العمل بقلم د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
الاقتصاد الآنسبتمبر 21, 2012, 1:41 م 1309 مشاهدات 0
كدت أن أنسى الكتابة حول المعلقة التي لاحظتها قبل أسبوعين في مطار أبو ظبي وأنا في طريق عودتي إلى الرياض. لقد كانت عباراتها جميلة وبليغة ومعبرة ورائعة مثلها مثل قائلها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عليه الرحمة. لقد شدتني تلك العبارات المكتوبة بخط أبيض على خلفية حمراء على الفور. ولذا رأيت نفسي لا إرادياً أسحب الآيفون والتقط صورة لها. فلقد كنت أخشى ألا تسعفني الذاكرة لاستعادة معانيها متى ما أردت. فإليكم حرفياً ما طبعته الكاميرا: إن الثروة الحقيقية هي العمل الجاد المخلص الذي يفيد الإنسان ومجتمعه وأن العمل هو الخالد والباقي وهو الأساس في قيمة الإنسان والدولة. نعم لقد أوشكت أن أنسى، في زحمة المشاغل، طرح الموضوع على القراء الأعزاء لولا الدراسة التي نشرت منذ أيام حول أكثر المدن غلاء في العالم. فقد أشارت هذه الدراسة التي أعدها بنك يو بي إس السويسري إلى أن أوسلو وزيورخ وطوكيو هي أغلى مدن العالم وأن مومباي ودلهي هي الأرخص. وقد يستعجل البعض ويتساءل وما علاقة هذه الدراسة بما جاء في المعلقة المشار إليها. ولكن مهلكم. فتصنيف المدن المذكورة أعلاه قد تم على أساس عدة معايير من ضمنها العمل. فمثلاً تشير الدراسة إلى أن سكان طوكيو يحتاجون للعمل 9 دقائق لكسب ما يلزمهم لشراء شطيرة همبرغر بينما في نيروبي يتطلب الأمر العمل 84 دقيقة. وفي زيورخ واسطنبول يحتاج الناس للعمل 13 و 42 دقيقة على التوالي لشراء تلك الشطيرة. أما جهاز الآيفون فإنه يكلف سكان زيورخ 22 ساعة عمل بينما القاطنون في مانيلا يلزمهم العمل 20 ضعف تلك المدة لشراء نفس الجهاز. وأعتقد أن الأمر هنا له صلة بالإنتاجية في المدن محل الدراسة. فالناس في أمريكا وأوروبا وآسيا وأفريقيا تنتج خلال دقيقة أو ساعة من العمل كمية متفاوتة من البضائع والخدمات. والإنتاجية تحددها أمور عدة على رأسها التعليم والخبرة وأدوات الانتاج التي يستخدمها الناس أثناء عملية انتاجهم للسلع والخدمات. فهناك مثلا ً من يستطيع خلال 22 ساعة إنتاج ما يعادل قيمة الآيفون كما هو الحال في طوكيو وهناك من يحتاج لأضعاف تلك المدة. وعلى هذا الأساس فإن عرض السلع والخدمات والطلب عليها ليس متساوياً في كل بلدان العالم. وهذا بدوره يؤثر على الأسعار. نحن طبعاً في البلدان النفطية لدينا آلية أخرى تحدد مستوى الدخل والأسعار والرفاهية وهي الطلب على النفط في السوق العالمية. ولذلك فنحن لا نندرج ضمن المعايير الدولية لقياس الثروة طالما بقينا معتمدين على إنتاج سلعة واحدة. وللأسف فإنها سلعة ناضبة. ولذلك فثروتنا هي كذلك. فالثروة الحقيقية التي بناها العالم الصناعي القديم منه والجديد قد جاءت ثمرة إدراكهم منذ القرن السابع عشر مقولة الاقتصادي الانجليزي وليم بيتي : العمل هو أبو الثروة، والأرض هي أمها.
تعليقات