مصر بحاجة الى أهلها والعرب والعالم.. د.حامد الحمود مؤكداً

زاوية الكتاب

كتب 841 مشاهدات 0


القبس

تحديات الرئاسة ومستقبل مصر

د. حامد الحمود

 

كان جلياً للمراقبين أثناء حملة انتخابات الرئاسة المصرية، أن المُرَشَحَيْن أحمد شفيق ومحمد مرسي ينتميان الى تجربتين مختلفتين في الحياة. فقد كان الأول أكثر حضورا وجاذبية. كما أن طريقة خطابه تذكرنا بمن سبقه من الرؤساء العسكريين الذين احتكروا السلطة في مصر منذ 1952. ومن الممكن أن يقال ان المرشح أحمد شفيق كان أكثر دربة على القيادة. وكونه كان من النخبة المقربة من الرئيس مبارك، فقد كان على طريق الموعودين بتبوؤ مركز قيادي. أما تجربة الثاني، فكانت أقرب لتجربة الانسان المصري المكافح الذي كان دائما ينظر الى السلطة والقيادة من الخارج. كانت طريقة غير موعودة بالبروز القيادي والسياسي. فالتفوق كان أولا في الدراسة وفي مجال علمي يتنافس عليه المتفوقون. فتميزه في كلية الهندسة كافأه بالحصول على بعثة لنيل الدكتوراه في المجال نفسه من الولايات المتحدة، ثم العودة الى مصر للتدريس في الجامعة نفسها التي ابتعث منها. وكأغلب المصريين فان العمل لفترة محدودة في دول الخليج أو ليبيا يعتبر الوسيلة الأفضل لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، فكانت الجامعة الليبية المحطة التي اختارها الدكتور محمد مرسي لتحقيق ذلك. هذا وان كان نشاطه السياسي ضمن حركة الاخوان المسلمين، يظهر التزاما ايديولوجيا مبكرا، الا أنه يبقى أن وصوله الى الرئاسة كان أشبه بتحقيق حلم.

هذا وبالرغم من أن الرئيس محمد مرسي وصل الى الرئاسة بترشيح من حركة سياسية عريقة مكثت الى حد كبير خارج السلطة لمدة 84 سنة، فانه يدرك كذلك أنه انتخب من قبل %51 من %40 من الذين شاركوا في الانتخابات. لذا فان الذين أدلوا بأصواتهم له، لا يتعدون أكثر من %20 من الشعب المصري، ولا أعتقد أن جلهم من الاخوان المسلمين. وتجربته النضالية في الحياة التي أخذته من حياة بسيطة في قريته، الى التفوق في الدراسة في مصر ثم في الولايات المتحدة، ثم عودته، تؤهله الى تكوين رؤية متجددة كانت بعيدة عن رؤساء مصر السابقين. هؤلاء كان حليفهم للوصول الى السلطة الجيش. واستمرارهم في السلطة كان معتمدا الى حد كبير على ارضاء النخب في الجيش. أما الرئيس مرسي، فقد وصل الى الحكم بعد ثورة سلمية، وانتخابات حرة ونزيهة. وكيفية الوصول الى السلطة تحدد الى حد كبير رؤى وسلوكيات من يصل الى السلطة. فنحن هنا أمام رئيس يدرك أهمية بناء ائتلاف من حوله لتحقيق الاستقرار. ولكن كيف يتحقق الاستقرار في مصر بعد ثورة سلمية دامت سنة ونصف السنة؟

لا شك أن المصريين لا يرغبون في تضييق مجال الحريات الذي حققته الثورة. ويتطلعون للعيش بأمن واطمئنان، وهم كذلك يصبون الى العيش الكريم. والتحدي الأكبر للرئيس الجديد هو أن تستعيد مصر عافيتها الاقتصادية وبمسارات لا تسر أصحاب النفوذ الاقتصادي فقط، وانما أن تمتد العافية الى الانسان العادي. فمن دون تحسن الأحوال الاقتصادية، لا يمكن أن تستقر الأحوال السياسية. بل ان النمو الاقتصادي ضرورة لديمومة العمل السياسي الديموقراطي. وقد شهد العالم في العقود الثلاثة الأخيرة ما يثبت ذلك. ففي دراسة نشرها رونالد أنجلهارت وكريستيان ويلتزل في دورية «شؤون خارجية» في مارس 2009، وجدا أن الديموقراطيات التي لا تحقق نقلة نوعية واضحة في مجال الاقتصاد، فان عمرها المتوقع لا يزيد على ثماني سنوات. وفي الدورية نفسها وفي يناير من العام الحالي، يرى كذلك الفيلسوف والمؤرخ فرانسيس فوكوياما أن هناك علاقة وثيقة بين التقدم الاقتصادي وتحقيق ديموقراطية مستقرة. لذا لا يمكن ان نتطلع الى مصر مستقرة من دون نقلة نوعية في اقتصاداتها.

لا أعتقد أن الرئيس محمد مرسي مسؤول وحده عن أن يحقق المصريون أحلامهم. لكن نظاماً سياسياً يحترم اختلافات المصريين ويوظفها لتلمس مسار نحو الازدهار والاستقرار سيساعد في اقناع المصريين والعرب ودول الخليج والسعودية والعالم، بأن تصب الجهود والأموال من أجل اعادة بناء مصر على أسس ثابتة. فمصر بحاجة الى أهلها والعرب والعالم. فاستقرار مصر وازدهارها هو المؤشر الأهم أو الثمرة المنتظرة من هذه الثورات التي فتحت آمالنا على مستقبل جديد.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك