حدود الكلمات وحقيقة ما يجري بالكويت
زاوية الكتاببن طفلة: ما يجري بالكويت هدفه وقف وعرقلة محاسبة سراق المال العام
كتب مايو 26, 2012, 9:57 م 1989 مشاهدات 0
بمؤتمر أكاديمي بكندا الأسبوع الماضي، قدمت محاضرة عما يسمى بكلمات الحدود، وهي الكلمات التي تعتبر مؤشرات على نهاية لهجة ما وبداية أخرى، فمثلاً تحدد كلمة 'شوف' الفرق بين الكويتية والسعودية 'ناظر'، كما تعرّف كلمة باوع أي انظرْ، اللهجة العراقية، لكن ما يقابلها هو بص بلهجة أهل مصر، كما أن كلمة ريال تحدد لهجة الخليجي من أهل الساحل مقابل كلمة رجال التي تلفظ في داخل الجزيرة العربية، مثلما تحدد كلمة راجل حدود اللهجة المصرية من لهجة السودان التي تقول زول.
كما أن طريقة لفظ الكلمات هي وسيلة من وسائل التعرف على تلاشي لهجة ما وبدايات لهجة أخرى، فكلمة water يلفظها سكان شرق لندن بقلب التاء إلى همزة، لكنها تاء في غرب لندن حيث الإنجليزية الرسمية التي تبثها وسائل الإعلام، ويتلاشى قلب الراء غيناً في غرب وجنوب غرب فرنسا، فباريس التي تلفظ راءها بالغين في العاصمة تبدأ بالتحول إلى راء كلما اتجهت إلى الجنوب الغربي من البلاد. وفي تورنتو بكندا، حيث عقد المؤتمر يلفظ سكان المدينة اسمها 'تورانا'، بينما تعود إلى لفظها بنفس طريقة كتابتها -تورنتو- كلما ابتعد الواحد عن المدينة.
فالكلمات لفظاً ومعنى ترسم معالم اللهجات، والأصوات تحدد ملامح نهاية لهجة ما وبداية الدخول في مساحة لهجة أخرى.
وفي الكويت لغة من نوع شاذ وغريب على الكويت وعلى المنطقة بشكل عام، بل وتصرفات تخرق الأخلاق والعادات، وهو أمر يمكن التغاضي عنه لو أن من قام به هو بعض العامة، فلو كان الأمر كذلك لتجاهله الإعلام ولترفع عنه الغالبية من الناس المحترمين، لكن ما يطلق في الكويت من سباب وشتائم يعف القلم هنا عن كتابتها، مصدره نواب الأمة في مجلس الأمة، والأمة هي التي اختارتهم، وبالتالي فهم ممثلو الشعب الكويتي، ولقد تجاوز الأمر السباب إلى الضرب والبصق، حيث اشتهر نائب بقذارة ألفاظه، وسوء سلوكه ومسلكه، إلى أن وصل الأمر لطرده من قاعة البرلمان في سابقة هي الأولى في تاريخ البرلمان الكويتي.
يخجلني ككويتي ما يجري باسمي وباسم الشعب بمجلس الأمة، وأتحاشى الإجابة على أسئلة الحريصين من الأصدقاء الخليجيين والعرب: شصاير عندكم بالكويت؟ المحبون قلقون على المسيرة الديمقراطية الكويتية ويتمنون لها التجذر والاستمرار، والكارهون للديمقراطية يجدون في هذه الظواهر الشاذة فرصة للتشفي من الديمقراطية وتحذيراً لدعاتها: شوفوا مخرجات الديمقراطية بالكويت: سب وشتائم مقذعة وبصق وتشابك وضرب!
وتفسير ما يجري في الكويت باختصار أن هناك فريقاً متضرراً من الديمقراطية والمحاسبة والتحرك الشعبي الجماهيري الذي أزاح رئيس الوزراء السابق وفريقه -وهم كثر- فقرروا الانتقام: مال وإعلام وقدرة على توصيل من يعبث بما أنجز، وعمل انتقامي منظم هدفه إحراق الأخضر واليابس وهدم المعبد على من فيه، فما جرى بالكويت في الأشهر الماضية لم يكن شيئاً عادياً بمقاييس المنطقة، فقد خرج الناس بعشرات الآلاف مطالبين برحيل رئيس الوزراء وحل البرلمان وهو ما جرى، ومحاسبة الفساد والتحقيق فيه وهو ما تجري عرقلته وهذا هو بيت القصيد، وهو مربط الفرس، أما الباقي فهو تفاصيل وعبث لا يبرأ منه أحد بما في ذلك المعارضة نفسها، وما يجري من شاذ السلوك وشائن القول والفعل هو سيناريو سخيف وساذج يحاول إيقاف المحاسبة -لا أكثر ولا أقل.
ما جرى ويجري بالكويت هو لغة بكلمات بلا حدود، فإذا كانت الكلمات ترسم الحدود، فإن الحدود الأخلاقية والقيمية هي التي تفرض الكلمات وتلجمها وتحدد ألفاظها وتفرض السلوك الحضاري والديمقراطي، فالكلمات ترسم حدود اللهجات، وتفرض مكارم الأخلاق الديمقراطية أيضاً.
تعليقات