صناعة الاتصالات تواجه تحديات ضعف تمويل النمو بقلم روبن
الاقتصاد الآنسبتمبر 20, 2012, 2:18 م 545 مشاهدات 0
عندما أنشأ عصام درويش ووليام سعد شركتهما للاتصالات، 'آي إتش إس'، في المركز التجاري النيجيري في العاصمة النيجيرية لاغوس عام 2001، اصطدم المهندسان من أصل لبناني بمأزق شائع يحدث لرجال الأعمال الطموحين في إفريقيا، وهو كيفية تمويل هذا المشروع.
على الرغم من الدعم الممتاز لمجموعة موتورولا الأمريكية، العميل الأول لها، كانت فترة القروض الممنوحة من المصارف المحلية 'قصيرة جداً ومكلفة للغاية'، كما يقول درويش، الرئيس التنفيذي لشركة آي إتش إس. ويضيف: 'بمجرد أن قمنا بسداد قرض واحد كان علينا الحصول على آخر'.
أصبحت الآن 'آي إتش إس' إحدى الشركات الرائدة وصاحبة ومديرة أعمدة الهاتف الجوال في جميع أنحاء غرب إفريقيا التي دعمت ثورة الاتصالات في القارة. وتمكنت الشركة من النمو من خلال عدة جولات لجمع الأموال، بما في ذلك قائمة في البورصة المحلية واستثمارات الأسهم الخاصة. ولكن لا تزال مشكلة جمع الأموال في إفريقيا أمراً 'صعباً للغاية'، على حد قول درويش.
هذه ظاهرة شائعة في معظم أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. في حين أن الدول العربية في شمال وجنوب أفريقيا تتمتع بنظم مالية ناضجة بالمقارنة مع عديد من البلدان النامية، وظلت بقية القارة سوقا غامضة للرأسمالية العالمية.
هذه المشكلة لا تعوق الشركات الصغيرة فقط ولكن أيضا تعوق توسيع نطاق الكبيرة منها التي يمكن أن تصبح بطلا محليا. ويصرح أوستن أوكري، الرئيس التنفيذي لمجموعة كمبيوتر ويرهوس في نيجيريا، التي ساعدت على إدخال آلات الصرف الفوري للبلاد، بأن: 'كثيرا من الشركات التي لديها إمكانات تموت لأنها لا تملك المال لتمويل النمو'.
قد يكون التغيير على قدم وساق، على الرغم من ذلك. منجذبين بالنمو القوي في جميع أنحاء القارة خلال العقد الماضي، بدأ المستثمرون الدوليون في وضع مزيد من المال للعمل في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وفي نفس الوقت، يتزايد تفاؤل المديرين التنفيذيين والاقتصاديين وصانعي السياسات بصورة مؤقتة حول تطور أسواق رأس المال، وهذا بدوره يمكن أن يساعد على وضع القارة على المسار الصحيح لتحقيق نمو أكثر استدامة وسرعة.
وسط صعود الغرب إلى الازدهار في القرن السابع عشر والثامن عشر، لا تزال أسواق رأس المال - رغم الانفجارات الكبيرة للحماسة والذعر المدمر - محركا مهما للاقتصاد الحديث.
صرح جيروم بوث من شركة أشمور، مقرها لندن، مدير صناديق تركز على الأسواق الناشئة أن: 'الإدارة آخذة في التحسن، ويمكن أن تكون الأسواق الرأسمالية الأكثر عمقا الشيء الإيجابي الكبير التالي'.
وقد حدثت موجة التفاؤل الأخيرة بشكل جزئي بسبب العوامل الخارجية، حيث ضخ المستثمرون الدوليون، الذين لحقهم الضرر بسبب ذبول أسواق الأسهم الغربية وتم إيقافهم بسبب العوائد المتقطعة للسندات العالمية الأكثر تقدما، مليارات الدولارات في الأسواق الناشئة في السنوات الأخيرة.
ومع تراجع العائدات في الاقتصادات النامية الأكثر انتشارا - مثل البرازيل وروسيا والهند والصين، وأسواق ما تسمى ببلدان بريكس – فإن كثيرا من البلدان تتحرك خلسة نحو حدود أمامية جديدة لإجراء عمليات استكشاف.
'يبحث الأشخاص دائما عن الفرصة الكبيرة القادمة'، على حد تعبير نافتيج ناندرا من ذراع إدارة الأصول لمصرف مورجان ستانلي. ويضيف قائلاً: 'منذ عقد من الزمان كانت الفرصة لبلدان بريكس والآن هي للأسواق الحدودية مثل إفريقيا'.
على الرغم من أن القارة لا تزال أفقر من معظم بلدان بريكس، فإن التوقعات مواتية. يقول ديفيد كوان من 'سيتي جروب' إن إفريقيا يمكن أن تمثل 7 في المائة من الاقتصاد العالمي بحلول عام 2040 - مقارنة بنسبة 4 في المائة فقط في عام 2010. ورغم أن هذا يشمل الدول العربية الغنية وجنوب إفريقيا، إلا أنه من المتوقع أن الجزء الأكبر من الأرباح سيكون في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.
يعد إقبال المستثمرين قويا بشكل خاص على السندات الحكومية المقومة بالدولار. وقد شجع هذا عددا كبيرا من البلدان، بما في ذلك نيجيريا وناميبيا وأنجولا وزامبيا، على الاستفادة من أسواق الدين الدولية لأول مرة. عديد من البلدان الآن يستمتعون بخفض تكاليف الاقتراض أكثر من إسبانيا أو إيطاليا. 'ليس هناك ما يكفي من السندات الإفريقية لتلبية الطلب'، كما يقول فلوريان فون هارتيج من مصرف ستاندرد في جنوب إفريقيا. في الواقع، وضع المستثمرون الأسبوع الماضي 12 مليار دولار لطلبات لسندات تقدر بـ 750 مليون دولار تصدر لأول مرة في زامبيا. تعتبر مبيعات السندات السيادية مهمة، لأنه يمكنها إعداد المرحلة لأكثر من إصدار من خلال إنشاء مؤشر بأن المصارف المحلية والشركات يمكنها استخدام مثل هذا المعيار لتسعير السندات الخاصة بهم.
حتى الآن لم يكن هناك سوى قليل من مبيعات سندات الشركات الدولية، بأغلبية ساحقة من جانب المصارف. ومن بين الشركات الرائدة 'افرين'، مجموعة النفط بقيمة سوقية تصل إلى 1.5 مليار جنيه استرليني تعمل في الغالب في نيجيريا، حيث باعت أول سند لها للمستثمرين الدوليين في أوائل عام 2011، بعد فترة وجيزة من أول ظهور سيادي في نيجيريا، بزيادة 500 مليون دولار. وتبع ذلك عرض آخر بـ 300 مليون دولار هذا العام، التي زادت تغطيته بـ 13 ضعفا.
شعر دارا كومين، المدير الماليفي شركة افرين، بالقلق إزاء الاستقبال الذي ستحظى به الشركة - على الرغم من وجود ختم البورصة الرئيسية - ولكنها كانت مفاجأة سارة. ولاحظ أنه، 'كان هناك طلب كبير خاصة من المستثمرين في الأسواق الناشئة'.
ومع ذلك، فإن النطاق المتاح للشركات للاستفادة من أسواق الدين الدولية من المرجح أن يكون محدوداً. فنادراً ما ينظر مدير الأصول الكبيرة إلى سندات أصغر من 300 مليون دولار، كما تحتاج المجموعات الإفريقية إلى موارد قليلة من هذا الطلب. وعلاوة على ذلك، اعتاد المستثمرون الدوليون على معايير لإدارة الشركات والشفافية أعلى مما هو عليه الأمر في شركات إفريقية كثيرة.
وبالنسبة لمعظم أسواق السندات المحلية- حيث تحسب الأوراق المالية بالعملة المحلية- تكون واعدة بشكل أكبر. فالمستثمرون في الغالب مصارف محلية وصناديق تقاعد وشركات تأمين جنبا إلى جنب مع المستثمر الدولي الغريب المقدام أو صناديق التحوط.
كانت الحكومات بدلا من الشركات عموما هي أكبر مصدري السندات المحلية وكانت الأسواق صغيرة وحركة التداول فيها ضعيفة. أضف إلى ذلك، أنه كان يتعين على الحكومات أن تدفع معدلات أعلى في الوطن مما هي عليه دولياً، وهو ما يعني أن عديدا من المصارف المحلية كانت تفضل ببساطة شراء الديون السيادية بدلا من إقراض الشركات المحلية.
ولكن هناك أسباب تدعو للتفاؤل، بحسب قول ستيوارت كالفرهاوس كبير الاقتصاديين في 'إكسوتيكس'، بيت الاستثمار التي تتخصص في البلدان غير التقليدية. ويضيف: 'إن هذه الأسواق المحلية نامية في معظم الحالات، وهذا قد يؤهلها في نهاية المطاف إلى إصدار سندات للشركات'.
على الرغم من أن نيجيريا تفتخر بامتلاكها أكبر سوق للسندات المحلية، إلا أنه يمكن القول إن كينيا هي الأكثر تقدما. وتحقق كل من موزمبيق وتنزانيا وبوتسوانا تقدماً في هذا المجال، ومعظم بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لديها الآن ما لا يقل عن أسواق ناشئة للديون المحلية.
تشرع بورصة بوتسوانا، على سبيل المثال، في عملية إنشاء نظام إلكتروني لتسعير السندات ومؤشر السندات المحلية، ولتثقيف الشركات على مزايا مبيعات الديون، هذا وفقا لحيران منديس الرئيس التنفيذي للبورصة، الذي يقول: 'نريد حقا تشجيع مزيد من تمويل السندات'.
هناك أيضا جهود خارقة تبذل لتحسين طريقة عمل أسواق السندات المحلية. وقد أطلق المصرف الإفريقي للتنمية مبادرة الأسواق المالية الإفريقية- على غرار البرنامج الآسيوي الذي أنشئ في أعقاب أزمة عام 1997 المالية في المنطقة - لتعزيز أسواق السندات المحلية. ويأمل المصرف في نهاية المطاف رعاية صندوق سندات مخصص لإفريقيا.
الاقتراض من أسواق السندات المحلية لا يزال مكلفا للغاية، بمعدلات غالباً ما تصل إلى أرقام من خانتين. ولكن من المرجح أن تنخفض التكاليف نظراً لنضج الأسواق. فهناك علامات بأن العائدات المنخفضة للسندات الحكومية تشجع المستثمرين المحليين على شراء مزيد من سندات الشركات. ولدى عديد من الدول أيضاً معدلات ادخار مرتفعة وإذا ما تم ترجمة هذه إلى قواعد مستثمر محلي أكبر فستستفيد الأسواق المحلية بشكل أكبر. يمكن للبورصات الإفريقية أيضاً القيام مع مستثمرين محليين بشكل أكبر وأكثر نضجا. ففي الأيام البهيجة المشرقة قبيل الأزمة المالية كان هناك اهتمام متزايد من المستثمرين الدوليين نحو بورصات جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية – جميعها مصنف من قبل مقدمي المؤشر الرئيسى مثل 'الأسواق الحدودية' وهي إحدى الأسواق الواقعة تحت تصنيف أكثر الأسواق الناشئة - ولكنهم تركوا في أسراب أزمة 2008. وقد أصبح المستثمرون المحليون المتأثرون بالأزمة أكثر حذرا من أسواق الأسهم. ونتيجة لذلك، يقبع عديد من الأسواق تحت الذروة التي حققوها في عام 2007، وهناك ندرة في عمليات طرح جديدة. حتى نيجيريا التي تتمتع بأكبر سوق للأوراق المالية في المنطقة، جاهدت من أجل استعادة نشاطها. ويشير بسمارك ريواني، من شركة استشارية للمشتقات المالية مقرها لاجوس، إلى أنه كان هناك طرح عام أولي تقريبا كل أسبوعين قبل الأزمة ولكن الآن القليل منها تم طرحه منذ ذلك الحين. ويقول: 'لا يزال هناك تشاؤم محلي ورغبة رأس المال في السوق صغيرة'.
ولا يوجد عائق أمام مديري الصناديق الدولية المتخصصة في الأسواق الحدودية وذلك بحجة أن المستثمرين الآخرين تفوتهم فرصة رائعة. ويوضح سفين ريتشر من إدارة نهضة الأصول الروسية أن عديدا من الشركات المدرجة لا تزال تحقق نمواً سريعاً وتسدد أرباحاً جيدة.
الشركات الأخرى أكثر احتراساً، ويقر ديريك إيروين من 'ويلز فارجو' لإدارة الأصول بأنه بالإمكان، ولكنه يقول: إني لا أضع كل ما أملك من نقود خاصة بتعليم أطفالي في هذه السوق'. ويقول معلقاً: 'إن كنت تعتقد في وجود مشاكل فساد في الصين أو روسيا فلتذهب إلى إفريقيا'.
في الحقيقة لا يزال هناك كثير من المشككين، فبعض المستثمرين يقول: 'إن إفريقيا ستظل الشيء الكبير القادم'. وهم يوضحون أن عديدا من الدول لا تزال تعاني الكسب غير المشروع وانعدام الاستقرار السياسي والأخطاء المتسلسلة للسياسة الاقتصادية وضعف البنية التحتية الأساسية. وأيضاً القوانين واللوائح المحلية الخاصة بالأسواق الرأسمالية ضعيفة في أحسن الأحوال.
قدمت ساحل العاج تذكيرا غير مرحب به حول هذه المخاطر عندما تسببت انتخابات عام 2010 الرئاسية في المواجهة بين لوران غباغبو الذي يشغل منصب الرئاسة حالياً ومنافسه الحسن أوتارا، المنتصر والمعترف به دوليا. ففي الحرب الأهلية القصيرة التي تلت ذلك تعثرت البلاد عن سداد ديون السندات الدولية. وعلى الرغم من هذا فقد استأنفت عملية التسديد، وسلط هذا الموقف الضوء على الأنظمة السياسية الهشة للقارة في كثير من الأحيان. ويقول بعض المستثمرين أيضاً إن القارة تعتمد كثيرا على الطفرة التي تشهدها أسعار السلع. ومع تباطؤ نمو الصين، قد يتراجع مورد كبير للنمو. ومع ذلك فقد يمكن القول جدلاً إن انتعاش أسعار السلع الأولية حجب التقدم الاقتصادي الذي أحرزه عديد من البلدان الإفريقية. ويشير كوان من 'سيتي جروب' إلى أنه حتى البلدان التي فيها صادرات سلعية ضئيلة أحسنت صنعا في الآونة الأخيرة. ويقول إنه يمكن إرجاع فقط ثلث طفرة النمو في العقد الماضي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ارتفاع أسعار الموارد الطبيعية.
تغيير المفاهيم سيستغرق وقتاً طويلاً ولكن عديدا من المستثمرين على الأقل بدأوا يأخذون الأمر بجدية أكبر في القارة. ويشير مارك موبيوس، مدير الأصول في قسم الأسواق الناشئة في شركة فرانكلين تمبلتون، إلى أنه ثبت خطأ المتشائمين من قبل. ويقول: 'اعتاد الناس على قول إن للبرازيل مستقبلا عظيما، ولكن ربما يكون كذلك فانظر الآن إليها'.
ويتفق ستيفن لوبسر من شركة إنفستك لإدارة الأصول في جنوب إفريقيا على أن هذه هي الصفقة الحقيقية ويعتقد أن الناس ستستيقظ في غضون عشر سنوات ويرون أنهم فقدوا فرصة كانت سانحة أمامهم.
تعليقات