الفوز بالعتق من النيران في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك

زاوية الكتاب

كتب 1349 مشاهدات 0

خالد القطان

قال الأستاذ خالد القطان - رئيس لجنة التوعية الاجتماعية بجمعية الإصلاح الاجتماعي – : إن أقصى ما يتمناه المسلم في رمضان بعد الفوز بالرحمة والمغفرة هو العتق من النيران ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ )آل عمران: 185) . والعتق من النار يتطلب الوقوف على أعتاب الله تعالى، والإلحاح عليه، وكثرة التضرع إليه بالذكر والدعاء وسائر الطاعات؛ لذلك كان الاعتكاف من أفضل الأعمال في هذه الأيام، بأن ينقطع الإنسان عن شواغله، ويقف على أبواب الله تعالى؛ طالبًا عفوَه وغفرانَه والعتقَ من عذابه، وآخره عتق من النار

 نشاط رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر:

وقال القطان مذكراً بما رواه البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:  كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر الأواخر شدَّ مئزرَه وأحيا ليلَه وأيقظ أهلَه، وتخبرنا أيضًا السيدة عائشة- رضي الله عنها- عن نشاط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذه الأيام فتقول: ' كان رسـول الله- صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها' (. أخرجه مسلم .

 وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ' كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرةَ أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يومًا'، وأورد ابن حجر في فتح الباري: 'أن السبب في مضاعفة مدة اعتكافه في العام الأخير أنه- صلى الله عليه وسلم- عَلِم بانقضاء أجله، فأراد أن يستكثر من أعمال الخير ليبينَ لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمل ليلقوا الله على خير أحوالهم'

 وأوضح القطان أن الإنسان ينشغل بأحواله وبأمور دنياه أوقاتاً طويلةً، فلا أقلَّ من أن ينقطع عن شواغله ويختلي بربه عشرةَ أيام في العام؛ لينال فضلاً عظيمًا فينجوَ برقبته وينالَ العتق من النيران، والذين كانوا يحيون سنة الاعتكاف هم أنجح الناس في حياتهم وليس الفاشلين والعاطلين، فالإنسان الناجح ينجح في كل شيء.. ينجح في تدبير أمور حياته، وينجح في علاقته بربه، وكم انقطع أو ينقطع أناسٌ عن أعمالهم بسبب مرض أو شواغل أخرى قد تساوي أو لا تساوي.

 ثم بين القطان أن الاعتكاف قد ورد في القرآن الكريم في أكثر من موضع ﴿وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ﴾  البقرة: 187 .. فقط الأمر يحتاج إلى تنظيم الوقت وترتيب العمل قدر الإمكان من أجل الاعتكاف.. (يمكن الاستفادة من الإجازات الاعتيادية) فإذا تعذَّر ذلك فإنه يصح الاعتكاف لأقل من عشرة أيام، بل ذهب بعض العلماء إلى أن من جلس ساعةً في المسجد بنية الاعتكاف فهو معتكف طال به المكث أو قصر.

وأكد الأستاذ خالد القطان على أنه مما يجدر التنبيه عليه هنا أن كثيراً من الناس يعتقد أنه لا يصح له الاعتكاف إلا إذا اعتكف كل أيام العشر ولياليها , وبعضهم يعتقد أنه لابد من لزوم المسجد طيلة النهار والليل وإلا لم يصح اعتكافه , وهذا ليس صواباً ، إذ أن الاعتكاف وإن كانت السنة فيه اعتكاف جميع العشر إلا أنه يصح اعتكاف بعض العشر سواءً نهاراً أو ليلها كما يصح أن يعتكف الإنسان جزءً من الوقت ليلاً أو نهاراً إن كان هناك ما يقطع اعتكافه من المشاغل فإذا ما خرج لأمر مهم أو لوظيفة مثلاً استأنف نية الاعتكاف عند عودته , لأن الاعتكاف في العشر مسنون ، أما إذا كان الاعتكاف واجباً كأن نذر الاعتكاف مثلاً فأنه يبطل بخروجه من المسجد لغير حاجة الإنسان من غائط وما كان في معناه كما هو مقرر في موضعه من كتب الفقه

فلا تشـــــــتغل إلا بما يكســــــب العلا *** ولا ترض للنفس النفسية بالردى

وفي خلـــــــــوة الإنسان بالعلم أُنسه *** ويســـــــلم دين المرء عند التوحد

ويســـــــــلم من قال وقيل ومن أذى *** جليس ومن واش بغيظ وحسدِ

وخير مقام قمت فيــــــــــــــــــــــــه وحلية *** تحليتها ذكـــــــــــــــــر الإله بمسجد

 

اعتكاف النساء

ثم بين القطان أن الاعتكاف يجوز أيضًا في حق النساء، فالمرأة إذا أذِن لها زوجُها وتوافرت لها الظروف المناسبة والمكان المناسب الذي يحقق الخباء عن الرجال في مسجد مناسبٍ جاز لها أن تعتكف، فقد أذِن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعائشة واستأذنته لحفصة، وإذنه- صلى الله عليه وسلم- لهما دليلٌ على مشروعية اعتكاف النساء، وقد كنَّ يفعلنه، وقد أورد البخارى بابًا تحت عنوان 'باب: اعتكاف النساء'، 'وباب الأخبية في المسجد'، وقال الإمام مالك في المرأة إذا اعتكفت ثم حاضت في اعتكافها: إنها ترجع إلى بيتها، فإذا طهُرت رجعت إلى المسجد أية ساعة طهرت، ثم تبني على ما مضى من اعتكافها (الموطأ: باب قضاء الاعتكاف 1/317) .

وناشد القطان المرأة المسلمة بقوله : احرصي أيتها المسلمة العظيمة على استثمار هذه الأيام المباركة في طاعة ربك، وإياك أن تنشغلي بالكعك والبسكويت فتضيِّعي على نفسك خيرًا كبيرًا، وإن كان لا بد من هذه العادة فلتكن بعيدةً عن هذه الأيام المباركة، وكذلك شراء مستلزمات العيد وملابس الأطفال والحاجيات اللازمة قبل رمضان أو في أوله أو على الأقل قبل العشر الأواخر.

 

الأطفال والاعتكاف

ونوه القطان على تدريب الأطفال على الاعتكاف قائلاً : ويا حبَّذا أن نصطحب معنا الأطفال على قدر استطاعتهم، فندربهم على إحياء سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونشجِّعهم على ارتياد المساجد والذهاب لصلاة التراويح، مع أهمية تعليمهم آداب المسجد وتربيتهم على احترام بيت الله؛ حتى لا يكون وجودهم سببًا في حدوث المشاكل، والاعتكاف فرصةٌ لتعليم الأولاد آداب الاستئذان وممارسة وتطبيق آداب الحوار والبعد عن الجدل، ويا حبَّذا أن ندرِّس لهم ذلك قبل بدء الاعتكاف ونحثُّهم على ممارسة الآداب الطيبة والسلوكيات الحسنة وكذلك التحلي بالتعاون والإيثار.

 

ليلة القدر

كما رغَّب القطان في ليلة القدر مؤكداً أن أعظم ما يناله الإنسان في هذه الأيام (ليلة القدر) ذات القدر العالي الذي يزيد على ألف شهر، أي أكثر من ثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر، وقد أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بتحريها في العشر الأواخر، فقال: 'التمسوها في العشر الأواخر من رمضان' وفي رواية: 'تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان '

 ونصح خالد القطان مخاطباً المسلمين جميعا : رتِّبوا جيِّدًا لهذه الفرصة النادرة العظيمة في العمر، واستعينوا بالقيلولة، واستعدوا مبكرًا بفك الخصومات وإصلاح العلاقات؛ لأن الشحناء والخصومة تحرم فضل الله تعالى في هذه الليلة وهذه الأيام 'أنظِروا هذين حتى يصطلحا'، واحرصوا على إحياء الليل كله، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم :  ' من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه' رواه البخاري .

 فاجتهدوا أيها المسلمون ، فهذه ليلةٌ خيرٌ من عمرك كله، وتُعتق فيها رقابكم من النار، فلا تضيِّعوا منها لحظةً واحدةً.

 وأشار القطان إلى أمورٌ أخرى تَعتق الرقبة من النار ، منها :

* إفطار الصائم يعتق الرقبة من النار: ' من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيءٌ'.

* الصدقات: ' اتق النار ولو بشق تمرة'.

* التخفيف على الناس يجلب العتق من النار: ' من خفف عن مملوكه فيه (أي رمضان) غفر الله له وأعتقه من النار'.

* الاعتراف بالفضل والإحساس بالجميل : لذلك كان أكثر أهل النار من النساء اللواتي يكفرن العشير.

* التخلص من خصال النفاق تعتقك من النار : 'إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان، وإذا خاصم فجر' ﴿إِنَّ المُنَافِقِيْنَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾  النساء: 145 .

* حسن تربية البنات يعتقك من النار: ' من كان له ثلاث بنات فأدبهن وأحسن تأديبهن كنَّ حجابًا له من النار'.

* وأعظم شيء يعتق الرقبة من النار هو الشهادة في سبيل الله : فالشهيد تغفر ذنوبه مع أول قطرة من دمه الطاهر الغالي الشريف.

 واختتم القطان تصريحه قائلاً : إن السباق يوم يقترب من نهايته يشتد عدو المتسابقين والمسارعين إلى جنات النعيم, أيُّهم يحظى بالقبول والرضوان , فكن في عدادهم فهم القوم لا يشقى بهم جليس, قبل أن يأتي عليك يوم تصبح فيه خبراً بعد عين, وأثراً بعد ذات, فتسكن بعد الدور القبور, وتأتي ليالي العشر ثانية وأنت رهين عملك حبيس قبرك, وكل آت قريب.

رزقنا الله وإياكم الشهادة في سبيله، وأعتقنا الله وإياكم من النيران، وتقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير ، وإلى الله دائماً أقرب .

الآن: رأي: خالد القطان

تعليقات

اكتب تعليقك