لا يمكن تصوّر وجود نظام ديمقراطي في غياب الأحزاب السياسية.. بنظر الديين
زاوية الكتابكتب أغسطس 15, 2012, 9:23 م 877 مشاهدات 0
عالم اليوم
الإمارة الدستورية
أحمد الديين
بعد البيان الأخير الذي أصدرته كتلة الغالبية في مجلس 2012 متضمنا الدعوة إلى “تفعيل الإمارة الدستورية” عاد مجددا إطلاق التصريحات الإعلامية الرافضة وأحيانا المتبرئة من هذه الدعوة، بما فيها تصريحات بعض أعضاء هذه الكتلة أنفسهم، بحيث يجري تصوير الدعوة إلى “تفعيل الإمارة الدستورية” وكأنّها دعوة للانقلاب على الدستور والنظام الأميري، مع أنّ العكس قد يكون صحيحا!
فقد خطت الكويت قبل نصف قرن أولى خطوات انتقالها إلى الإمارة الدستورية وذلك بعد إقرار دستور 1962، إذ كانت الإمارة قبل العهد الدستوري إمارة تقليدية مطلقة شهدت في بعض مراحل تطورها أشكالا من الشورى العرفية، فجاء إقرار الدستور بعد نيل الكويت استقلالها ليضع الأسس لبناء الدولة الكويتية الحديثة في ظل نظام أميري دستوري، وبذلك أصبحت سلطات منصب الإمارة محددة بالدستور وصلاحياتها مقيّدة بأحكامه، ولم يعد الأمير مثلما كان الوضع قبل العهد الدستوري يتولى سلطاته مباشرة، وإنما أصبح يمارسها بواسطة وزرائه في ظل معادلة دستورية تقوم على طرفين، فالكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح وفقا للمادة الرابعة من الدستور، وفي الوقت ذاته فإنّ نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا وفقا للمادة السادسة من الدستور... ولا أحسب أنّ حسني النوايا من رافضي دعوة “تفعيل الإمارة الدستورية” يدركون أنّهم برفضهم “الإمارة الدستورية” إنما يرفضون من دون أن يقصدوا الوضع الدستوري القائم، وأنهم يريدون، وهم في الغالب ليسوا كذلك، العودة بالكويت إلى عهد ما قبل الدستور والحكم المطلق!
والمؤسف في المقابل أنّ معظم رافعي شعار الإمارة الدستورية، وليس جميعهم، يقفز على حقيقة أنّ النظام الدستوري الحالي في الكويت يمثّل أحد أشكال الإمارة الدستورية، التي لما تكتمل بعد، ذلك أنّ اكتمال الشكل الأرقى من الإمارة الدستورية، مثلما هي الحال في نظم الملكيات الدستورية، إنما يتحقق في ظل النظام البرلماني الديمقراطي... وبالتالي فإنّه بدلا من التعامل مع الإمارة الدستورية كشعار سياسي ملتبس، فإنّ المطلوب هو طرح برنامج واضح للإصلاح السياسي الديمقراطي يضع الأسس لانتقال نظامنا الدستوري من الطريق الوسط بين النظامين البرلماني والرئاسي إلى النظام البرلماني الكامل، وذلك بعيدا عن الجدل السطحي والاستفزازي بين دعاة “الإمارة الدستورية” ورافضيها.
ويجد الانتقال إلى النظام البرلماني الكامل سنده التاريخي وتأصيله الدستوري في المناقشات الهامة التي جرت في العام 1962 بين أعضاء لجنة إعداد الدستور في المجلس التأسيسي، حيث كانت غالبيتهم تؤيد قيام نظام برلماني، بينما كان الشيخ سعد العبدالله وحده يصر على قيام نظام رئاسي، إلى أن تمت التسوية المؤقتة في إطار “دستور الحدّ الأدنى”... كما أنّ النظام البرلماني هو مآل التطور الديمقراطي للنظم الوراثية في العالم من الممالك والإمارات، بما في ذلك في المغرب والأردن، وإن كان ذلك يتم ضمن خط تطور لا يخلو من تناقضات وصراعات.
والأهم من رفع شعار “الإمارة الدستورية” والخلاف حولها، أن تتجه الجهود بعد صدّ العبث السلطوي في النظام الانتخابي نحو إقرار قانون ديمقراطي مستحق لإشهار الأحزاب السياسية، إذ لا يمكن تصوّر وجود نظام ديمقراطي، برلمانيا كان أم رئاسيا أو وسطا بينهما، في غياب وجود أحزاب سياسية، وذلك بالترابط مع إسراع مجلس الأمة المقبل في وضع نظام انتخابي عادل يقوم على التمثيل النسبي... فهذه مطالب ديمقراطية ملموسة وقابلة للتحقق، بدلا من الصراع غير المجدي حول شعار عام يختلط معناه ويُساء فهمه!
تعليقات