الكويت برأي جعفر رجب قابلة للتكيف مع التغيرات أكثر من غيرها

زاوية الكتاب

كتب 1097 مشاهدات 0


الراي

تحت الحزام  /  المنقرضون

جعفر رجب

 

مثل الكائنات المنقرضة، هناك الدول والممالك المنقرضة التي اختفت ولن تعود، لانها مثل الديناصورات، كبيرة الحجم، ثقيلة، مترهلة، تحمل أمراضها في ذاتها، واختفت عن الوجود لأنها لم تستطع التكيف مع المتغيرات الطبيعية!
مملكة بروسيا، كانت مملكة كبيرة في شمال أوروبا، لها أمجادها وأسرها الحاكمة، وتاريخها، ثم اختفت مع الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتشكلت بدلا منها الدول الواقعة في الشمال الأوروبي!
الاتحاد السوفياتي... نتاج الحرب العالمية الثانية، دولة كانت تغطي آسيا وأوروبا، ثم اختفت فجأة مع انهيار المنظومة الاشتراكية في بداية التسعينات، كانت دولة عظمى، بامكانات هائلة، ومساحات مترامية الأطراف، وتاريخ عريق، وتراث خالد... انهارت، وهربت الشعوب من سفينتها الضخمة، بعد أن اكتشفت ان الانتماء إلى كيانات كبيرة لا تعني بالضرورة الأمان، أو الصلاح، أو الرخاء... بل قد تصبح كارثة ومصيبة كبرى!
يوغوسلافيا، في البلقان، دولة مهمة في القرن العشرين، وساهمت في تأسيس منظمة دول عدم الانحياز، بقيادة رئيسها «تيتو»، وانهارت مع انهيار الاتحاد السوفياتي وتحولت هذه الدولة إلى سبع دول، بعد أن اكتشفت شعوبها أنها كانت تعيش في ظل اتحاد وهمي!
المملكة المصرية «مصر والسودان» من البحر المتوسط إلى وسط افريقيا، ثم أصبحت مصر والسودان، والسودان أصبحت سودانين، وقد تصبح ثلاثة أو أربعة...!
الجمهورية العربية المتحدة، هذه دولة قامت على اتحاد بين حكومتي عبدالناصر وشكري القوتلي في 1958، وانتهت في 1961، ظهرت فجأة، واختفت بانقلاب عسكري، ولم يبك على فقدانها أحد!
نبتعد عن الدول الكبرى المترهلة، ونذهب إلى أصغر دول أوروبا «سان مارينو»، دولة عدد سكانها ثلاثون ألفا، تقع في شمال إيطاليا، بمساحة «متر في متر»، وهي بالمناسبة تملك أقدم دستور مكتوب، وهي أقدم دولة مارست الديموقراطية، واجهت الكثير من الأزمات، والغزوات، في منطقة صراعاتها كانت دامية، ولكنها مازالت موجودة، منذ أكثر من ألف وستمئة عام!
صغر أو كبر الدول، ليس مقياسا لنجاح دولة، وديمومتها، فالحجم ليس مقياسا لنجاح دولة، وإلا كانت الدولة العثمانية في آخر سنواتها أعظم دول الأرض، ولا أيضا في صغرها، بل هناك أسس لاستمرار وبقاء أي دولة في العالم، أولاها أن تمتلك نظاما ديموقراطيا، يشارك الشعب في السلطة ويتحملون مسؤوليتها، تمارس العدالة الاجتماعية فيها بالفعل وليس بالشعارات، تعترف بمكونات المجتمع وتساوي بينهم، مع الاعتراف باختلافها، تمتلك نظاما اقتصاديا غير فاسد ومنتج، تحمل هوية واضحة لشعبها، هوية ينتمي لها الجميع، دولة لها قيم واضحة تفرضها على كل من يعيش فيها، لا أن تفرض قيمهم على هوية وقيم الدولة، وأن يحمل المواطن في ذاته بالفعل قيمة المواطنة والانتماء... هناك أمور وقضايا كثيرة تضمن استمرارية الدول، وعدم ذوبانها في المنظومات الكبرى، وعدم تبعيتها للأقطاب الاقليمية، وعدم انقراضها لاحقا، ليس بينها لاشك انتاج الأغاني الوطنية، وترديد الشعارات، ثم ممارسة القمع، والإرهاب، والقتل، والتمييز العرقي والديني والمذهبي... لأن هذا الأسلوب قد يؤدي فقط إلى انهيار النظام، بل انهيار وتفكك الدولة!
الكويت رغم صغرها، فهي قابلة للتكيف مع التغيرات أكثر من غيرها، تملك إمكانات بشرية واعية، أكثر من غيرها نسبيا، تملك مؤسسات مدنية، لديها قاعدة وتاريخ ديموقراطي تتكل عليها، لديها شعب يشارك مسؤوليات الحكم والتشريع... لديها امكانات الاستمرار والديمومة والتطور أكثر من غيرها، ان أصلحت حالها، وتعاملت مع الأوضاع وفقا لمصلحتها قبل كل شيء... ستستمر هذه الدولة التي قد يتصورها البعض موقتة، وستنهار دول أخرى منتفخة انتفاخة الورم!
من يحمل جسدا، وفكرا، وروحا، وتاريخا ديناصوريا، سينقرض... بشرا كان أو بلدا!

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك