البدون نتيجة طبيعية لسياسة إقصائية فاشلة وغبية تنتهجها الحكومة

زاوية الكتاب

كتب 1090 مشاهدات 0


الكويتية

مندهشة  /  كم أم محسن بين ظهرانينا..؟!

عواطف العلوي

 

وكأنها نسج من الخيال، أو سيناريو لفيلم يروي حياة بائسة لعائلة في بنغلاديش، كانت المشاهد التي عرضتها قناة «اليوم» في تقرير مصور لها عن عائلة من البدون تضم «أم محسن» ووالدتها المسنّة وأبناءها وبناتها التسعة، يعيشون في منطقة الإسطبلات في الجهراء، متكدسين في غرفة واحدة يتوسدون فيها الأرض، والحشرات والقوارض تشاركهم سكنهم، أو ربما كانوا هم الذين يشاركون تلك القوارض سكنها، فذلك الجحر الذي شاهدناه لا يمكن أن يندرج تحت اسم بيت يصلح للسكن الآدمي، مجرد جدران وسقف بين الركام والقاذورات، خلت من أدنى متطلبات العيش الكريم اللائق بإنسان. مأساة أسرة لا تصف كلمة «فقيرة» حالها، لأنها كانت تعيش تحت خط الفقر بفراسخ، فقر مدقع أكرهَ أم محسن على رحلة يومية إلى حاويات القمامة، تنبش فيها، لعل وعسى أن تجد بين المخلفات ما يمكن استخدامه أو بيعه.. أو ربما أكله، لتبقى على قيد الحياة هي وأبناؤها، وكل حق آخر هو في ميزان هذه الأسرة فائض لغوي سخيف ورافد لمزيد من المرارة والشقاء!
يا الله كم كان مؤلما جواب الابن البالغ من العمر ثلاثة عشر عاما حين سأله المذيع عن دراسته، فقال: «لم أدخل مدرسة في حياتي، ولا أعرف القراءة أو الكتابة، لأني «بدون» ولا أملك البطاقة الأمنية»!
أقسى ما في الحكاية أنها في الكويت! أيُعقل هذا البؤس في بلد الخير، الذي ينظر إليه العالم على أنه الرائد في العمل الخيري، البلد الذي ما إن يسمع هاتفا ينادي يا باغي الخير أقبل، إلا وكان السبّاق في المضمار؟!
إنها والله غشاوة، حجبت أبصارنا عن رؤية الأقربين، فاكتفينا بتوكيل اللجان الخيرية لتقوم عنا بتوزيع صدقاتنا على المحتاجين، ولم نعلم أن تلك اللجان «عين عذاري» تسقي البعيد وتترك القريب! فنمنا ودعواتهم تسابق دموعهم إلى السماء كل ليلة لتراها عين الله التي لا تنام!
ما الذي أوصل أم محسن لتلك الحالة؟! هنا يكمن جوهر القضية، فهناك حقوق أساسية لهؤلاء البدون لا نريدها أن تتحول إلى مجرد مناشدات واستدرار للعطف والتبرعات، فهذه إن سكّنت الأعراض، لكنها لن تشفي الداء، ولن تمنع الورم من التضخم والتفاقم لينفجر في ساعة يأس وسخط!
أم محسن وأمثالها هم إفرازات طبيعية لسياسة إقصائية فاشلة وغبية تنتهجها الحكومة مع البدون منذ عقود، عبر جهاز نصَّب نفسه الخصم والحكم، واستمرأ الاستبداد والظلم والتحكم بمصائر البشر بعنصرية بغيضة اعتبرت العيش الكريم للإنسان أزمة في أرزاق الكويت والكويتيين! فقتَل الطفولة وخنَق الأحلام بقيود أمنية ليس لها أساس قانوني!
ما نحتاج إليه فعلا إن كنا نصدق النية في إنهاء هذا الملف، هو حراك مجتمعي مكثف ومتواصل يؤثر مباشرة في أصحاب القرار بإطلاعهم على حقيقة ما يعانيه البدون. ولا تعولوا على النواب في ذلك، لأنهم أثبتوا المرة تلو الأخرى أنهم لا يتذكرون البدون إلا للترويج لحملاتهم الانتخابية!
لنكن عونا للمظلوم، قبل أن تدور علينا الدوائر..!

الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك