مساندة في مكة والطائف، وتنشيط مطار الطائف الدولي، وتحسين الخدمات على الطرق البرية المؤدية إلى مكة وأولها طريق الرياض - الطائف الذي يعد شريانا رئيسا في حركة الحجاج البرية إلى مكة، وكذلك طريق المدينة - جدة، وما زالت هذه المقترحات حبيسة الأدراج، لذلك أتمنى من الجهات المختصة مثل وزارتي الحج والاقتصاد وإمارة منطقة مكة أن تبادر إلى إنشاء مركز متخصص في اقتصاديات الحج تستقطب له أفضل الكفاءات الاقتصادية التي تجعل منه مرجعا علميا واقتصاديا له دوره المستقبلي في تطوير الأداء ومراجعة الخدمات المقدمة، كما أتمنى أن تبادر الجامعات إلى إنشاء كراسي متخصصة في دراسة اقتصاديات الحج، وتوجيه أقسام الدراسات العليا في الجامعات السعودية، خصوصا جامعة أم القرى وجامعتي الطائف والملك عبد العزيز، للمساهمة في هذا الجانب من خلال تخصيص جزء من أبحاثها لسد العجز وتخريج متخصصين في هذا الجانب المهمل رغم أهميته الكبيرة، أما الغرف التجارية فهي مدعوة للمبادرة بالشراكة مع الجهات الأخرى كوزارة الحج ووكالة التنمية في إمارة منطقة مكة المكرمة والهيئة العليا للسياحة ومعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة لتبني عقد مؤتمر سنوي لتفعيل الجانب الاقتصادي للحج وتطوير الأداء المؤسسي لمقدمي الخدمات، وتعزيز تنافسيتهم ببعض الجوائز المبتكرة واستعراض التجارب الناجحة. وأزعم أن تسعة ملايين حاج ومعتمر سنويا يستحقون ذلك وأكثر في بلد العطاء.
تعليقات