دستورٌ من تمر!
زاوية الكتابكتب أغسطس 9, 2012, 5:35 ص 3122 مشاهدات 0
خص الدكتور عبد الهادي العجمي استاذ التاريخ المعاصر بجامعة الكويت بالمقال أدناه والتعليق لكم:
يبرز لي جليا وجه ذلك الرجل من بين طيات صفحات رواية المنيف 'مدن الملح' وهو يبدوا عليه - أنه مسحور أو مفتون - فقد كان الرجل المتأثر بسفره لمصر يردد ويبشر في مطالع القرن الماضي - بأمر غريب سيحل كل المشاكل – مردداً' فيه شيء اسمه دستـــور - إذا جبناه تنحــل المشاكل كلـــها'
وعلى الرغم من أنه لا يعرف كنه هذا الدستور أو فحواه إلا أنه كان يعلم أنه موجود عند الأخرين وأن هذا الدستور هو من يحل مشاكل المجتمع وينظم علاقة التعايش بين الناس فيما بينهم ، وعلى الرغم من أن الرجل ظل يكرر ويردد كلامة لكن ظل عجزه وجهلة بما هو (هذا الدستور) مانعاً وحائلاً أن يقنع أحد بكلامه.
واليوم وبعد مرور قرن من الوقت المتخيل لهذه الشخصية - نستعيد كلمات هذا الرجل وحلمه في الإتيان بهذا الدستور.
ولا أدري لماذا لايزال حلم هذه الشخصية يطاردها حتى وجدتني اردد بعفوية:
دستور يا أسيادنا دستور
رغم الظلم رغم الجور،
نبحث عن دستور،
اكتبوه بأي شيء ..بالتمر رمز الفقر ، اصنعوا هذا الدستور،
وحين يجوع الوالي
يلتهم ..الدستور.
والغريب أنه وفي الوقت الذي يحاول الشعب فيه أن يعيد تقييمه لإمكانيات الخلاص عن طريق الدستور وأن يقف معه لا عليه ' وجده منصرفاً عنه لتعزيز .... السلطة' ، فإرادة الشعب يلغيها ألف مخرج ومخرج وأبسطها الإرادة المنفردة!
ولا جرم فكل شيء بالدستور...
لكن السؤال هل أحلامنا يعيقها الدستور أم دستورنا يعيقة الواقع؟
فحتى أحلامنا مهددة لأن كل مطلب سنطلبه لابد أن نتوافق عليه مع المستفيدين من هذا الواقع .
فكيف سنقنع من يمتلك السلطة والنفوذ وكل امكانيات الفساد والإصلاح أن يترك دستور الخدمة الذاتية ويتجه معنا نحو مستقبل مغاير، إذا كان الدستور نفسه يحصن ممارسات السلطة بعيداً عن اي قيود؟!
فقبل أيام استمعت لحديث أحد الزملاء، كان يحاول فيه أن يشخص الحالة التي نعيشها والواقع الذي نحياه قائلاً 'أن الأزمة في الدستور نفسه' طارحاً تصوره أن يكون هناك مجلس منتخب لصياغة دستور جديد يتناسب مع احتياجاتنا ومتطلبات المرحلة الحالية خاصة بعد ربيع الثورات العربية .
والحقيقة أن كلامه كان يبدوا بعيداً عن الواقع بدرجة كبيرة لكنني حاولت أن أكون أكثر واقعية منه محاولاً الوصول لسبب الأزمة بدون مواربة أو التفاف فوجدتني أعلق على كلامه بالقول 'المشكلة أن دستورنا الحالي لن يقبل أو يسمح بأن نتغير' ذلك لأن الدستور ذاته لا تتضمن نصوصه هذا الإجراء، حيث يُشترط لأي تغير في الدستور أن يكون هناك توافق على التغيير بين الشعب والأسرة – وهذا في الوقت الراهن مازال غائباً – لذا لن يكون هناك تغيير مع التذكير بأن كل مستفيد من الواقع الحالي سيرفض إجراء أي تعديل على الدستور خوفاً على مصالحهم .
لقد وضحت له أن هذا التغير يحتاج للحظةٍ يفتقد هذا الدستور أو العامل به شرعيته لكي يطالب الناس بدستور جديد لخلق شرعية جديدة خارج إطار دستورنا القديم وهذا غير متوافر حتى الآن!.
لكن وبعد ازدياد الهوه بين أطراف اللعبة الثلاث (الأغلبية - القوى الشبابية - السلطة واتباعها) وازدياد فرص واحتمالات إعادة إنتاج مجلس أمة فاقد للشرعية والتأييد الشعبي (وبالطبيعي ستكون الحكومة التي تعمل معه فاقدةٌ للشرعية)
يصبح حديث زميلي عن إنتاج دستور جديد - بمجلس تأسيسي كل أفراده منتخبون لصياغته - حلماً تصنع السلطة بتلاعباتها أو مقدماته ليصبح حقيقة تخطو خطواتها الأولى نحو التحقق! قد يكون ذلك وقد نكون كذلك الحالم بدستور في مدن الملح، أملا أن يكون طريق الحرية وقد يكون هو القيد المانع للحرية!
د. عبدالهادي العجمي
تعليقات