في مقال خص به ((الآن)):

زاوية الكتاب

ثقل العجمي يكتب عن 'البدون والحق في التعليم'

كتب 3360 مشاهدات 0

د. ثقل سعد العجمي

البدون والحق في التعليم

د. ثقل سعد العجمي
أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الكويت

قبل يومين من كتابة هذا المقال تلقيت اتصالات هاتفية من د. رنا العبدالرزاق ود. شيخة المحارب (مجموعة 29) يستفسران عن الحلول القانونية لبعض المشاكل التي يواجهها الأفراد المنتمين لفئة البدون في الكويت, ومنها حرمان ما يقارب 300 طفل ممن بلغوا سن السادسة من الحق في التعليم الابتدائي بسبب أن أوراقهم الثبوتية غير كاملة.  وإنني إذ أؤكد على حقيقة سبق لي قولها في مناسبات عديدة, وهي أننا نعيش في الفترة الذهبية للعنصرية في الكويت بكل أشكالها وصورها, بما فيها العنصرية الممارسة ضد البدون, بل إن الكويتيون أنفسهم يعانون من هذه العنصرية, إذ يوجد من ينادي بقصر حقوق المواطنة على فئة دون فئة, ويكفينا في ذلك أن نرى النجومية التي يتمتع بها دعاة العنصرية في الكويت وكيف أصبحوا - وبدون مقدمات - من رموز المجتمع وقادته.  ورغم ذلك كله فإن واجبي الأخلاقي والقانوني يحتم علي أن أوضح الجانب القانوني لهذه المشكلة, وهي واحدة من عشرات المشاكل التي يعاني منها البدون في الكويت, وذلك من باب التثقيف القانوني للعموم من جانب, ومن باب تسليح المعنيين بالأمر بالمعرفة القانونية حتى يحاولوا نيل حقوقهم بالوسائل القانونية من جانب آخر.

والوثائق القانونية المتعلقة بالحق في التعليم باعتباره حقا أساسيا من حقوق الإنسان كثيرة ومتنوعة من أهمها ما يلي:
أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948, والذي تعتبر أهم وثيقة عالمية لحقوق الإنسان, حيث جاء فيه أن 'لكل شخص الحق في التعليم', وأنه يجب 'أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان' (المادة 26).  وحتى لا يقول قائل أن هذا الحق قاصر على المواطنين دون غيرهم, فإننا نقول إنه على الرغم من وضوح النص في حديثه عن 'الأشخاص' وهي عبارة تشمل المواطنين وغيرهم, كما أن طبيعة الحق في التعليم باعتباره من الحقوق الأساسية لكل إنسان تقتضي ذلك, فإن المادة 2 من الإعلان حسمت هذا الموضوع وبينت أن الحقوق التي تضمنها الإعلان هي لجميع الأفراد دون أي تمييز لأي سبب, حيث جاء فيها 'لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان, دون أي تمييز, كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر, أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر, دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.  وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود'.  ومع ذلك فقد يشكك أحدهم في إلزامية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره صدر بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي لا تصدر قرارات ملزمة, وهذا رأي له ما يسنده على الرغم من أن الرأي الراجح في الفقه الدولي يذهب إلى خلاف ذلك ويعتبر الإعلان تقنين لقواعد القانون الدولي العرفية الملزمة قانونا, لذا فإننا سوف نذهب فيما يلي للنصوص القانونية التي لا يخالف أحد في إلزاميتها.

ثانيا: اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 والتي تمت المصادقة عليها من قبل دولة الكويت بمقتضى المرسوم رقم 104 لسنة 1991, فبعد أن عرفت هذه الاتفاقية الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة (المادة 1), وأنه لا يجوز التمييز بين الأطفال عند تمتعهم بالحقوق المنصوص عليها في هذه الاتفاقية لأسباب تتعلق بـ'عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الاثني أو الاجتماعي, أو ثروتهم أو عجزهم, أو مولدهم, أو أي وضع آخر' (المادة 2), جاءت المادة 28 صريحة في تنظيم الحق في التعليم لهذه الفئة فقالت '1- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم, وتحقيقا للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا وعلى أساس تكافؤ الفرص, تقوم بوجه خاص بما يلي: ( أ )- جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحاً للجميع'.

ثالثا: ميثاق حقوق الطفل العربي والمصادق عليه بمقتضى المرسوم رقم 36 لسنة 1993, والذي ألزم الدول الأطراف بمنح الأطفال العرب مجموعة من الحقوق الأساسية من بينها الحق في التعليم, حيث جاء في الفقرة 11 من البند (ب) أنه يجب على الدول الأطراف 'تأكيد وكفالة حقه التعليم المجاني والتربية في مرحلتي ما قبل المدرسة والتعليم الأساسي –كحد أدنى'.

رابعا: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 والذي تمت المصادقة عليه بمقتضى القانون رقم (11) لسنة 1996, حيث جاء في المادة 13 منه ما يلزم الدول الأطراف بـ'وجوب جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحاً بالمجان للجميع'.

وإذا كانت إلزامية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قابلة للنقاش, فإن إلزامية الوثائق القانونية المشار إليها في البنود ثانيا, وثالثا, ورابعا لا مجال للاجتهاد فيها فهي ملزمة ليس فقط على المستوى الدولي في مواجهة باقي الدول الأطراف, ومن ثم تشكل مخالفتها انتهاكاً لالتزام دولي,  بل هي ملزمة كذلك على المستوى الداخلي إذ إن الاتفاقية الدولية بعد المصادقة عليها سواء بمرسوم تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 70, أو بقانون تطبيقا للفقرة الثانية من المادة 70 من الدستور, تكون قانوناً داخلياً شأنها في ذلك شأن القوانين الداخلية التي يصدرها مجلس الأمة, ومن ثم ترتب حقوقا والتزامات مباشرة للأفراد والسلطات باعتبارهم من المخاطبين بما تضمنته من أحكام قانونية.

وبناء على الأحكام القانونية التي تضمنتها هذه الاتفاقيات (أو القوانين الداخلية بعد المصادقة عليها) فإن التعليم الابتدائي يجب أن يكون إلزاميا ومتاحا وبالمجان لجميع الأفراد سواء كانون مواطنين أو غير ذلك, إذ إن التمييز بين الأفراد عند ممارستهم لهذا الحق لأي سبب من الأسباب بما في ذلك التمييز المتعلق بالجنسية يعتبر أمر غير جائز.  لذلك فإن حرمان أطفال البدون من الحق في التعليم الابتدائي لأن أوراقهم الثبوتية غير كاملة يُعد أمرا غير جائز, وذلك بسبب أن عدم اكتمال أوراقهم الثبوتية إنما يرجع لخطأ ارتكبته الدولة في حقهم حينما رفضت تصديق عقود زواج البدون ورفضت إصدار شهادات ميلاد أطفالهم حتى يأتي الوالد والوالدة بورقة من اللجنة المركزية مذكور فيها جنسية دولة معينة, حتى وإن كان هذا الفرد لا يرتبط بهذه الدولة, وهو ما رفضه الكثير من المنتمين لفئة البدون.  كذلك فإن ما جرى عليه العمل في السابق هو الاعتداد ببلاغ الولادة باعتباره الورقة الرسمية الوحيدة التي يمتلكها أطفال فئة البدون والسماح لهم بالتسجيل في المدارس تقديرا للواقع الذي يعيشه أفراد هذه الفئة. وأخيرا فإنه لا يجوز شرعاً ولا قانوناً أن يؤخذ الأطفال بجريرة والديهم حتى وإن اعتبرنا أن والديهم قد قصروا في استخراج أوراقهم الثبوتية.   

كتب: د. ثقل سعد العجمي

تعليقات

اكتب تعليقك