تفجر أزمات جديدة في منطقة اليورو يظل احتمالا قائما بقلم مارتن وولف

الاقتصاد الآن

754 مشاهدات 0


 خلال القمة الأخيرة لمنطقة اليورو كنت موجودا في إيشيا، قبالة ساحل نابولي. وكثير من الإيطاليين الذين حضروا خلال تسليم جوائز إيشيا للصحافة هذا العام كانوا يعتقدون أن إيطاليا حققت انتصارين على ألمانيا، في الكرة، في بطولة أوروبا، وفي الاقتصاد، في القمة الأوروبية، ليجيء بعد ذلك نهائي كرة القدم أمام إسبانيا. والسؤال هو كم على الأرجح سيتبقى من بهجة القمة بعد أشهر قليلة من الآن؟ والإجابة، على ما أعتقد، هي: شيء ما، لكن ليس كثيرا. فقد كانت القمة الـ19 حول الأزمة أفضل من كثير من القمم المحبطة السابقة، لكن اللعبة لم تتغير حتى الآن. لقد تم اتخاذ قررات مساعدة، أهمها الاتفاقات التي سمحت لصناديق الإنقاذ في منطقة اليورو بإعادة تمويل المصارف ذات المستوى المالي الضعيف مباشرة، بدلا من منح النقود عن طريق حكومات غير محصنة (ما يعود بالفائدة، خاصة على إسبانيا، وربما بشكل كبير على إيرلندا)، وبشراء السندات السيادية في السوق (ما يعود بالفائدة بشكل واضح على إيطاليا وإسبانيا). وتم الاتفاق أيضا على ألا تكون القروض من صناديق الإنقاذ أعلى في المستوى من القروض الموجودة، وهذا من شأنه التقليل من خطر وجود حالة من الفزع بين المقرضين. واتفق القادة أيضا على مجموعة من التدابير تقدر بـ120 مليار يورو (101 مليار دولار) لتعزيز النمو. وعلى أساس أن الدعم يجب أن يأتي بالتوازي مع السيطرة، سيتم تحميل البنك المركزي الأوروبي مسؤولية نظام جديد من الرقابة على الأعمال المصرفية الأوروبية، كخطوة نحو ما يأمل الزعماء أن يكون اتحادا مصرفيا حقيقيا. وبالرغم من ذلك، فإن ما لم يتم الاتفاق عليه ربما يكون هو الأهم. فقد تضمنت القائمة كل زيادة متاحة في التمويل من أجل آلية الاستقرار الأوروبي (مع تحديد سقف لها يقدر بـ500 مليار يورو)، وسندات منطقة اليورو ـ أيا كان شكلها، ونظام لضمان الودائع على مستوى منطقة اليورو بأكملها، أي نظام تفكيك المصارف. وفيما وراء ذلك، فإن تحدي إعادة الاتزان للقدرات التنافسية داخل منطقة اليورو يبقى ضخما، وفي أحسن الظروف طويل الأمد. وأثناء ذلك، سيكون من الضروري التأكيد على أن البنك المركزي الأوروبي ليس لديه أية نية لأن يكون مشتري الملاذ الأخير للسندات السيادية. ومن ثم فإن أهم عنصر إيجابي هو التحرك نحو كسر الروابط المدمرة بصورة متبادلة بين المصارف والدول المستقلة بشكل كامل. فهذه خطوة نحو مكافئ أوروبي لبرنامج الولايات المتحدة لإنقاذ الأصول المتعثرة ''تارب''. ومن المفترض أن تكون النتيجة هي سحب مسؤولية المراقبة من أيدي الحكومات القومية. وستصبح النتيجة أيضا مزيدا من الزيادة الضخمة في صلاحيات البنك المركزي الأوروبي. وفي الوقت نفسه، هذه فقط خطوة صغيرة نحو اتحاد مصرفي كامل يتطلب مساندة مالية أكبر من أي شيء آخر متاح الآن. ولا يزال العقلانيون الإسبان والإيطاليون غير قادرين على اعتبار وضع اليورو في أحد مصارفهم آمنا مثل وضع اليورو في أحد المصارف الألمانية. ويرجع هذا بشكل كبير إلى بقاء الإعسار المرتفع ومخاطر الخروج من منطقة اليورو التي تظل قائمة بشكل واضح. وفي هذه الأثناء، فإن مجمل النمو، الذي يعتبر وهميا بشكل جزئي ويحتمل انتشاره على مدار عدة سنوات، يبقى مجرد شيء قليل الأهمية، ويبلغ بالكاد أكثر من 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في منطقة اليورو. ووفقا لما قدمه باول دي جرو، الاقتصادي البلجيكي، الذي يعمل الآن في كلية لندن للاقتصاد، من حجج في مقال جديد، فإن اتخاذ قرار بالسماح لصناديق الإنقاذ بشراء دين الحكومة في السوق يمكن أن يعتبر أقل جدية وقد يكون مدمرا. وتبلغ الديون المستحقة على كل من إيطاليا وإسبانيا نحو 2.8 تريليون يورو، أي أقل قليلا من ستة أضعاف حجم آلية الاستقرار الأوروبي. ومن المعروف من خلال عمل بول كروجمان، الحائز على جائزة نوبل، على موضوع أزمات النقد، أن المضاربين قد يتراهنون بأمان في مقابل الأموال المخصصة والمعروفة بأنها أقل من أن تؤدي إلى حفظ توازن السوق. والموازن الوحيد المعقول هو كيان ذو قوة تسليح مطلقة. وفي حالة التمويل السيادي في منطقة اليورو، فإن الكيان الوحيد القادر على حماية دولة ما من تهافت، يحقق نفسه، على ديونها السيادية هو البنك المركزي الأوروبي. وبما أن البنك المركزي الأوروبي غير راغب في القيام بهذا الدور والزعماء لا يرغبون في إعطاء آلية الاستقرار الأوروبي الصلاحيات لإجباره على فعل ذلك، فإن هذه المقترحات تصل إلى حد البصق في الرياح المالية. وكان من الممكن أن تتوصل الأسواق إلى أن الفروق في أسعار الفائدة وإن تقلصت، إلا أنها تبقى مرتفعة على نحو خطير. وبالرغم من ذلك، ما قد يجعل هذه الاتفاقيات تبدو أكثر أهمية من قيمتها الظاهرية هو: أولا، وجود تقدم حقيقي نحو درجة أعلى من الاندماج. وثانيا، إنشاء تحالف بين فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا. وقد أشار الجزء الأخير إلى أن الديناميكية السياسية في منطقة اليورو قد تكون تغيرت مع تصاعد قوة فرانسوا هولاند. ويبدو أنها أيضا تؤكد على أن ألمانيا لا ترغب في أن تبدو منعزلة، شريطة ألا يكون عليها التنازل عن مبادئ أساسية. وبالرغم من ذلك، فإن هذه التحولات لا تظهر بالتأكيد أن الطريق نحو اتحاد مالي أو مصرفي حقيقي مفتوح الآن. فكل منهما يتطلب شعورا بالتضامن أكبر إلى حد بعيد من الموجود الآن. ومن أجل الأسباب التي تقدمت بها الأسبوع الماضي، فإني ما زلت مرتابا في إمكانية الاتفاق على أي من الاتحادين، أو تفعيلهما إذا تم الاتفاق عليهما. إذن من حيث المضمون هناك خطوات صغيرة غير قادرة على تحقيق الشروط الثلاثة الضرورية لوضع نهاية للأزمة: فصل حاسم للمصارف عن الدول ذات السيادة، تمويل الدول الضعيفة وفق شروط قابلة لأن تتم إدارتها خلال فترة التكيف الاقتصادي وتخفيض النفقات التي تستغرق وقتا طويلا، وقبل كل شيء العودة لنمو اقتصادي سليم. لكن دعونا لا نكون متذمرين للغاية، فالقرار بالسماح لآلية الاستقرار الأوروبي بإعادة تمويل المصارف مباشرة قد يكون في غاية الأهمية في حد ذاته، وبالنسبة لما يبشر به على حد سواء. فمن الممكن أن يقوم بالتعديل من وضع إيرلندا. وعلى الرغم من ذلك، الخطر الأكبر يتمثل في تدهور النظم الاقتصادية في منطقة اليورو بشكل سريع. فقد وصل معدل البطالة في أيار (مايو) إلى 11.1 في المائة، وهو أعلى معدل يُسجل في المنطقة. والأسوأ من ذلك أن البنك المركزي الأوروبي، بعيدا عن رفضه التدخل في سوق السندات السيادية بالمستوى المطلوب، تأخرت بشكل يدعو إلى الإحباط في اتخاذ الإجراء المالي اللازم. ومع وجود التقشف الذي ينهش في الدول غير المحصنة، يشعر الجميع بالضائقة. فحتى ألمانيا ليس لديها المناعة ضد حدوث فترات ركود عند الشركاء التجاريين الكبار. ويمكن تصور أن منطقة اليورو ستكافح خلال حرب التخندق الاقتصادي هذه خلال السنوات المقبلة. وبالرغم من ذلك، فإن الثمن - ليس الاقتصادي فحسب، ولكن السياسي أيضا - من المتوقع أن يكون ضخما. نعم، منطقة اليورو تحتاج بالفعل إلى قانون أساسي، لكن الأولوية هي جعل النظم الاقتصادية تستمر في الحركة. وحتى يحدث ذلك، سيبقى خطر حدوث مزيد من الأزمات قائما.

الآن:الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك