الجاسم يحذر السلطة من الحراك القادم

زاوية الكتاب

الجرأة الشعبية من مؤشرات قرب تحقق أهداف 'الإمارة الدستورية'

كتب 2206 مشاهدات 0

من الأرشيف

بين خطابين!

محمد عبدالقادر الجاسم

من الواضح أن المسافة تزداد اتساعا بين 'خطاب السلطة' و'الخطاب الشعبي' في الكويت.. ومن الواضح أيضا أن مضمون كل خطاب منهما يتعارض تماما مع الآخر، حتى أنه لم تعد ثمة قواسم مشتركة بين الخطابين.. وهذه مسألة في غاية الأهمية والخطورة.

خطاب السلطة مكرر، ويدور حول تطبيق القانون والتنمية ومحاربة الفتنة في المجتمع والشباب.. خطاب لا يقوى على الصمود نصف نهار، فتصرفات السلطة تطيح بمضمونه فورا. كما يركز خطاب السلطة على 'الوضع القائم' بهدف تحقيق نتائج فورية محدودة، ولا يحسب حساب المستقبل إطلاقا.

أما الخطاب الشعبي، فإنه تغير كثيرا في الآونة الأخيرة، فهذا الخطاب يركز حاليا على 'الإمارة الدستورية' و'الحكومة المنتخبة' من جهة، وعلى الإصلاح الدستوري والسياسي من جهة أخرى. كما أن الخطاب الشعبي اتسم مؤخرا بالجرأة 'الجماعية' الواضحة، ولعل 'التايم لاين' في 'التويتر' يشهد على ذلك، فحملة 'العدل أساس الملك' و'الأمة مصدر السلطات' التي انطلقت لحظة إلقاء صاحب السمو أمير البلاد خطابه، تحمل دلالات مهمة لا يجوز تجاهلها في سياق مراقبة وقياس درجة الجرأة الجماعية في التعبير السياسي.

خطاب السلطة ومخططها يركز على 'اللحظة الراهنة' فقط، مثل تمرير مشروع تعديل الدوائر الانتخابية، والتحكم في نتائج الانتخابات القادمة، وإقصاء بعض الشخصيات الفاعلة حاليا من المشهد السياسي.. أما الخطاب الشعبي فإنه (يؤسس) لإحداث تغييرات سياسية جذرية، و(يمهد) الطريق لتطبيق الإمارة الدستورية وتقليص السلطات الواقعية للشيوخ. وفي ظني أن نجاح السلطة في تمرير مخططاتها قصيرة المدى، التي تشكل استفزازا وتحديا للإرادة الشعبية، سوف يؤدي حتما إلى نجاح المساعي الشعبية بعيدة المدى في وقت أقصر.. بل أن تصرفات السلطة المتوقعة في الأيام القادمة سوف تعجّل في نجاح المشروع الشعبي في التطوير السياسي. ففي البيان الأخير 'لكتلة الأغلبية'، تخلى نواب مجلس 2012 عن 'الذهنية الانتخابية' البحتة في مواجهة مخططات السلطة، وتحولوا إلى ممارسة العمل السياسي البحت، وهو ما يعني تحررهم من متطلبات الانتخابات، الأمر الذي سوف يؤدي حتما، في حال ثباتهم على موقفهم الجديد، إلى تغيير 'قواعد اللعبة السياسية' ووسائل مواجهة مخططات السلطة.

إن تحرر بعض النواب في مجلس 2012 من متطلبات الانتخابات، وتصاعد نبرة خطابهم السياسي، وارتفاع منسوب الجرأة الجماعية لدى الشباب والبحث عن فرص للمواجهة مع السلطة، وشيوع النقاش العام حول فكرة الإمارة الدستورية بين مؤيد ومعارض.. كل هذا مؤشرات مهمة على تنامي قوة الرأي العام حتى وإن تعدد الرأي واختلف.. في المقابل، وعلى خلاف ما يراه البعض، فإنني أرى مؤشرات مهمة على فقدان السلطة عزمها وقوتها.. تغيير رئيس الحكومة السابق، حل مجلس 2009، نجاح المعارضة في انتخابات فبراير 2012، عدم توفر القدرة الذاتية لدى الحكومة لحل مجلس 2012، اللجوء إلى المحكمة الدستورية لإسقاط قانون الدوائر الانتخابية الخمس، السعي للحصول على غطاء قضائي لإصدار مرسوم ضرورة لتعديل الدوائر الانتخابية.. هذا بخلاف الاعتماد على الطقس الحار وأجواء شهر رمضان والعشر الأواخر وليلة القدر وعطلة العيد ثم الرطوبة.. كل ما سبق تعد إشارات على ارتخاء قبضة السلطة على الأمور وليس العكس إطلاقا.

ولتوضيح الصورة أدعو القارئ إلى عقد مقارنة بين أدوات السلطة اليوم، وأدواتها في يوم أحداث ديوان الدكتور جمعان الحربش في نهاية عام 2010! صحيح أن السلطة ما تزال متمسكة في مشروعها السياسي، إلا أنها فقدت الكثير من عزمها، وهي الآن، حسب تقديري، تقوم بمحاولة أخيرة قبل التخلي عن هذا المشروع. ولو تم استخدام القوات الخاصة لمواجهة أي احتجاجات شعبية قادمة ولدعم المشروع السياسي، فإن النتيجة الوحيدة المضمونة هي اقتراب الكويت أكثر وأكثر نحو تطبيق الإمارة الدستورية.

إن الوقت ليس في صالح مشروع السلطة إطلاقا، حتى لو نجحت في إعداد قانون جديد للدوائر الانتخابية ونجحت في التحكم في نتائج الانتخابات القادمة وسعت إلى تنقيح الدستور، فإن كل هذه 'النجاحات' ستكون مجرد وقود للحراك الشعبي المتحفز، لذلك فإنني أتمنى حقيقة أن تدرك السلطة ذلك من تلقاء نفسها الآن وليس في العهد القادم، وأن تتخلى عن مشروعها الذي فات أوانه، وأن تتراجع عن حالة الخصام السياسي، وأن تكون شريكا في التغيير الحتمي لا عائقا أمامه. وعيدكم مبارك وعساكم من عواده..

 

ميزان- مقال يفرض نفسه

تعليقات

اكتب تعليقك