لا أحد يتوقع أن يكون مسار التعديلات سهلاً وميسراً.. النيباري مؤكداً
زاوية الكتابكتب مايو 17, 2012, 1:15 ص 944 مشاهدات 0
القبس
الاقتراحات المطروحة لتعديل الدستور لم تقابل بتخوف أو بحساسية من المجلس التأسيسي
عبد الله النيباري
قضية التعديلات الدستورية أصبحت مطروحة للتداول، ومن الطبيعي أن تختلف الآراء حولها بين متحمس للتعديلات باتجاه المزيد من تعزيز صلاحيات مجلس الأمة، وبين معارض أو متحفظ، ومن يوافق من حيث المبدأ ولكن يرى التوقيت غير مناسب، وهنالك من يتخوف من هذه التعديلات باعتبارها تهز الاستقرار أو التمسك بقاعدة شيطان تعرفه خير لك من ملاك لا تعرفه. وقد يكون من المفيد العودة إلى الوراء لنرى ونتبع ما طرح من آراء في السابق حول هذه التعديلات في مناقشات وبيانات القوى السياسية في الفترات القريبة.
بل والأهم من ذلك على ما دار من مناقشات في لجنة وضع الدستور والمجلس التأسيسي.
التعديلات المقترحة
التعديلات المقترحة تتناول نظام الحكم واستكمال شروط النظام البرلماني الديموقراطي وتشكيل الوزارة ووضع الوزراء غير المنتخبين، إن وجدوا، وحدود صلاحيات سمو الامير رئيس الدولة واجراءات سحب الثقة وشعبية الوزارة. ومثل هذه المقترحات تم تناولها في بيانات القوى السياسية مثل بيان الحركة الدستورية الاسلامية وبيان المنبر الديموقراطي وكلا البيانين نشر في الصحافة في شهر مارس 2011.
وفي مناقشات الجماعات السياسية أثناء الغزو وبعد التحرير مباشرة، وكان من أثر ذلك مطالبة النواب الفائزين في انتخابات عام 1992 بأن يكون غالبية الوزراء من أعضاء المجلس المنتخبين وبعد المفاوضات اتفق على ان يكون ستة من الوزراء من الأعضاء المنتخبين.
لكن أهم المناقشات التي دارت حول التعديلات المطروحة هو ما دار في لجنة وضع الدستور والمجلس التأسيسي عام 1962. وفي نظري انها من أهم وأرقى الحوارات التي جرت في حياة الكويت السياسية، فقد اتسمت بالجرأة العالية والنضج، وبُعد النظر وروح المسؤولية والاحاطة الواسعة بمبادئ وأسس النظام الديموقراطي وشروط استكماله.
ويرتفع التقدير لاولئك الرجال إذا ما عرفنا ان من بين أعضاء المجلس التأسيسي لم يكن هناك غير ثلاثة فقط حظوا بتعليم جامعي (د. أحمد الخطيب وسليمان الحداد ويعقوب الحميضي)، أما البقية فمعظمهم كان تعليمهم في المدارس التقليدية وبعض الشيء في المدارس الرسمية التي كانت حديثة النشأة في العشرينات من القرن الماضي، ولكن عندما نقرأ نقاشهم ومداخلاتهم نجدها اكثر عمقا ونضجاً من حملة الشهادات الأكاديمية العليا في يومنا هذا.
لذلك، أرى انه من المفيد العودة إلى مناقشات المجلس التأسيسي ولجنة وضع الدستور المؤلفة من خمسة من أعضاء المجلس، وهم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس التأسيسي ورئيس اللجنة وحمود الزيد الخالد وزير العدل والشيخ سعد العبدالله وزير الداخلية وسعود العبدالرزاق ويعقوب الحميضي أمين سر اللجنة.
بدأت اللجنة أعمالها في 1962/3/24، وانتهت بوضع مسودة الدستور في 1962/6/9، وكانت تجتمع مرة في الأسبوع ولا يتجاوز اجتماعها أكثر من ساعتين.
نظام الحكم
بدأت اللجنة ببحث نظام الحكم وناقشت المادة الرابعة المتعلقة بوراثة الامارة. وكان هنالك رأيان: الأول، أن تنظم بقانون. والرأي الآخر، أن ينص في الدستور على نظام توارث رئاسة الدولة. وكان رأي وزير العدل حمود الزيد «يجب أن نثبت هذا الموضوع في صلب الدستور ونحسمه بسرعة حتى لا تحدث بلبلة». وبعد النقاش ترك الأمر للتشاور مع سمو الأمير الذي وافق على رأي اللجنة وأقرت المادة كما هي في جلسة لاحقة ثم تطرق المجلس للموضوع المتعلق بنظام الحكم، وهل يكون رئاسيا، أي يكون رئيس الدولة رئيساً للوزراء كما هي الحال في المملكة السعودية مثلا، أم نظاماً برلمانيا، كما في بريطانيا؟
في البداية أيّد كل من حمود الزيد ويعقوب الحميضي النظام الرئاسي، باعتباره يحقق الاستقرار، وكذلك كان رأي الشيخ سعد، وعارض هذا الرأي رئيس اللجنة عبداللطيف ثنيان الغانم، مؤيداً النظام البرلماني، واتفق على أن تقدم مذكرة تقارن بين مزايا كل من النظامين.
وفي اجتماع لاحق، أبدى كل من حمود الزيد ويعقوب الحميضي أنهما بعد قراءة المذكرة، عدلا عن رأيهما وأعلنا تأييدهما للنظام البرلماني، باعتباره الأنسب للكويت، وكان رأي الشيخ سعد ضد هذا الرأي، وأصر على أن يكون النظام رئاسياً، لأن النظام البرلماني يحتم أن يكون أعضاء الوزارة من داخل المجلس، وبعد نقاش مطوّل قال حمود الزيد إن «الواضح من النقاش أنني ويعقوب الحميضي نتبنى النظام البرلماني»، فقال عبداللطيف ثنيان وأنا كذلك أتفق معكما، وكذلك قال سعود العبدالرزاق «وأنا كذلك أتفق معكما».
وهكذا كان أربعة من خمسة أعضاء مؤيدين للنظام البرلماني. ولكن أمام معارضة الشيخ سعد، الذي قال «هل تريدون أن نطفر (نقفز) طفرة كبيرة في أوضاعنا ونظمنا؟ «فرد عليه وزير العدل حمود الزيد «إن الطفرة هي تبنّي النظام الرئاسي، أما النظام البرلماني فهو الذي يساعد على التطور السليم، وهو الذي اتبع في معظم دول العالم، وفي انكلترا «واقترح رئيس اللجنة أن نضع النظامين الرئاسي والبرلماني ويعرضان على المجلس. ولما لم تجد هذه الفكرة استحسانا، بحثت اللجنة أن يكون النظام خليطاً من النظام الرئاسي والنظام البرلماني مع ميله للأخير.
وقدم الخبير الدستوري عثمان خليل عثمان مشروع نظام يزاوج بين النظامين البرلماني والرئاسي.
وتساءل رئيس اللجنة عبداللطيف ثنيان: هل يمكن في هذا النظام الوسط أن نسحب الثقة من الوزارة كلها؟ وما الحل إذا وجد أن رئيس الوزراء غير صالح؟ فأوضح الخبير الدستوري عثمان خليل عثمان أنه وفقا للأعراف والتقاليد البرلمانية، اذا وجد رئيس الوزراء عدم رضا المجلس، فعليه أن يستقيل، على أن يثبت ذلك في المذكرة التفسيرية. ثم انتقلت اللجنة الى مناقشة تشكيل الوزارة (المادة 56) التي تنص على ما يلي: «يعين الأمير رئيس الوزراء بعد المشاورات التقليدية». وتركز النقاش حول ما إذا كانت المشاورات ملزمة، وكان الإيضاح بأن المشاورات التي تشمل رؤساء الوزارات ورؤساء المجالس ورؤساء الجماعات السياسية مفيدة لكي يستشف منها رئيس الدولة التغيرات في الوضع السياسي، بناء على نتائج الانتخابات.
تشكيل الوزارة
أما بالنسبة لتشكيل الوزارة، فقد أصر حمود الزيد ويعقوب الحميضي على أن يكون نصف الوزراء على الأقل من الأعضاء المنتخبين، وأن يكون للوزراء من غير الأعضاء حق حضور جلسات المجلس والمشاركة في النقاش دون أن يكون لهم حق التصويت، وهذه المادة استغرفت نقاشاً مطولا اتسم بعضه بالسجال الحاد بين الشيخ سعد من ناحية وعبداللطيف ثنيان وحمود الزيد ويعقوب الحميضيمن ناحية أخرى. وكان رأيهم حول حق الوزراء غير الأعضاء في الحضور والنقاش ولا يجوز لهم التصويت على قرارات المجلس، وقال حمود الزيد «الوزراء المنتخبون يصوتون بصفتهم أعضاء في المجلس، أما الوزراء المعينون فليسوا أعضاء في مجلس الأمة، ولا حق لهم في التصويت»، وأضاف «ليس حتماً أن يكون النصف الآخر الذين ليسوا من أعضاء مجلس الأمة من العائلة الحاكمة وبسبب الاعتبارات المختلفة تركنا نصف الوزراء يكونون من خارج المجلس دون أن يكونوا حتماً من أعضاء العائلة الحاكمة».
ورداً على الشيخ سعد، الذي قال: لماذا لا يكون وضع الوزراء في مجلس الأمة كوضعهم في المجلس التأسيسي؟ قال حمود الزيد «هذا لا يجوز لأن البرلمان يمثل الشعب، ويجب أن يُنتخب أعضاؤه كلهم، ولا يجوز التعيين، ولا نريد تداخل الاختصاصات، يكفي أن الدستور أعطى لرئيس الدولة حق تعيين الوزراء».
ثم اقترح أن يكون للوزراء غير الأعضاء حق التصويت فيما عدا التصويت على سحب الثقة وهي الصيغة التي أقرت واعترض عليها السيد يعقوب الحميضي الذي اصر على رأيه بعدم مشاركة الوزراء غير المنتخبين في التصويت على كل قرارات المجلس.
ومن المواد التي تعددت حولها الآراء تلك المتعلقة بعدد أعضاء المجلس الذي اقترح أن يكون 50 عضواً، وقال رئيس اللجنة عبداللطيف ثنيان: تجربتنا في المجلس التأسيسي أننا نريد عددا أكبر من الكفاءات، وان هذا التحديد قابل للزيادة، فرد وزير العدل حمود الزيد أننا نريد الزيادة ولا نريد النقصان وأود أن يكون العدد 60، وكذلك كان رأي يعقوب الحميضي الذي أصر بأن يكون العدد 60 على الأقل. وانتهت اللجنة بإقرار مسودة الدستور التي أقرت من المجلس فيما بعد.
مشروع الدستور
تحدث الدكتور أحمد الخطيب محبذاً النأي بالأسرة الحاكمة عن تولي المناصب الوزارية حرصاً على هيبة رئيس الدولة وتجنيبا لأفراد أسرة الصباح مما يتعرض له الوزراء من نقد وتجريح اللذين يكونان من طبيعة المناقشات والجلسات السياسية في المجلس، وضرب مثالا على ذلك بحادثة راديو برلين الذي كان يبث أخبارا ووجهات نظر معارضة لموقف بريطانيا، وكانت له شعبية في بعض أوساط الشعب البريطاني، إلا أنه بعد أن تعرض للملك هجره رواد إذاعته باعتبار أن الملك رمز الدولة ولا يجوز المساس به أو توجيه الانتقاد اليه. وأيد كل من يعقوب الحميضي وسليمان الحداد وطلال الجري رأي الدكتور الخطيب وعارضه الشيخ سعد والشيخ جابر العلي، وحصل سجال ونقاش طويلان حول ما اثاره الدكتور الخطيب قد نتعرض لهما بشيء من التفصيل في مقال مقبل.
لعل هذه النبذة عما دار من مناقشات في لجنة وضع الدستور وفي المجلس التأسيسي قبل 50 سنة، تعطينا فكرة أولا أن الاقتراحات المطروحة لتعديل الدستور تم تناولها آنذاك ولم تقابل بتخوف أو بحساسية، إنما جرت مناقشتها بكل تهذيب وبروح عالية من المسؤولية، وانتهى الأمر بأن أحداً لم يحصل على كل أو أقصى ما يريد وإنما تم التوصل إلى حلول فيها تنازلات من كل الأطراف مع تثبيت وجهة نظرهم.
وكان رأي وأمل أعضاء المجلس التأسيسي من أصحاب الطموحات الديموقراطية انه كما قال عبداللطيف ثنيان ان تجري إعادة النظر في الدستور وتقديم تعديلات في ضوء ما تكشف عنه التجربة بعد خمس سنوات، وها قد مضت خمسون سنة وحان وقت النظر في مراجعة نظامنا السياسي والتوصل إلى ما يتطلبه الأمر من تعديلات تلبي ما جاء في كلمة المغفور له عبدالله السالم رغبة في استكمال أسباب الديموقراطية لبلدنا الكويت.
وبطبيعة الحال لا أحد يتوقع أن يكون مسار التعديلات سهلاً وميسراً، فهي تتطلب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة وموافقة رئيس الدولة سمو الأمير، إلى جانب أيضا اقتناع الرأي العام أو أغلبية المواطنين فهم أصحاب الشأن.
ما هو مطلوب أن يجري حوار نفتح له صدورنا وعقولنا كي نتوصل إلى ما يدفع عجلة التطور وصولا إلى استكمال أسباب الديموقراطية.
تعليقات