'النملة' اليوم تصرخ رافضة السكر وتطالب بالحرية.. المطيري منبهاً

زاوية الكتاب

كتب 1911 مشاهدات 0


النهار

ناصر المطيري

 

بعد ان أخذ «وجبة تعذيب» على الناشف في أقبية جهاز الأمن بسبب تمرده السياسي وخروجه بمظاهرات للمطالبة بحقه ورفع الظلم عن أبناء قريته، اقتيد للمثول أمام كبيرهم وقف منهكا مستسلما فبادره الضابط الكبير ذو الملامح الجافة المرعبة وقال له عبارة بليغة في معناها خطيرة في مغزاها، قال للمعتقل: انت لازم تعيش زي النملة، ويرد المعتقل باستسلام وهلع : «حاضر أعيش نملة، وأمشي جنب الحيط»، فقال له الضابط حتى لو مشيت جنب الحيط ممكن تنداس بالأقدام، حتعمل أيه؟ فرد المعتقل أخرم خرم في الحيط واستخبى فيه، فسأله: طيب النملة بتأكل أيه؟ فأجابه النملة تأكل سكر، فقال الضابط وأنت كمان اذا كنت عاوز تأكل سكر لازم تعيش نملة !
هذا جزء من حوار دار بين المعتقل «جودة» المواطن الفقير البسيط وبين رجل الأمن الكبير في الفيلم المصري «صرخة نملة» لمؤلفه الكاتب طارق عبد الجليل، والحوار السابق يعكس ذهنية الكثير من الأنظمة العربية وعقليتها الأمنية ونظرتها المحتقرة لآدمية المواطن الإنسان.
وتلك النظرة كانت سائدة بل مترسخة في عالمنا العربي لما قبل صحوة الربيع العربي الذي أيقظ الشعوب من سبات الاستعباد، شعوب عربية كانت تأكل «السكر» مقابل صمتها واختبائها وغض طرفها عن الظلم والقهر الذي تمارسه السلطة وجلادوها في دول تحولت الى سجون كبيرة لشعبها، هذه الشعوب التي عليها ان تختار بين سكر السلطة أو علقم الهجرة.. ولنا في سورية مثال يغنينا عن الشرح والتعليل..
الحقبة العربية الماضية التي عاشتها الشعوب في ظل انظمة استبداد ولاتزال بعضها تعيش بقايا تلك الحقبة وتناضل للتخلص منها هي حقبة انكمش فيها الصدق وارتفعت هامة الكذب وتوارت الشجاعة وساد الجبن، فانزوى الوفاء ونشطت الخيانة ونكس العدل رأسه وعم الظلم وتعالت صيحات النفاق وغنت شياطينه على انغام المحظوظية والمحسوبية قصائد المدح الوثني الذي يمتهن آدمية الانسان ويزري بالمادح والممدوح كما يقول الخبير الدستوري المرحوم د. عثمان عبدالملك.. وكل ذلك بسبب غياب الحرية التي خمدت في النفوس..
ورغم صحوة الضمير العربي واستنهاض همم الشعوب لاتزال بعض الأنظمة العربية وقياداتها تمارس لعبة القمع مع شعوبها دون وعي وادراك لمتغيرات الواقع وحركة الزمن، يعتقدون ان لغة النار هي وسيلة ناجعة لكسر ارادة الشعوب، ولم يستفد أحد منهم من تجربة من سبقه من الساقطين والمخلوعين الذين فهموا الدرس متأخرا. 
يا أيها القادة ان النملة التي بالأمس تلقون لها بالسكر فتأكله في جحورها بصمت هي اليوم تصرخ رافضة السكر وتطالب بالحرية.. فهمتم؟

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك